العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ

العراق واستحقاقات المستقبل

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

بعد سنوات طويلة من حصارٍ قاسٍ، بدأ منذ حرب الخليج الثانية العام 1990، حصار لم تشهد له المنطقة مثيلاً، في تاريخها المعاصر، أقدمت الإدارة الأميركية وحلفاؤها على شن حرب. شنت الحرب، في 20 مارس/آذار 2003، تحت ذريعة نزع ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق، وأيضاً اتهام أميركي للنظام العراقي، بإقامة علاقات مع تنظيم القاعدة. وحين احتل العراق، بعد تدمير شامل لبنيته التحتية، ولهياكل الدولة، ومصرع عشرات الآلاف من العراقيين، لم تتمكن من إثبات ادعاءاتها، وثبت بطلان ذرائعها.

تمكّن الغزاة، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من العدوان، من دخول عاصمة العباسيين بغداد في 7 إبريل/نيسان وإسقاط الدولة الوطنية الحديثة التي تأسست بعد الاستقلال، إثر نهاية الحرب العالمية الأولى.

انتهت الحرب، بتدمير بلد عريق ومصادرة وجوده كياناً وهوية. وكانت حصيلة ذلك تمزيق نسيجه المجتمعي، وفرض عملية سياسية تغلّب الهويات الجزئية، وتكبح الهوية الوطنية الجامعة، وتستند إلى القسمة بين الطوائف والأقليات العرقية، والهدف من ذلك هو إبقاء العراق، ضعيفاً، وغير قادر على النهوض، والمشاركة مع أشقائه العرب في دفع مسيرة تقدم الأمة، والدفاع عن ثوابتها.

شمل التدمير، إضافة إلى البنية التحتية، المواقع والآثار التاريخية، وأماكن العبادة، والمتاحف والمراكز العلمية، والجامعات والمعاهد. وتجاوزت أعداد القتلى، جراء الحصار والحرب أكثر من مليون عراقي، وتشريد ملايين العراقيين، داخل وطنهم وخارجه. وعلى صعيد الثوابت القومية، لم يعد لمفهوم التضامن العربي حضور، وتراجعت إلى الخلف، مواثيق وعهود واتفاقيات، تراكمت منذ تأسست جامعة الدول العربية، بأن يقف العرب مع بعضهم بعضاً، أمام العدوان الخارجي، وأن يعتبروا أنفسهم جسداً واحداً، وأن أي انهيار في منظومة الأمن القومي العربي، هو تهديد لكل الأقطار العربية.

باتت البلدان العربية، مشغولةً بمصالحها الخاصة، وفتحت الأبواب مشرعة للعدوان على العرب وعلى ذاكرتهم ومواريثهم الدينية والثقافية والحضارية. وغدت قضية فلسطين، موضوعاً مؤجلاً، ولم يعد شأناً مؤرقاً في الاجتماعات العربية. وتآكلت مساحة ما تبقى من أرض محتلة، من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والمعابر والجدران العازلة، ولم يعد للفلسطينيين والعرب ما يتفاوضون عليها. وغدت العلاقة مع الصهاينة، شأناً خلافياً، يحتمل الجدال، وليست مسألة كينونة ووجود.

وحدهم العراقيون، رفضوا الاستسلام لواقع الاحتلال. لم ينتظروا طويلاً، وقاوموه منذ الساعات الأولى لسقوط بغداد. وكان منطق مقاومتهم مستنداً إلى أن احتلال بلادهم هو في المبتدأ والخبر، عدوان صارخ، غير قانوني وغير شرعي، وهو فوق ذلك كله، بالضد من حقهم في الحرية وتقرير المصير. وقد أكدت مبادئ السماء وشرعة الأمم حقهم في المقاومة لتحرير بلادهم من هيمنة الاحتلال.

وبفضل كفاح العراقيين، تحولت هذه المقاومة، لواحدة من أعظم حركات المقاومة في المنطقة والعالم، مجبرة الأميركيين، بعد منازلة أسطورية، على الرحيل. نتج عن هذه المنازلة، إرباك المشروع الكوني الأميركي، الهادف إلى تفتيت المنطقة بأسرها، وتحويلها إلى كيانات صغيرة. ومن جهة أخرى، كشفت مقاومة العراقيين عن الأزمة البنيوية التي يعانيها الاقتصاد العالمي، وفي المقدمة منه الاقتصاد الأميركي، ولتضع العالم بأسره أمام معطيات وواقع جديد.

لكن تركة الاحتلال بقيت جاثمة على صدور العراقيين حتى يومنا هذا. فالعملية السياسية التي نفذها المندوب السامي الأميركي، بول بريمر، ظلت تمسك بخناق العراقيين، وتعوق تطلعاتهم في كسر القيود.

إن هذه التركة، هي التي تعطي للحراك الشعبي الذي شهدته محافظة الأنبار، وقد انتقل بسرعة الهشيم إلى الموصل وبعقوبة وسامراء وتكريت، ليصل إلى قلب بغداد، مشروعية ووجاهة. فهذا الحراك يطرح مطالب واضحة، في مقدمتها إلغاء العملية السياسية، باعتبارها من مخلفات الاحتلال، ولأنها تتعارض مع مفهوم المواطنة، وتمزّق العراقيين إلى طوائف وأقليات، حيث تغلب الهويات الجزئية على حساب الهوية الجامعة.

إن الردّ على ما يحاك للعراق لا يكون إلاّ بالاستجابة لمطالب الحراك الشعبي السلمي العراقي المستمر منذ أشهر، وإيجاد مناخ صحي لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، بعيداً عن منطق الثأر والكيدية والانتقام.

إن الاستجابة لمطالب العراقيين، الذين يرفعون مطلب التخلص من تركة الاحتلال، في عدد كبير من المحافظات العراقية، هي وحدها التي تعيد للعراق حضوره التاريخي، وتحصنه من مختلف أشكال التدخل الخارجي والتحريض الطائفي. فطبيعي أن يطالب العراقيون بإفراغ السجون من المعتقلين، وأن يعود المنفيون إلى ديارهم. فأغلبية هؤلاء المعتقلين والمنفيين لا يحملون جرماً، سوى مقاومتهم للاحتلال والدفاع عن أرضهم وكرامتهم، بما يضعهم في خانة الشرفاء والأبطال المدافعين عن أوطانهم وأمتهم.

من حق العراقيين أن ينعموا بالحرية والكرامة، دونما تدخلات إقليمية. من حقهم أن يطالبوا الجارة إيران بالتخلي عن نزعات التوسع والعدوان، والتدخل في شؤون بلادهم، والانتصار لفريق على حساب فريق آخر، ومن حق العراقيين أيضاً، أن يناضلوا من أجل إلغاء قانون الاجتثاث الذي حرم الملايين من المأوى والمأكل والملبس، وعرضهم للشتات.

ومن حقهم أيضاً، أن يطالبوا بإلغاء قانون الإرهاب، الذي أصبح سيفاً مسلطاً، على كل عراقي شريف يناضل من أجل تطهير بلاده من رجس الاحتلال وعبث العابثين. ومن حقهم أن يطالبوا بإجراء انتخابات تشريعية نزيهة وشفافة، وألا يتم إقصاء أي فريق سياسي عنها، وإعادة صياغة دستور جديد للعراق يكون معبّراً عن إرادة العراقيين جميعاً وتوافقهم، من دون إقصاء أو تهميش.

من حق العراقيين، في انتفاضتهم الباسلة، أن يطالبوا بالقضاء على الفساد، وبضبط موارد الدولة والوطن، وعلى هدر المال والثروة، شجّع المحتل عليه وما زال مهيمناً على موارد العراقيين.

ومن حق العراقيين على أشقائهم العرب، ألا يدعوهم بمفردهم، في مواجهة تركة الاحتلال والتدخلات الإقليمية، فللعراق وشعبه ديون كثيرة في أعناقنا، لا تستقيم البوصلة من دون الوفاء بتسديدها. فهل ستكون الانتفاضة العراقية الباسلة، للتخلص من تركة الاحتلال وكسر القيود، تذكرةً بما ينبغي على العرب عمله للمساعدة على الخروج من النفق، وليعاد للعراق ألقه وحضوره؟

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:42 ص

      خليكم بعيد عن العراق أسلم له

      يكفي العراق ما جاءه ولازال يأتيه من العرب التكفيريين التفجريين ... لا نحتاج لسورية ثانية... الله يحفظ العراق

اقرأ ايضاً