العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ

النظام السوري وفقدان التمثيل

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

منذ بداية الثورة السورية في أواسط مارس/ آذار 2011 امتلأت شوارع سورية بمئات الألوف من المتظاهرين السلميين المطالبين بدولة غير بوليسية تواجه الفساد عوضاً عن تبنيه، وتساوي بين السوريين عوضاً عن التمييز بينهم على أسس مناطقية وطائفية، الذي فجر ثورة السوريين بينما الغالبية العظمى من الشعب تعيش مع مخاوف لقمة العيش والحياة الكريمة في كل لحظة.

لم ينزل المتظاهرون السلميون إلى الشوارع والميادين إلا وقد وصلت حالة الاحتقان في ما بينهم إلى حد لا يحتمل. وكما حصل في دول عربية أخرى، فبعد بدء إطلاق النار على المتظاهرين بدأت الناس تنادي بسقوط النظام وذهاب الرئيس.

مرّت الشهور الأولى للانتفاضة السورية بينما تتراكم أعداد الضحايا في مختلف المدن السورية. تمسك النظام السوري بروايته: زمر مسلحة مندسة تقوم بأعمال الشغب. تلك الدعاية الرسمية تناقضت مع ما كان يصل إلى العالم العربي وللعالم الأوسع عن حقائق الثورة السورية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما تناقضت تلك الدعاية الضعيفة مع ما أعلنه عدد من النواب والوزراء والشخصيات السورية التي كانت حتى لحظة اندلاع الثورة جزءاً من نظام الأسد.

ولو وقع ما وقع في سورية في بلد ديمقراطي أو شبه ديمقراطي لتغيّرت حكومته بين ليلة وضحاها، أما في سورية فتحوّل الأمر إلى حرب مدمرة لأن تحالف الفساد والاستئثار الممزوج بالجهل لا يعرف سوى لغة القوة. لهذا من الصعب أن يستوعب النظام ما وقع معه ومع غيره من قبله. المشكلة في سورية ما زالت إلى يومنا هذا مع الديكتاتورية وتعبيراتها ومع الجهل الذي يعشش في أدواتها وطرق تفكيرها. لقد تخلص الشعب السوري من عقدة إما النظام السوري الراهن أو التطرف. اكتشف الشعب السوري أن الكثير من التطرف في المجتمع هو نتاج الاستبداد، وأن الاستبداد والتمييز الذي مورس على مدى عقود أنتج غضباً لا يمكن إيقافه إلا بالعدالة السياسية والاجتماعية والحريات وحيادية الدولة.

كان أمام النظام السوري خيارات عدة من شاكلة التعامل مع الثورة بمرونة وصولاً إلى خروج قادة النظام بصورة متفق عليها. ولم لا؟ ألم يكن هذا أفضل لسورية من السعي لتدميرها من أجل رئاسة سقطت بمجرد سقوط ضحايا؟ ألم يكن بإمكان النظام التعامل البناء مع دعوات الجامعة العربية ومع السعي العربي والدولي (كوفي أنان، ثم الأخضر الإبراهيمي) وغيرهم لإيجاد حل وسط يوقف الحل الأمني الذي يفتك بالمئات من المدنيين كل يوم؟ وألم يكن بإمكان النظام السوري القبول بحلول وسط تتشابه مع الطريقة اليمنية والمصرية والتونسية مما يفتح الباب للانتقال ولحماية مؤسسة الجيش من الانشقاق؟ ألم يكن اغتيال آصف شوكت والخلية القيادية الأساسية المؤشر الأهم إلى أن النظام السوري يريد أن يقاتل حتى النهاية وأنه ليس بصدد قبول حل وسط؟

كان النظام السوري عدو نفسه منذ الأيام الأولى. على مدى عامين استمر البطش واستمرت الثورة عابرة من السلمية إلى العسكرة التي بدأت من خلال انشقاق وحدات من الجيش السوري وانضمامها إلى الثورة. رويداً رويداً بدأ يخرج «الجيش الحر» من الجيش النظامي، وبدأت الثورة السورية تخلق توازنات صعبة في مواجهة النظام.

لهذا بدأت الدول العربية الخليجية وبدأت شعوبها تتحول نحو تأييد الثورة السورية ورفض النظام الذي تجاوز ما هو مقبول سياسياً وإنسانياً، إذ تبيّن أن هذه حرب واسعة النطاق يستخدم فيها الجيش أسلحة فتاكة لتصفية حالة شعبية متنامية. في سلوكه، أثبت النظام السوري أنه فقد التوازن كما فقد الحد الأدنى للشرعية مما خلق حالة مواجهة بينه وبين الدول العربية توجت في مؤتمر القمة العربية في 26 مارس/آذار 2013 عند تسليم مقعد سورية في الجامعة العربية للمعارضة السورية. لقد خسر النظام السوري أصدقاءه في معظم الأمكنة، بما فيها قطر التي كانت جزءاً من محور الممانعة حتى الأمد القريب والكويت التي كانت على صلة إيجابية مع النظام السوري منذ عام 1990-1991.

لقد عبرت الدموية في سلوك النظام السوري عن مدى ضعف النظام، ومحدودية قاعدته، وكلما استخدم مزيداً من الأسلحة عبّر بصورة أكثر فجاجة عن ضعف شرعيته وسقوط هيبته وبداية اندثار زمنه. فاستخدام العنف المفرط وسقوط أعداد كبيرة من القتلى الأبرياء، مصحوباً باستخدام الأوراق الطائفية الواحدة وراء الأخرى ليست سوى مؤشرات نهاية النظام السوري كما عرفناه في حقبة الرئيسين الأسد الأب والابن.

ويتساءل بعض أنصار النظام عن التدخل الخارجي. نتساءل: هل انتصرت ثورة في التاريخ (الصين، روسيا، فرنسا، فيتنام، أوروبا الشرقية وغيرها) بلا مساعدة من الخارج ومن المجتمعات والدول المتعاطفة مع قضاياها؟ لكن المساعدات لا تصنع ثورة، الثورة يصنعها شعب ثائر يريد الخلاص من واقع فاسد بينما المساعدات تختصر درب الآلام والموت وتقلل الخسائر. أليس من حق الثائر أن يتعامل مع الدعم عندما يتواجه مع نظام يكره شعبه ويعاديه ويستبد به ويفتك بأبنائه ويضرب بحقوق الإنسان والقيم عرض الحائط؟ وماذا يفعل شعب يثور عندما يرى أن نظامه يحصل على أسلحته ودباباته ورصاصه وصواريخه التي تستخدم ضده كل يوم وتقتله كل ساعة من دعم خارجي؟ النظام السوري يمتلك ترسانة أسلحة ضخمة وجيشاً قوامه ربع مليون جندي في مواجهة مع شعب بريء وأعزل. من الطبيعي أن يتدخل العالم العربي ومنطقة الخليج خصوصاً في ظل تدخل روسيا وإيران في الملف السوري. وكيف لا يقع تدخل عربي دولي بينما مئات الألوف من اللاجئين السوريين يزحفون هرباً إلى دول الجوار من انتقام النظام من شعبه؟

لقد سقط النظام السوري قبل أن يسقط، وانتهى قبل أن ينتهي، وما استمراره إلى يومنا هذا إلا نتاج جهل وغرور وحرب تشن على الشعب السوري على رغم توافر خيارات مختلفة كانت متوافرة أمام النظام. لقد تحوّل النظام السوري في مراحله الأخيرة إلى ميليشيا فئوية بفضل الثورة وبفضل سياسته الأمنية بحق غالبية الشعب، إذ فقد أهم قدراته الاقتصادية ومواقعه السياسية عندما خرجت مدن حلب ودرعا وحماة عن سيطرته وعندما تراجع في مدن رئيسية ومناطق وأرياف شاسعة. وبينما يبقى النظام متحصناً مع جزء من الجيش في بعض المناطق، وبينما يمعن في استخدام الورقة الطائفية، يستمر الرهان في سورية على قدرة الشعب وقواه الثائرة في الداخل والخارج على إيجاد طريقها لبناء وحدة جديدة تجمع كل فئات الشعب السوري. إن الأصوات العلوية التي تتحدى النظام وتنشق عليه تحمل معها أفقاً يتجاوز ما زرعه النظام. لقد أصبح النظام السوري بالكاد قادراً على تمثيل نفسه.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 10:56 ص

      المستهدف هو والضحية هم

      النظام السوري نظام دكتاتوري لا يقبل بوجود معارضة حقة وتبادل سلمي للسلطة ولا يحصر الموضوع في بشار وبشار لم يحسن التصرف في البداية وكان ممكن ان يحل المشكلة منذ الخطاب الأول في البرلمان لكن يجب ان لا ننسى ان هناك الكثير من القوى الدولية لم تكن تريد الحل وان يستمر الحال على ما هو عليه بل وازدياد الأمر سوء بدعمهم المسلح وجلبها المرتزقة لمحاربة النظام والجميع يعرف ان المستهدف ايران والضحية الشعب السوري

    • زائر 18 | 9:15 ص

      بوعلي

      زعلاتهم يا استاذ

    • زائر 17 | 8:55 ص

      أخي الكريم كن موضوعي في كتاباتك بدل ما تحشي مخوخ القراء بكلام غير دقيق.

      هناك حرب كونية تشن على سوريا من الخارج والداخل.
      الجيش متامسك وكثير من الشعب مع النظام رغم أن هناك فرصة ذهبية للتمرد عليه.
      النظام في سوريا يدعو للحوا حسب اتفاق جنيف.
      من يحارب النظام من الدول العربية لا تؤمن بالديمقراطية ولا العدالة.
      هل أمريكا تريد ديمقراطية في سوريا؟؟
      هناك مقاتلون من مختلف دول العالم.
      هناك تكفير وذبح وأرهاب.
      نحن نيريد لسوريا مثلما نريد للبحرين.
      هل تستطيع ان تكتب عن البحرين.
      نحن في حاجة للمساعدة.
      موضوعك يخلو من كل هذا...ليش؟
      كن موضوعي في كتاباتك وصادق وأمين.

    • زائر 16 | 8:11 ص

      اتفق معك في كثير مما قلت

      لكن نريد منك موقفا مماثلا من البحرين ولاتتعذر بدعاوي تدخل خارجي ومؤامرة ولابعدم سلمية فهذه امور مضروبة في 1000 في سوريا ولاينكرها عاقل واحد.

    • زائر 15 | 8:07 ص

      اشارة من الخيام

      البيت الثاني من احدى رباعياته يقول:
      فقالت صدقت كذلك نحن
      فهل انتم مثلما تدعون؟
      ...النظام السوري فاسد وديكتاتوري ولكن من يحاربه اشد منه فساد واستبدادا..ومن كان بيته من زجاج ....

    • زائر 12 | 3:38 ص

      مشكله مثقفين هادا الزمن

      وما الفرق بينهم وبين علماء دين يفتون ويتفننون فى فتواهم واخرها طلق زوجتك لكى بنكحها المقاتلون العرب من هب ودب ادا كان بشار فاسد بلله عليكم من هو ليس بفاسد ....عندما يدش المسلحين من القاعده وجماعه طالبان لقتل الابرياء السوريون اكثر من قتلهم النظام الاجابه متروكه للكاتب

    • زائر 10 | 3:34 ص

      مسألة التمثيل لعبة لبعتها بعض الانظمة العربية بعد ان يأست من اسقاط الاسد

      بعد ان وصلوا الى طريق مسدود من اسقاط نظام الأسد لم يجدوا سوى هذه الحركة البايخة

    • زائر 9 | 1:39 ص

      لا تحلم بشار الاسد ضال

      سقوط بشار من احلمك خخخخخخخخ

    • زائر 7 | 12:27 ص

      هل ينطبق هذا الراي على الجميع

    • زائر 6 | 11:55 م

      مقالك ينم عن عدم الإدراك..... واستهانة بالعقل

      بعد تفجر ثورة الربيع العربي امتدت لمطالب إصلاحية في كثير من الدول العربيه ومنها سوريا الصمود. ركبت على هذه الموجة القوى الظلامية المنعدم فيها الديموقراطيه التي تعرفها انت جيدا لإسقاط آخر قلاع الصمود في العالم العربي،ومولت الارهابيين من اقصى اقصاع العالم لتدمير سوريا لأن سيدها يرغب منها بمساندة الفوضى الخلاقه لتغيير الأنظمة المقاومة ولمنع ارتدادات ثورة الشعوب إليها،فهي من خنع لأسيادها فهم عبيد أبد الدهر....فالرجاء أن لا تحاضر لنا على من فقد شرعيته في التمثيل.

    • زائر 5 | 11:25 م

      سوال

      واين الجامعه العربيه عن قتل الآلاف من الاكراد بالاسلحه الكيمياويه في حلبجه المظلومه ، وينها من المقابر الجماعيه واينها واينها ، يا كاتب ياعزيز مع احترامنا للشعب السوري العزيز واسفنا علي كل قطره دم سقطت من الاجساد الطاهره ، الا ان هذه الجامعه للاسف مرتكزه علي اساسات من رمل مع حبنا لكل الشعوب العربيه

    • زائر 4 | 11:19 م

      سؤال

      و هل الجهة او المجموعة التى ستصل الى الحكم فى سوريا تكون أفضل من سلفهاو تحقق للشعب السورى ما لم يحققه النظام البائد؟

    • زائر 3 | 11:05 م

      نريد ان نصدق

      سؤال الي الكاتب : اين جامعه الدول العربيه من الازمه في البحرين .

    • زائر 2 | 9:57 م

      بعيد رحت

      بسالك انت من وين باني مقالك ؟
      الجيش الحر جيش منشق ؟ والتونسيون والليبيون واليمنيون والشيشانيون و و من اي فرقة انشقو؟

اقرأ ايضاً