العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ

العالَم ليس جزءاً من الإسلام

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

وافقت السلطات السويدية قبل أيام على السماح لمسجد «فتيجا» الكائن في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم برفع الأذان لأول مرة في تاريخ السويد، لمدة خمس دقائق كحد أقصى وقت صلاة الجمعة. وعندما تقرأ التعليقات المكتوبة تحت الخبر، تجد أنها مليئة بالتكبير والدعاء بعزة الإسلام، والمجد لراية التوحيد.

فكّرتُ قليلاً: ماذا لو كنتُ أحد السويديين الذين صوّتوا للسماح بالأذان وقرأتُ هذه التعليقات، هل سأندم على دعمي وإيماني بحق المسلمين، وأي طائفة دينية أخرى في السويد، بممارسة شعائرها في العلن؟ ثم فكرّتُ أكثر: لماذا ننظر إلى هذه الأخبار والأحداث في الغرب، التي من المفترض أن تكون إيجابية ومتسامحة، نظرة صراع وغزوات وفتوحات؟

تصوّر أنك دخلتَ منزل أحدهم، وبعد العشاء طلبتَ منه أن تبيت فيه فسمح لك، وعندما أدخلك غرفة الضيوف وانصرف صرختَ «اللهم انصرني عليه»! فهل تعتقد بأنك بذلك أفضل منه؟ إسأل نفسك: من أكثر تسامحاً؟ ومن أخلاقه أكثر رقياً؟ ليس بالضرورة أن تكون مسلماً لتصبح متسامحاً، ولكن عليك أن تكون متسامحاً حتى تصير مسلماً حقاً.

نتحدثُ كثيراً عن أن الإسلام يدعونا إلى التسامح والوسطية والاعتدال، وهو كذلك دون شك، ولكننا نحنُ المسلمون لم نعد كذلك. بل إن غالبيتنا بعيدة تماماً، ودون أن تدري أو تشعر، عن معاني التسامح والرحمة. قال لي أحدهم بأن الدم يغلي في جسده عندما يرى سيارة أجنبي في بلده وقد علّق فيها سلسلة بها صليب! وقبل عامين زار أحد أصدقائي دولة خليجية، وكان كلما وقف أمام موظف الجوازات يُطلب منه أن يدخل غرفة التحقيق ويعامل بمهانة واحتقار، حتى اكتشفنا مؤخراً بأنه يلبس صليباً حول رقبته. وعندما طلبتُ منه أن يخبئه في حقيبته، تفاجأ بأنه مرّ من المطار مرور الكرام!

حكت لي زوجتي مرةً أنها دخلت مدرسة ابني سعيد فرأت السيد جون، وهو أحد الإداريين فيها، يدعو الأطفال للذهاب إلى المسجد قبل أن تفوتهم الصلاة. وعندما سألتُ عنه اكتشفتُ بأنه ليس مسلماً، وقال لي سعيد بأن الطلبة يحبونه لأنه يعاملهم بلطف. الحلاق الذي أحلق عنده منذ أكثر من عشر سنوات ليس مسلماً أيضاً، ولكنه يُسكِتُ صوت التلفاز كلما رُفع الأذان، وقال لي قبل مدة بأنه يرسل ابنته لتتعلم العربية والإسلام. وعندما سألته إن كان يفكّر في اعتناق الإسلام، ردّ بأنه مسيحي مؤمن ولا يفكّر بتغيير دينه، ولكنه يحب أن يتعلّم أطفاله سماحة الإسلام ولغته.

وكانت والدتي تخبرني عن الدكتورة سارة هوسمان التي أسّست أول مستشفى للولادة في الشارقة، والتي كانت من ضمن الإرساليات التبشيرية البريطانية إلى المنطقة. حيث كانت تزور النساء في المستشفى وتقرأ لهن من الإنجيل وكنّ يستمعن لها حتى إذا ما انتهت من قراءتها وانصرفت، صلّين على النبي وشهدن ألا إله إلا الله. لم يعنّفنها يوماً، بل كانت علاقتها بالناس لطيفة وجميلة. عاش أجدادنا مع المسيحيين والهندوس ولم يبغضوهم أو يبخسوهم حقوقهم، بل أحسنوا إليهم، وشكلوا معهم مجتمعاً متسامحاً معتدلاً، يقبل الآخر دون أن يتخلّى عن هويته ومعتقده.

لو سمعتَ اليوم عن طلبٍ من الجالية المسيحية في بلادك لإنشاء كنيسة فهل ستقبل؟ وهل ستستخدم الحديث الشريف: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» الذي ورد في المعادين وليس في المُسالمين منهم، حيث أن أبا بكر وعمر أبقيا اليهود في اليمن، والنصارى في نجران، والمجوس في الإحساء. أو حديث: «لا يترك في جزيرة العرب دينان» وتأويله، في رأيي، ألا يسيطر على مناحي الحياة ومفاصل الدولة ومراكز السلطة في البلاد، غير دين الإسلام. والدليل أن الشارع سمح لنا بالزواج من أهل الكتاب، والأكل من طعامهم، ودعانا للبر بهم والإقساط إليهم، فكيف يطلب منا إذن طردهم!

أنا لا أدعو إلى بناء كنائس ومعابد في جزيرة العرب، على الرغم من أن تجربتنا في الإمارات إيجابية في هذا المجال، حيث توجد لدينا أكثر من واحد وثلاثين كنيسة، ولم يبدّل أحدنا دينه. ولكنني أفكّر بصوتٍ عالٍ: عندما تَمنع دولة غربية المسلمين من بناء مآذن نتهمها بالعنصرية، كما حصل في سويسرا، على رغم أنها تسمح لهم بإقامة المساجد والصلاة فيها. وعندما تمنحهم حقهم وزيادة، كما في السويد، فإننا نعتبر ذلك نصراً للإسلام وليس تسامحاً من السويديين. متى سندرك بأننا لسنا متسامحين كما نظن وندّعي؟ والأهم، متى سندرك بأن العالم ليس جزءاً منا نحن المسلمون، بل نحن جزء من العالم؟

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:53 ص

      حقيقة

      كم احب هذا القلم وصاحبه, مازن

    • زائر 5 | 2:49 ص

      نعم للاسف يااستاذ ياسر نريد من يوقضنا من سباتنا

      نحن لسنا متسامحين فيما بيننا فما بالك بيننا وبين الديانات الاخرى
      للاسف كما قال الامام الحسين عليه السلام (الدين لعق على السنتهم يحوطونه كلما درت معايشهم واذا مامحصوا بالبلاء قل الديانون )
      يوجد الكثير ممن يسترزق باسم الاسلام وباسم الدين واصبح الاسلام فقط تربية ذقن اوتقصير الثوب .
      الاخلاق اهم من اي شيء اخر ولولا اخلاق النبي صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم لما انتشر هذا الدين ولم يعتنقه احد
      فما الفائده من شخص يصلي ويصوم ويؤدي واجباته الدينيه وتعامله مع الاخرين بعيد عن اخلاق الدين السمحة

    • زائر 4 | 2:28 ص

      هل نسميها وقاحة

      نسمح لأنفسنا دائماً ونتسابق للدعوة في بلاد الغرب ونتطفل عليهم وعلى عقائدهم ونعيش في بلادهم ونستمتع بارزاقهم وبكل وقاحة تقوم جماعات تكفيرية بأعمال إرهابية وتفجيرات هناك من غير رادع او ضمير وهنا اذا وزع احدهم الإنجيل او لبس الصليب قامت القيامة ووزعت الاتهامات عليهم بالتبشير وغيرة

    • زائر 3 | 2:10 ص

      عيسى

      لي تعليق بس اللي قال انقذنا يارسول الله أستغفر الله العلي العظيم
      ايش يمنعك تكتب أنقذنا يالله فالله سميع بصير

    • زائر 6 زائر 3 | 2:56 ص

      يعني مالفت انتباهك غير هالكلمة

      انقذنا يارسول الله انقذنا يارسول الله انقذنا يارسول الله انقذنا يارسول الله

    • زائر 2 | 1:38 ص

      أبو احمد

      كيف يقاس الإسلام وهل الصلاة وحدها هي المقياس الوحيد النظام من إلاسلام والعدل من إلا سلام نحن لا توجد عندنا إلا الصلاة الخالية من المضمون وقرائن القرأن حيث يقول النبي (ص) كم من قاريئ للقرآن والقرآن يلعنه

    • زائر 1 | 9:51 م

      لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه

      الكارثة الكبرى هي حين يعتبر التكفيري ثباته على ضلالته وتكفيره لجميع الخلق ما عدا جماعته على أنها (ثبات على الحق) وأنه بهذا (لا يخاف في الله لومة لائم)! فهو قد سدّ كل المنافذ لمحاورته! أنقذنا يا رسول الله !

اقرأ ايضاً