العدد 3796 - الأحد 27 يناير 2013م الموافق 15 ربيع الاول 1434هـ

إخفاق «الداخلية»... من شراكة المجتمع إلى الوضع الحالي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«الدفاع عن الوطن أخطر من أن يترك للعسكريين، وأمن الوطن أخطر من أن يترك للأمنيين» (جون. إف. كنيدي، الرئيس الأميركي الأسبق).

في العام 2002 كما أعتقد، عقد في البحرين ولأول مرة مؤتمر اتحاد الشرطة العالمي. في ذلك العام ولمّا تزل الآمال في الإصلاح قائمة، دعيت «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان» لحضور المؤتمر الذي شاركت فيه وفود من العديد من البلدان العربية والأجنبية، الأعضاء في اتحاد الشرطة العالمي، والذي عقد تحت شعار «شرطة المجتمع في خدمة المجتمع».

وقدمت بعض الوفود قصص تجاربها الناجحة في تطبيق «الشرطة من أجل المجتمع»، مثل اليابان وأستراليا والدنمارك والأرجنتين. وسردوا قصصاً مؤثرةً لدور الشرطة في خدمة مجتمعها، ما يجعل الشرطي محل محبة وتقدير من قبل المجتمع.

في هذا المؤتمر نوقش أيضاً دور الشرطة في البحرين، والتاريخ المرير عن علاقة الشرطي بالمجتمع، وكانت الأجواء حينها مناسبة للتفهم على الأٌقل. وبعد ذلك المؤتمر تغيّر الوزير القديم وأتى الوزير الحالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، رئيس هيئة الأركان بقوة دفاع البحرين.

ورغم حساسية المجتمعات العربية من العسكريين، فقد كانت الطروحات في البداية مشجّعة، في زيارات الوزير إلى بعض القرى التي عانت طويلاً من القمع على يد الشرطة، ومنها قرية السنابس، حيث كان لقاءً صريحاً من القلب إلى القلب، وقدّم فيه الوزير وعوداً بالتغيير.

ثم جاء تشكيل شرطة المجتمع واعداً بتحوّل في عقيدة الشرطة في تعاملها مع المجتمع. وما هو مهمٌ استدراكه في مؤتمر اتحاد الشرطة العالمي، قول المسئول الأرجنتيني في ضوء تجربة بلاده، للانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية «يجب على الدولة أن لا تورط الشرطة في النزاعات السياسية أو الاجتماعية (أي اضرابات العمال وغيرها) فذلك يحرف الشرطة عن مهامها في خدمة المجتمع، ويفقدها استقلاليتها ونزاهتها ومصداقيتها لأنه يحوّلها إلى أداة قمعية ضد المجتمع».

وفي إطار ما كان يبدو كأنه عملية تحوّل في عقيدة وبنية قوات الأمن، جرى تغيير المظهر، فاستبدلت ألوان سيارات الشرطة من الأزرق الغامق إلى الأبيض فالأزرق أو الأحمر، وجرى استبدال ملابس الشرطة البنية الغامقة بأخرى فاتحة، وجرى اختيار ملابس جذابة للشرطة.

كما جرى أيضاً توظيف العديد من النساء في سلك الشرطة، وأضحين في مختلف المواقع، من الهجرة والجوازات وشرطة المجتمع، وحتى في قوات مكافحة الشغب.

وعلى صعيد الهيكلية، جرت إعادة بنية وزارة الداخلية فأضحت هناك الدائرة القانونية، ولجنة حقوق الإنسان، والمفتش العام للشرطة.

وبالنسبة للعلاقة مع المجتمع فقد جرى استحداث نظام المحافظين، ليكونوا حلقة وصل بين وزارة الداخلية والمواطنين، وتم الترتيب من خلالهم للقاءات بين قيادات وزارة الداخلية والمواطنين.

وفي بادرةٍ عوّلنا عليها كثيراً، جرى اجتماعٌ مطوّلٌ بين سعادة وزير الداخلية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لفتح صفحةٍ من التعاون بين الوزارة والمجتمع المدني. كان لقاء مصارحة يبشّر بلقاءات أخرى وتعاون مثمر. وكانت البادرة زيارةً تفقديةً لوفد الجمعية لسجن جو المركزي، لكن ما كان يجرى تحت السطح مختلف تماماً. فلم تفتح الداخلية الانتساب إليها لنصف المجتمع المستبعد من السلك العسكري والأمني، بل ظلّت تركيبتها أحادية. كما أن التوسع في تجنيد أبناء الجنسيات الأخرى، كان نذيراً بتوجه خطير للدولة وأجهزتها الأمنية، وهكذا أصبح اللقاء الأول هو اللقاء الأخير.

القلعة التي تحتضن وزارة الداخلية، والتي ظلّت ترمز لعقودٍ إلى حاجزٍ نفسي بين المواطنين ووزارة الداخلية، ارتفعت أسوارها بدل أن تزال، وبسرعة فائقة جرى استحداث منشآت ضخمة. أما السجون غير الرسمية والتي أغلقت مثل سجن الحوض الجاف، فقد أعيد فتحها. وما أن انتهى العام 2006، إلا وقد أكلت الحياة السياسية دورتها، وعدنا للمربع الأول للمواجهة ما بين الدولة والمجتمع. ومرةً أخرى أضحت وزارة الداخلية العصا الغليظة التي تضرب بها الدولة المعارضة والمجتمع، وعادت قوات مكافحة الشغب إلى الشوارع والقرى والأحياء السكنية لتزرع الرعب والخوف، وعادت زنازين الظلام تستقبل أفواجاً تلو أفواجٍ من المواطنين المحتجين على سياسات الإفقار والتهميش والتمييز والإذلال. أما التعذيب الذي اعتقدنا أنه اختفى إلى الأبد، فقد عاد بشكل أكثر ضراوةً.

لكن المفارقة هو أن الدولة، وفي محاولةٍ منها لتسويق مشروعها الإصلاحي وتزويق صورتها أمام العالم الخارجي، كدولة ديمقراطية ليبرالية، عمدت إلى التوقيع على مزيدٍ من اتفاقيات التعاون مع الدول والمنظمات الحقوقية الدولية، لتدريب منتسبي الأمن على حقوق الإنسان، والتعامل مع المعتقلين وغيره، لكن ذلك لم يكن ضمن توجه فعلي ومخلص لإعادة تأهيل ضباط وزارة الداخلية على حقوق الإنسان، واحترام المواطن، وسيادة القانون الإنساني، ولذا لم يُحدث ذلك أيّ تغييرٍ في نهج وزارة الداخلية ومنتسبيها، واستمرت العلاقة بين وزارة الداخلية والمجتمع في تدهور، واتسعت الفجوة بين الوزارة والمواطن.

لم تنفع حملات العلاقات العامة، من خلال مختلف وسائط الإعلام للترويج لشعار «أمنك يهمنا» أو «شهر من أجلك»، لم تعد شاخصات الشوارع ولا الاستعراضات، مقنعةً للمواطن الذي أضحى عرضةً للقمع والملاحقة. ألا تدرك قيادة وزارة الداخلية ذلك؟ أن البلاد في حالة طوارئ فعلية؟ ألا تدرك أنه عندما يتسلح حتى شرطة المرور، فإن الخوف من المواطن بلغ أقصاه وخوف المواطن بلغ مداه؟ ألا تدرك أن مرابطة قوات الأمن على مداخل القرى والأحياء السكنية وعلى امتداد الشوارع.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3796 - الأحد 27 يناير 2013م الموافق 15 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 2:23 م

      فرصة

      هل انتم اعطيتهم فرصة للتدريب كل يوم تظاهر و تخريب . اذا حدث لك حادث اول من ستتصل بهم هم افراد الشرطة ليرجعُ لك حقك وانا اطلب منك ان تتصل بلانتربول لان كما تقول شرطتنا ليسُ محل ثقة . وتقول واتسعت الفجوة بين الوزارة و المواطن بالعكس هم منا و فينا ولاكن في تجاوزات وهذا من سنن الحياة .

    • زائر 9 | 6:41 ص

      لو كان حاكمنا منا وفينا لشعرنا بالامن

      لكنه يشعر انه ليس من وفينا ويعيش في قصر رفيع لذا يشعر بالخوف منا اذ انه يرى نفسه ظالم لنا ناهب لنا وووو لذا لا يشعر بنا

    • زائر 8 | 6:39 ص

      مقال واقعي وصريح وصادق

      تعسكرت الدولة في المشروع الإصلاحي وزادت السجون والتحصينات والأسلحة وقوانين تميز بين حياة الشرطي وحياة المواطن وأمنهما وخدماتهما.. يقول أحد الأصزقاء: قبل المشروع الإصلاحي -لم يحدد المدة- كنا ندخل القلعة من باب ونخرج من الآحر.. الآن تبدو القلعة كالقلاع التاريخية التي تبنى لمواجهة الجيوش والعدو الخارجي!!

    • زائر 7 | 4:33 ص

      دار حوار بين احد الاقارب واجنبي فأبدى الاجنبي استغرابه لهذه الحقيقة

      قال احد الاخوة لأجنبي تصور انني من الممكن ان اتصور اني احصل على الجنسية الامريكي وان ادخل الجيش واصبح ضابطا في الجيش الامريكي ولكنني لا اتخيّل في يوم من الايام ان ادخل الجيش البحريني ولا ان اصبح حتى عريف فسأله الاجنبي باستغراب لماذا اليس هذا بلدك وانت انسان مثقف وصاحب شهادات
      قال هو كذلك والاسباب لكم ايها السادة

    • زائر 5 | 3:20 ص

      كل الأوطان يحمي حماها اولادها الشجعان

      ابحثوا في كل العالم لن تروا كالبحرين، البحرين والبحرين فقط في هذا العالم الواسع يحقق امنه الاجانب وهذا بأي حال لن يتحقق لأول سبب وأهم سبب ان نظرة المواطن للشرطي الاجنبي بأنه سارق لوظيفته وحقه في الرزق.
      من الصعب جدا ان تجد مواطنا يقبل بأن يأتي الاجنبي لكي يسرق من ابن الوطن وظيفته ويكون هو المسلط على ابن الوطن اذا طالب بحقه فالمعادلة مستحيلة التحقق

    • زائر 4 | 2:57 ص

      شرطة المجتمع

      والجمبزه ارادوها شراكة مجتمعية ولم نرى ذرة شراكه وحتى شرطة المجتمع ارغموهم على الانغماس في التجاوزات والتعذيب بحق المعتقلبن ومن يرفض ذلك يعاقب بالتسريح هذا غيض من فيض

    • زائر 3 | 2:22 ص

      هي معادلة بين المواطن وامن الوطن فلا أمن للوطن من دون المواطن

      لا يمكن تحقيق الأمن في الوطن من دون امن المواطن واذا احسّ المواطن ان أمنه في وطنه قد سلب فإنه لن يقبل بأن يأمن غيره في وطنه وهو مسلوب الامن.
      هذه حقيقة فليتذكرها الجميع

    • زائر 2 | 12:38 ص

      شكرًا

      شكرًا أستاذي الفاضل، يضاف الى كل ما تفضلت به أن توجه وزارة الداخلية لتوظيف الفاشلين في التعليم ومن في حكمهم يعقد عليها الموقف حيث أن عدسات الكاميرات والهواتف تلتقط كل صغيرة وكبيرة من سلوكيات هذه الفئة والتي قد تكون لا ترضي الوزير وتسبب له الحرج الشديد

    • زائر 1 | 10:50 م

      اسباب التناقض

      التناقض مرده بان التغير الذي روج له كان بسبب الحاجة ولم ينطلق من قناعه . فألقناعه تتجذر وإلحاحه تتبدل والمشاريع الناجحة تبني بقناعه وإلحاحه أساسها تكتيك

اقرأ ايضاً