العدد 3845 - الأحد 17 مارس 2013م الموافق 05 جمادى الأولى 1434هـ

قدرات الخصم

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

في عالمنا العربي والاسلامي، مازلنا كأنظمة وحركات، نعيش الأحلام الوردية تجاه خصومنا، ولا أقصد بالخصم هنا المعنى الدقيق للكلمة، وإنما أقصد الطرف الذي نعارضه أو يعارضنا.

التجاهل لقدرات الخصم وعدم التعامل معها بمنطقية ووعي، يدمّر الكثير مما نبنيه ونشيده على مدار سنوات عديدة.

«الاستخراط» التام من قبل الأنظمة العربية لقوى المعارضة فيها، والإذلال المستمر والمتصاعد لشعوبها، هو عرَضٌ قاتلٌ لمرض الأنظمة المزمن القائم على عدم تقدير تلك الأنظمة لقدرات الخصم، ومن ثم التعامل معه بقانون التطويع والعقاب والتشويه والتأجيل والاستهتار بكل مطالبه وحقوقه.

حديث بعض المعارضين للأنظمة هو الآخر لا يخلو من هذه الإشكالية، وذلك حين يتعامل معها باعتبارها لا حول لها ولا قوة، وأنها بين عشية وضحاها يمكن أن تترك كل مصالحها وتفر، أو تسلم عن يد وهي صاغرة ومنكسرة وذليلة.

التقدير السليم لقدرات الخصم هو أول الخطوات العاقلة في الدخول لأية حلبةٍ أو صراع، لأن الخطأ في التقدير ثمنه فادح وكلفته باهظة.

وأصعب كلفة هي حين يصل هذا الطرف أو ذاك أو كلاهما للطريق المسدود، فلا التراجع ممكن، ولا الاستمرار ينبئ عن أفق، وحينها تتحول الصراعات إلى نوع من الإنهاك الذي يراهن عليه كل طرف، ويعتقد أن الآخر هو الأقرب إليه – لنفس الحسابات والتقديرات الخاطئة – وأنه سيرفع الراية عمّا قريب.

الأنظمة باستهانتها بقدرات الشعوب توسّلت بالقوة المفرطة، وأمعنت في استخدام البطش، وقست ثم قست إلى أن حوّلت الشوارع والميادين إلى ثكنات عسكرية، فيها كل أنواع الأسلحة التي تسمح بها الظروف وتتحمّلها الساحة والأوضاع المحيطة.

والحركات لعدم تقديرها السليم لقوة الطرف الآخر توسلت بالحماسة - المفرطة أحياناً – فاندفعت وتحرّكت وكأن المعادلة تعتمد عليها فقط، بعد أن حذفت الآخر من قاموسها وجميع حساباتها.

ربما تكون الصورة أقرب لو تمعنا في الوضع السوري وما آلت إليه الأمور هناك، وكذلك الوضع المصري الحالي الذي كاد أن يتفاقم لولا شعور الدولة بقوة الشعب والمعارضة مهما كان حجمها، وضرورة التوافق ولو ببعض التنازلات.

صدق القضية وسلامتها، أحقيتها وضرورتها وإنسانيتها، الاستعداد للبذل والعطاء لها، الإخلاص والتفاني من أجلها، الفداء بكل ما يملك الإنسان من غالٍ وثمين في سبيلها، كل ذلك لا يعفي أحداً من ضرورة الحسابات الدقيقة، وأخذ الآخر على محمل الجد، والتعامل مع القضايا باعتبار أن لها طرفين أو أطرافاً قد تتشابك وتعقد المعادلات.

العقل بدون حماسة يكبل المجتمعات ويسلبها إرادة التغيير، والحماسة دون عقل تحرق المجتمعات، وتسبب انفلاتا غير محسوب العواقب. والوعي السياسي هو الذي يمازج بين العقل والحماسة، بين معادلات الأرض واستمداد العون من السماء، بين الاندفاع بقوة وإعطاء الفرص لمحاولات التوصل إلى حل.

الاستخفاف الدائم من قبل أي طرف بالآخر هو خسارةٌ لكلا الطرفين، واحترام الخصم من الطرفين - بمعنى التعامل معه بواقعية – هو الذي يوصل إلى نتائج تساوي ثمنها المدفوع.

لا أود أن تفسر كلمة الواقعية في المقال باعتبارها استسلاماً للواقع، كما لم أحبّذ استدعاء التاريخ ومواقف رسول الاسلام (ص) المتدرجة في تعامله مع أعدائه، كي لا أسقطها على المقال بتسرع.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 3845 - الأحد 17 مارس 2013م الموافق 05 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:15 ص

      استثمر هذه المقولة

      لكل قوي نقاط ضغف ولكل ضعيف نقاط قوة .....ادرس الطرف الاحر واعرف نقاط ضعفه وانقض عليه منها ....وادرس نقاط ضعفك وحولها الى نقاط قوة ....لاتستهين باحد او طرف فالارنب غلب الاسد والبعوض فقأعيني الاسد ولا تغرك الاحجام ...لا تحقرن صغيرا في مخاصمة =ان البعوضة تدمي مقلة الاسد

    • زائر 3 | 3:56 ص

      مقال في واقع التكوين الالهي

      كلمة واحده لأولي الالباب
      كل قوة لا تقهر الا بقوة مضادة لها اقوى منها او على أقل تقدير متساوية.
      إن ظمنت انك الاقوى فاسعى لقهر قوة عدوك واجعله في خبر كان بالعقل والتدبر لمواجهته
      بالقوة.
      وإن كنت الاضعف في المواجهة فعليك بالعقل دون القوة متدبرآ في قوله سبحانه وتعالى
      واعدوا لهم ماستطعتم من قوة.
      وعليك بواقع التشريع الكوني
      لكل سبب مسبب.
      فلا امر يتحقق بالاحلام بعيدآ عن الاسباب.

    • زائر 2 | 3:16 ص

      احترام الخصم

      لكم الشكر ع المقال المتميز والتي كنت أصلاً أبحث عن أهمية تشخيص الخصم مهما علا شأنه فكان الجواب من خلال المختصر المفيد من جنابكم الذي يمطمط حالة العنفوان لدى الخصم مهما قويت شوكته وباسه لا بد من احترام مكامن القوة الظاهرية والخفية لدى الخصم حتى يمكن للطرف المقابل المنازلة والاحترام من الطرف الاول ...لابد من مزاوجة العاطفة والعقل حتى يتسنى لاصحاب الحق سوى الخصم أو الطرف المقاوم تحقيق ما يصبون من نصر للخير ورد النصاب الى أصحابه...شكراً لكم ع الابداع ف الطرح ومعالجة الامور والحر تكفيه الاشارة..

اقرأ ايضاً