العدد 3830 - السبت 02 مارس 2013م الموافق 19 ربيع الثاني 1434هـ

«طمبورها»... لكن «دلدغني» يابو الهريس!

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

دوناً عن كل شعوب الخليج، يمتلك الشعب البحريني ميزة فريدة في التعبير بخفّة دمه حتى في أشد الأزمات كالتي نعيشها! ولربما من بين أكثر العلامات البارزة هنا، استخدام بعض المفردات والمصطلحات الشائعة بأكثر من لهجة شعبية محلية، أو توظيف كلمات وعبارات من اللغة العربية الفصحى لتعطي، زعماً، دلالة على موقف أحد الأطراف في الحوار أو النقاش السريع أو الحاد.
وهذه الميزة ليست أمراً مذموماً... صحيح، تتسبب بعض تلك الكلمات في إثارة الغضب وحرق الأعصاب في بعض الأحيان، فيما تكون في أوقات أخرى سبباً في تلطيف الجو وإشاعة لحظة فكاهة تزيل الكثير من التشنج بل وتفتح المجال للتفاهم. وأتكلم هنا عن الحوارات والنقاشات بين عامة الناس البسطاء في مجالسهم ومقاهيهم وأعمالهم، وعلى العموم، كثير منها ليس سيئاً إن جاءت في سياق محترم مهذب لطيف، لكنها لا تصلح أبداً لأجواء السياسيين والرسميين أو أولئك الذين يتعاملون مع بعضهم البعض، وبشكل مسبق، بسوء نية.
بعض تلك الكلمات تأتي مفاجئة ومباغتة حينما يتكلم مواطن عن موضوع لا يمكن أن يتحقق ويبقى في حيز التصريحات الفضفاضة في الصحافة على ألسنة المسئولين أو من ضمن الوعود الحالمة التي تتكرر وتتكرر منذ سنين دون أن تجد لها محلاًً في التطبيق على أرض الواقع. قد تجد مواطناً يقرأ عنوان صحيفة من قبيل: "المشروع الفلاني يُقام على مساحة شاسعة ويضمن 2000 وظيفة للمواطنين"، فتجده يعلق: "طمبورها... من سنين وبنين نسمع عن هالمشاريع.. لا هي تحققت ولا احنه اشتغلنا".
ولربما كان الأمر يتعلق بالوضع السياسي من قبيل أن المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، وأنه ليس هناك أحد فوق القانون، وهناك توجهات للحفاظ على اللحمة الاجتماعية والأمن والسلم الاجتماعي وعدم السماح للطائفيين في مجتمعنا الذي يؤمن بالتسامح والتعايش، ولكون هذا المواطن أو ذاك قد شبع كثيراً من مثل هذه التصريحات التي يشوبها الكثير من "الجمبزة" في التطبيق على أرض الواقع فتجده يعلّق بتلقائية: "دلدغني يا بو الهريس"، في إشارةٍ إلى أن مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها دغدغة مشاعر.
وفي كثير من الأحيان، تجد مواطناً وقد خرج من إحدى الجهات الحكومية الخدمية بعد أن أنضجته المعاناة من تأخر معاملته فيصرخ: "وين عيل الكلام عن تيسير إجراءات المواطنين وتطوير الأنظمة وسرعة الإنجاز... بقبق".
خذ مثلاً، حين يستمع مواطنٌ لمسئول أو نائب أو خطيب يتحدث عن المدينة الفاضلة، وأن مستوى المعيشة للمواطن أفضل بكثير مقارنةً بدول مثل بنغلاديش والصومال ونيجيريا وجزر القمر... هنا، ليس غريباً أن يعبّر ذلك المواطن بامتعاض قائلاً: "أقول استريح بس".
هذا النوع من المفردات ما عاد مقتصراً على النطق اللساني في انتشاره، بل مع الانتشار الكبير لاستخدام وسائل الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي، فقد انتشرت ظاهرة استخدام الوسم (هاش تاق) في حسابات التغريد (تويتر) فتجد مثلاً أن هناك مغرداً اعتاد على كتابة تغريدات فيها تهديد ووعيد وإرعاب وإرهاب بالويل والثبور، فتنتشر بعض الهاشتاقات من قبيل: #يمه- خفنا في الرد على ذلك المغرّد، أو أخرى من عينة: #عدال- يلخطير، وربما وجد أحد المغردين فرصةً للرد على كل تلك التهديدات والأسلوب الهمجي وتوعد الآخرين بأنه سيصل إليهم وسينالون جزاءهم بأسلوب فكاهي مستخدماً بعض الأوسمة من قبيل: #المحقق-كونان، أو #صادوه-شارلوك-هولمز.
ولا بأس إن جلس أحدهم ليلقي على مسامع المواطنين الذين تواجدوا حوله سواءً كان ذلك في محاضرة أو في مجلس أو في العمل، الكثير الكثير من المعلومات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فيتفاجأ بأحدهم وهو يشكره على هذه المعلومات القيمة، لكنه يختمها بعبارة: "درر... والله درر، عطنه من الأزرق"، في تعبير عن حجم الكلام المنفوخ الذي لا يمكن تصديقه.
من العبارات التي انتشرت في التعليق والتعقيب على أمر جلل يقوله فلان المسئول أو علانة النائب أو فلتان الصحافي دون أن يدرك بأنه إنّما يضحك على عقول أناس هم أكثر منه وعياً وإلماماً بالأمور، فلا بأس إن وجدت أحدهم يناقشه ثم يعلق بالقول: "لزوم نبلغ الشيخ بالسالفة".
أيضاً، على حسابات الأنستغرام وفي مجموعات الواتس أب، أصبح الناس يتناقلون التعليقات المصوّرة، فتجد أحدهم يضع صورة مسئول يرفع سبابته وعينه محمرة ويكتب تحتها: "صيروا أوادم أحسن ليكم"، أو يضع صورة أو رسماً كاريكاتيرياً لشخص جيوبه (دالعة لسانها) يكتب تحتها: "ما في زيادات يعني؟"، ولربما ضحكنا كثيراً من صورة جميلة لطفل في يده مضرب بيسبول وتحتها عبارة: "ستندمون"، أو طفل صوّره أحدهم وهو يجلس في مقلاة على فرن وتحتها عبارة: "أمي مشغولة بالواتس حسبتني أنا الدجاجة".
على العموم، فإن التنفيس بالفكاهة اللطيفة المهذبة أمر لا بأس به خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من حزمة مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وليت في الإمكان أن تسبق تلك الفكاهة حسن النوايا بين الناس فتصفو نفوسهم وقلوبهم ويتقبلون بعضهم البعض. وقد وجد بعض علماء النفس أن هناك ما يسمى بالـ "نكتة المواتية"، وهي تعبيراتٌ فكاهيةٌ تنتجها الأزمات والمحن والظروف المعيشية الصعبة. إذن، لا بأس يا جماعة من أن نراقب كل شيء حولنا، بكل إحباطاته وتعقيداته وسواده بالطرفة اللطيفة حتى لا نموت كمداً ناقصين عمر.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 3830 - السبت 02 مارس 2013م الموافق 19 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 4:33 ص

      متابع

      كتاباتك متنوعة وجميلة للمتلقي, ودليل على أن من بيننا مبدعين لو اعطو المجال. شكراً على كتابة اشياء تستحق القراءة.

    • زائر 15 | 3:54 ص

      فرفواش....

      والله فرفشنا اليوم بو فرافش ههه هه هه هه......!!?

    • زائر 12 | 3:26 ص

      بحاجة

      الى موسوعه خاصه بس بالهاش تاغ بس لمغردي البحرين.

    • زائر 8 | 1:01 ص

      والله انا ميت كمدا

      بس بعد ماقريت مقالتك اخ سعيد رجعت لي الضحكة والابتسامة
      جعلها الله فى ميزان حسناتك من هالصباح بس ما اقول بعد الا طنبورها اشتغل عاطل مهموم ومكدر ومعصور وميت حيا

    • زائر 7 | 12:52 ص

      الشعب الطيب

      طمبورها وبقبق ودلدغني ياوزير

    • زائر 3 | 12:03 ص

      شلخني يا بو السعيد

      حيا الله الخال.. شوف خالي بومحمد لو ويش يسوون في شعب البحرين الطيب بصراحة.. سنة وشيعة.. اقول لك يالخال سنة وشيعة اصليين طيبين حبابين.. ماعليك من هالكلام في التلفزيونات وجرايد الخزي ما عليك ترى الناس اليوم كلهم حبايب ما عليك من تلفزيونات العين العورة ولا من مخرخشهم ولا من المارد ترى كله حجي فاضي.. حلوين طيبين احنه سنة وشيعة.. مشكور يا بومحمد طيبت خاطرنا خليتنه نفرفش من الصبح.. والله كريم.. يالله قولوا كلكم الله كريم وصلوات على ابو الغزوات

    • زائر 11 زائر 3 | 2:03 ص

      مرحبا

      ههههههههههههه الواحد ما يدري يصيح لو يضحك من الوجع

    • زائر 2 | 11:49 م

      شعب ولا أطيب فعلاً يا زائر 1

      فعلاً يا زائر 1 كلامك سليم شعب ولا أطيب ونشكر الكاتب المتميز دائماً اخي وجاري وولد ديرتي البلادي ابو محمد سعيد على هذه المساحة من التنفيس الجميل والمريح للأعصاب.. ارتحت وأنا اقرأ وشعرت بالبهجة رغم أن كل ما حولنا سيء جداً.. لكن الشعب البحريني هو الذي يقود الحراك ليس على مستوى البحرين بل على مستوى المنطقة بأكملها نحو تدشين مرحلة جديدة للحقوق والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.. شكراً استاذ سعيد

    • زائر 1 | 11:45 م

      رائع

      لو ما الناس تضحك وتسلي روحها من الهم والقهر الي هي فيه انشان شفت شعب البحرين كله يكلم نفسه وين يحصلون مثل هالشعب الطيب الصبور .

اقرأ ايضاً