العدد 3800 - الخميس 31 يناير 2013م الموافق 19 ربيع الاول 1434هـ

قراءة في البيان الختامي للقمة العربية الاقتصادية

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أصدر القادة العرب في ختام اجتماع القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، في دورتها الثالثة، التي عقدت بالعاصمة السعودية، «إعلان الرياض». وقد جددوا من خلاله التزامهم الكامل تنفيذ القرارات التي اتخذت في القمتين الاقتصاديتين السابقتين. وأشاد البيان في مقدمته بالخطوات التي أنجزت، وبشكل خاص ما يتعلق بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبلدان العربية، متمنياً مواصلة هذا الطريق.

الواضح أن الأبرز في إنجازات هذه القمة، هو التصديق على مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بزيادة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية المشتركة، بنسبة لا تقل عن 50 في المئة، لأهمية الدور الحيوي الذي تضطلع به لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة. إن تحقيق ذلك، وفقاً لما أشار إليه البيان، يساهم بشكل فعال بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية، ويسد الفجوة التي تعانيها بلداننا من السلع والخدمات، وتوفير فرص عمل أكثر للعمالة العربية.

وركز البيان الختامي على تحقيق التكامل الاقتصادي، وتنمية التجارة البينية بين العرب، وخفض معدلات البطالة ومستويات الفقر. ودُعي القطاع العربي الخاص إلى المبادرة واستغلال الفرص المتاحة والمساهمة في التنمية الاقتصادية العربية الشاملة.

كما تناول البيان موضوع الطاقة، وتبنى الاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2010 - 2030) لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة، وتنويع مصادرها والوفاء باحتياجات التنمية المستدامة، وفتح المجال أمام إقامة سوق عربية للطاقة المتجددة تعمل على توفير فرص عمل جديدة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص، ودعم المشروعات التنموية الهادفة إلى تطوير استخدامات الطاقة المتجددة بتقنياتها كافة.

والتزاماً بتحقيق الأهداف التنموية للألفية، ودعم جهود الدول العربية الأقل نمواً لتحقيقها، وبشكل خاص ما يتعلق منها بمكافحة الجوع ومواجهة الآثار الناجمة عن الأزمات الطارئة في مجال الأمن الغذائي، اعتمد البيان توصيات المؤتمر العربي بشأن تنفيذ الأهداف التنموية للألفية حتى العام 2015 لبلورة رؤية عربية تساهم في وضع الرؤية العالمية لأهداف التنمية المستدامة الجديدة ما بعد العام 2015، قيد التنفيذ، وخصوصاً دعم الجهود الرامية إلى تعزيز رفاهية الفرد والمجموعة عبر أنماط متساوية، وتعزيز التنمية الشاملة.

وجرى التركيز على تحسين مستوى الرعاية الصحية، والإسراع بوضع سياسات وخطط عمل بشأن المحدّدات الاجتماعية للصحة، والإيفاء بالتعهدات الخاصة بصحة الأم والطفل واستئصال الأمراض المعدية والتصدي للأمراض السارية.

وعلى طريق تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، أشار البيان إلى أهمية استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية العام 2013، وبذل كل الجهود للتغلب على الصعوبات التي تحول دون ذلك. وبارك الخطوات التي أنجزت على طريق بناء الاتحاد الجمركي العربي، وصولاً إلى التطبيق الكامل له في العام 2015.

وحرص البيان الختامي أيضاً، على الدعوة إلى توفير الأمن الغذائي للمنطقة العربية، ووجه الهيئات والمنظمات المعنية إلى سرعة تنفيذ البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، والتنسيق في ذلك مع الدول العربية المستفيدة من البرنامج، ودعا القطاع الخاص إلى الاستفادة من مشروعاته.

وتناول بيان القمة الأمن المائي العربي، باعتباره جزءاً من الأمن القومي، وأكد تصميم القادة العرب على تنفيذ «استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية» و «مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية»، لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للموارد المائية بهدف تحقيق التنمية، وتوفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الماء.

وناقش المؤتمرون أيضاً، موضوع حماية البيئة، فأوصوا بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث، والإسراع في دمجها في الخطط التنموية، وحثّ دول المنطقة التي لديها محطات نووية بالإفصاح عن تقارير السلامة المتبعة، ودعوتها للانضمام إلى اتفاقية الأمان النووي لتجنيب المنطقة الآثار السلبية على البيئة من جراء ما قد يترتب من حوادث خطرة.

وفي هذا السياق، أيضاً أكد بيان القمة الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو التابع لها.

تلك باختصار، النقاط الرئيسة التي وردت في البيان المطول الصادر عن القمة الاقتصادية التنموية، وهي بلا شك خطوات واعدة، ليس الأهم أنها صدرت عن القادة العرب فحسب، بل لأنها جاءت بعد وقت طويل من الانتظار. فقد بدأ الحلم بتأسيس وحدة عربية، وتكامل اقتصادي عربي منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر. وخلال أكثر من قرن ونصف القرن، تحققت وحدات قومية عديدة، ونشأت أحلاف وتكتلات اقتصادية وعسكرية كبرى في العالم. وخلال الستين عاماً الأخيرة، بدأ التبشير بالاتحاد الأوروبي كفكرة، تحققت بالسوق الأوروبية المشتركة، منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، وانتهت إلى اتحاد يضم جميع الدول الأوروبية.

إن أهمية هذه القرارات، أنها تأتي في ظل حراك شعبي غير مسبوق، وفي منعطف تاريخي عربي، أكد بما لا يقبل الجدل، استحالة بقاء الحال على ما هو عليه، وقام بتحريك المياه الراكدة في مجتمعاتنا. إن عصرنا هذا ليس فيه مكان للخائرين والعاجزين، إنه عصر تكتلات كبرى، وفيه ينبغي أن تتحول الشعارات التي سكنت في اليقين عقوداً طويلة، منذ بداية القرن العشرين، إلى واقع متحقق، يجعل حلمنا في أمة عربية مقتدرة وموحدة، أمراً ممكن التحقّق متى ما خلصت النوايا وتحول الحلم إلى وعي وإرادة وفعل.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3800 - الخميس 31 يناير 2013م الموافق 19 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً