العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

ذاكرة (22)

عبدالجليل السعد comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حكايات زمان كانت حقيقية بقدر المبالغة والتهويل والإطالة والتقصير فيها، وذلك نتيجة لطبيعة البيئة التي قدمت منها وأفرزتها دون تزويق وتجميل، ولأنها كذلك؛ فقد استمرت ودامت في الذاكرة وفي المكان، فأماكن استعادتها وحكيها. من منا لم يسمع بالسوس أو رباع السوس أو كما كان يسميه كبار السن وقتها رباعوه. والسوس كان أهم راقص ليوه في البحرين كما شاهدته لمرات كثيرة شخصيّاً، وهو مخيف في هدوئه وفي رقصه وفي ما يخفيه من حكايات مرعبة تناقلناها من الطفولة حتى الشباب. فرباع تنقل كثيراً في سكنه، لكنني رأيته آخر مرة قبل غيابه يسكن بيوت السعف في الحورة قبل احتراقها. ولرباع سمعة سيئة أبعدت الناس عنه وأبعدته عن الناس ولم أره قط يتشاجر أو يخلق مشكلة مع أي شخص. وكان يقال انه يسكن المقابر ويجاور الميتين، كما وردت حكايات كثيرة عن نبشه للقبور وحكايات أخرى لكني لم أصدق الكثير فلم يكن رباع عندي سوى راقص ليوه يناطح في طوله السماء ويحاكي في لونه الليل.

سعد مسامح أو سعد مطر أو فقط سعد كان الفنان الأول والأوحد في الفريج والأجمل شكلاً وروحاً ولي في حياته ذكريات طويلة وإعجاب خاص. فسعد كان فناناً قديراً وكان ينحت تماثيل صغيرة من الجبس لجمال عبدالناصر وكان يعطيها للأصدقاء، وكان لدي تمثالي الخاص. وكان سعد هو من يصنع الفريسة ويزينها بالأقمشة ويلونها ويشدها من الجريد والعصي، كما كان يحملها ويرقص بها في رمضان والقرقاعون ضمن حملات فريقنا (فريق القاهر). لم أعرف عنه سوى أنه يعمل في وزارة التربية، وكانت في الوزارة باصات لونها رصاصي ولها مقاعد متقابلة ولما قدمت باعوها في المزاد العلني واشترى سعد واحداً من هذه الباصات. وكان يأخذنا في رحلات صغيرة عفوية وجميلة، سافرت بعدها ولما عدت لم يكن هناك سعد في الفريج واخبروني انه مات. حاولت أن أعرف عنه اكثر هل تزوج هل لديه أطفال فلم يخبرني أحد بشيء عنه، ولما سألت عن أخيه قيل لي إنه مات كذلك. وبقي سعد في ذاكرتي بابتسامته وطوله وجمال أحاسيسه وإبداعه. كانت لدينا أكثر من براحة وأكثر من عين وخرابة، وكانت البراحات والخرايب والبيوت المتداخلة في الدواعيس خير ملجأ لنا في لعبة الصعجير. واللعبة كانت مقياس رجولة أكثر منها لعبة مسلية خاصة، وإننا كنا نلعبها في الليل في الدواعيس الخالية من اللمبات والتي كنت أذكرها بالفلاتية كنوع من اللعب وليس التخريب، فلم نكن نعرف الفرق بين المصطلحين وقتها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:13 ص

      الله يرحمك يابوي

    • زائر 1 | 10:00 ص

      الله يرحم ناس الأول وزمان لول الجميل

      ذكريات الطفولة العفوية جميلة راح زمن لول وناسه الطيبين ولا بيرجع , كل زمن ليه مكانه وناسه جت العولمة وخربت التراث بل امحته

اقرأ ايضاً