العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ

ذاكرة (24)

عبدالجليل السعد comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما يتم الحديث عن المحرق كمدينة ضمن دولة أو مملكة لابد من الحديث أو التفكير فيها لا من ناحية التاريخ أو الجغرافيا، بل يجب ذكرها كنسيج خاص، امتلك تاريخه وعلاقاته وجغرافيته الشخصية مقارنة ببقية البحرين أو الدولة. وكما ننظر إليها، نحن أبناءها، بفخر وتقدير مبالغ فيه في أحيان كثيرة، لذلك كان الموت والمرض مناسبة واجتماعاً أكثر منه حزناً وغمّاً. فالمقبرة مكان تجمع وقد تعوَّد الكثير من الناس الذهاب الى المقبرة كي يدفنوا أي ميت تصادف وجوده في ذاك اليوم وذلك للأجر ولقاء المعزين الذين من دون شك يعرف بعضهم بعضاً. كذلك المرض والمستشفيات فقد وجدت نسبة من الناس تزور من لا زوار عنده وقد تحضر له بعض الحلويات. أما الأفراح وخاصة حين ترتبط بالفرق الشعبية فالكل موجود سواء مدعوّاً أو غير مدعو وليس لأحد الحق في طرد أحد من فرح، حتى تكونت الفنادق والقاعات المغلقة، وأصبحت الأفراح للأكل والنميمة وانتقاد ملابس ومكياج فلانة وعلانة. كانت الجنازات مثار استغراب بالنسبة لي، فكان الناس يغسلون الميت في بيته. لما مات عمي غسلناه خلف الباب الكبير بالماء وطيبناه بالعود والكافورالمغموران بالقطن، ثم حملناه حتى المسجد وصلينا عليه ثم أخذناه على نقالة تعاون على حملها كل من مرت عليه النقالة من فرجان. وكانت كل النعوش تحمل وينقل الميت على نقالة بعد أن يكون قد كفن ثم لف بحصيرة ثم غطي ببشت. والغريب أن كل البشوت التي رأيتها على النعوش كانت بنية اللون، ولم أعرف حتي اليوم مصير كل هذه البشوت لأن الميت (وقد عرفت هذا بعدها بفترة طويلة) يدفن بكفنه فقط. الأفراح كانت بالطريقة نفسها، فالعرس فرحة من حق الجميع مشاركتها ومن حق الجميع الرقص فيها، ولا يمنع أحد من حضورها سواء من فريج آخر أو مدينة أخرى. كما كان الزواج فرصة للتعارف والغزل ومعرفة من هذه الحلوة ومن تلك. وكان الأولاد والبنات ينظرون إلى بعضهم بعضاً بحسرة من دون الجرأة على الكلام أو حتى الإشارة أحيانا، وأحيانا عندما يكون الفرح أكثر انفتاحاً وحضوراً تكون الفرص دوماً أكبر. في الستينات كانت الأفراح أكثر حيوية وفرحاً، وعندما لا توجد فرقة شعبية يكون مشغل اسطوانات بلاستيكية لمطربين ومطربات عرب (يشابه في هذا الدي جي اليوم) وتكون هناك سماعة. وقد بدأت كبدعة وباستغراب واستهجان ثم أصبحت عادية، وخاصة بعد أن بدأت الفرق الشعبية تغني أغاني المطربين العرب بدلاً من الأغاني الشعبية . زمان كان الفرح والحزن يخدمان المجتمع في تواصله وغرس الكثير من القيم المفقودة اليوم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"

العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً