العدد 3882 - الثلثاء 23 أبريل 2013م الموافق 12 جمادى الآخرة 1434هـ

ماذا وراء التخويف من «التشيّع» في مصر؟

أحمد العنيسي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل الحديث عن القضايا التي تقسم المجتمعات ولا تخدم أي وطن، نوضح أننا ليس لدينا فرق بين جميع المذاهب فضلاً عن الديانات، فكلٌّ يرى ما يروق له في اختيار عقيدته أو دينه والأصوب من المذاهب المختلفة، وهذا حقّ للإنسان في اتباع ما يراه يتماشى مع فكره وعقله.

من هنا فإن إثارة قضية التشيع في أرض الكنانة أمر مصطنع، كما قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في آخر إطلالاته، وإلا هل يعقل ببلد بهذه الكثافة السكانية، أن يخلخل عقيدته بضع مئات من السوّاح الإيرانيين؟ ولو كان الأمر كذلك لمنعتهم السعودية الشقيقة من دخول أراضيها أثناء مواسم الحج حيث بلغ العدد إلى مئة ألف العام 2008، ولكن كما يبدو هذه الخزعبلات، لم تنطلق عبثاً ولم يروّج لها إلا لأهداف سياسية.

المثير أن من يتولى هذه الدعوات الهادفة لمحاربة المسلمين لبعضهم، ممن يعتبرون أنفسهم وعاظاً ورجال دين، لكن في الحقيقة يعانون من ضحالة في العلم والوعي، فالدين الإسلامي الحنيف لا يحث على الفرقة والشقاق، والدستور الإلهي يدعو إلى التآلف والتسامح والتعاون بين المسلمين على البر والتقوى، بينما يخالفه هؤلاء بالدعوة إلى الإثم والعدوان والتشرذم، كما يفعل بعضهم في خطب الجمعة. ومثل هذه الدعاوى لا تنطلي على عقلاء القوم، ولكن كما يوجد من يتملّق بتمجيد الحكام لشحذ المال، هناك من يتكلّم بنفس طائفي وقلب حقود.

مصر قبل ألف عام، حكمها الفاطميون لأكثر من قرنين، ولكنهم لم يبثوا الفتنة السموم بين المسلمين، واحترموا بقية المذاهب، وأنشأوا الأزهر الشريف كمنارة للعلم مازلت شامخة حتى الآن. ولكن هذه الأطراف المتطرفة في مواقفها ضد الآخرين، تمثل خطراً على وحدة الأمة الإسلامية، بما يبثونه من سموم الفتنة بين أوساط المسلمين.

إن التشيع، بمعنى حب أهل بيت النبي (ص)، لم يغادر أرض الكنانة، فهو منغرس في أرضها ووجدان شعبها. وحين ناقشت يوماً أحد الزملاء في إحدى الجامعات التي عملت بها في بداية التسعينيات، حول هذا التاريخ، أجابني: «لا تزايد علينا في حبّ أهل البيت، فأساس المذهب وجذوره بلدي، والدولة الفاطمية أساسها وارتكازها بلدي»... أي أن شعبنا يحب أهل بيت النبي كما تحبونهم، وأصولهم ثابتة غير متغيرة، وإن حصل فيها بعض التغيير فنتيجةً لسياسات الأنظمة القمعية المتعاقبة المفتتة للمجتمع.

نحن نعلم بأن هذا الموضوع شائك وكبير أن يتناوله كاتب في مقال، فهو يحتاج إلى بحوث من أصحاب التخصص، ولكن ما شدّني في وقت متأخر من الليل وجفن العين ساهر، للبحث في فضاء الانترنت، بسبب برودكاست مرسل لي عن التشيع في مصر ولماذا أم الدنيا تحصّن نفسها منه من قبل الدعاة!

الكاتب المعروف ومفكّر مصر الكبير، هيكل أعلن بوضوح استياءه من هذه الزوبعات، عندما سرد أعداد المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وقال إن أعدادهم في مصر هي الأقل مقارنةً بعدد السكان بين البلدان، فلماذا هذا الهلع من مئات أو آلاف السوّاح رغم ما يحملونه من فائدة على الاقتصاد المصري في حال توسع حركة السياحة. كما استهجن في مقابلة تلفزيونية، طريقة لقاء مفتي الأزهر الشريف الجافة للمسئول الإيراني الذي كان ضيفاً على جمهورية مصر العربية، بما لا يليق حتى بأصول وكرم الضيافة.

إن هناك أيدٍ عدائية تتحرك ضد الشعب المصري الكبير، وما هذه التصريحات المصطنعة إلا إحدى أدواتها، ويمكننا أن نستنتج الهدف من وراء ذلك، وهو إشغال الشعوب بالاختلافات المذهبية، وإبعادها عن مطالبها الأساسية المتمثلة في التحول الديمقراطي الحقيقي، وتحقيق مطالب الناس. فهي سياسةٌ انتهازيةٌ على حساب المذاهب والأديان وأتباعها، وهو خبث سياسي هدفه التصدّي للحراك الديمقراطي، وذلك بتفجير الصراع الداخلي في المجتمع، وإلهائه عن أساسيات استقراره المتمثل في تكريس الديمقراطية، كما هو الحال في البلدان ذات التعددية التي يحكمها دستور يحكم ويسع الجميع.

ليس لدينا خلاف بين المذاهب، وقد عاشت هذه المذاهب الإسلامية مع بعضها على مد العصور، ولم يزرع بينهم العداء، إلا بعدما زجّت بها الأنظمة في الشئون السياسية، وقامت بشراء ذمم الوعاظ من أطياف مختلفة، واللعب بورقة المذاهب كي تبقى محصّنة من تكاتف الشعوب الطامحة للإصلاح ومحاربة الفساد.

إنه في ظل الطفرة العلمية والإعلامية والتقدم والتواصل الاجتماعي، لن تستطيع الأنظمة الدكتاتورية ترويج بضاعتها الفاسدة، فإنسان اليوم غير إنسان القرن الماضي، ومجتمع اليوم منفتح على جميع الأمم، فلا يهمه من يحكمه وإلى أي ملة ينتمي، قدر ما يشغله الحصول على حريته وحقوقه المختلفة ودستور ينظم الحياة المدنية والسياسية والقانونية.

إن سياسات الأزهر التقليدية لم تنجح في احتواء فكر الجمهور، أو توجيههم كما كان بالسابق في اتجاه تأييد الأنظمة وسياساتها، فالمجتمع المصري تغيّر بعد فك القيد عنه، وأصبح يبحث عن حريته وحقوقه لا عن مذهبه، فالتلويح ببعبع التشيع من أجل تخويف المجتمع المصري لا ينطلي على هذا الجيل المنفتح على جميع الحضارات.

إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"

العدد 3882 - الثلثاء 23 أبريل 2013م الموافق 12 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 30 | 2:57 م

      المصريون ليسوا ضد التشيع

      المصريون ليسوا ضد التشيع، ولكنهم لن يقبلوا بأن يكونوا تابعين للولي الفقيه الإيراني، كما هو الحاصل مع الكثير من شيعة البحرين ولبنان والعراق. المصريون عروبيون بطبيعتهم و يؤمنون بقوميتهم و بانتمائهم للأمة العربية.
      المصريون ليسوا ضد التشيع ولكنهم حتماً ضد "التّأّرْيُن"

    • زائر 29 | 12:04 م

      هل الشيعة خطر !!

      لماذا تتداول بعض الدول في المغرب العربي بأن التشيع خطر ،، اليسوا مسلمين

    • زائر 27 | 9:00 ص

      المصلي

      مازالت اللقيطه اسرائيل جاثمه علينا في قلب وطننا العربي ومحتله اراضينا المقدسه وفلسطيننا الحبيبه مازالت هذه الغذه السرطانية وربيبتها امريكا الشيطان الأكبر عدوة الشعوب فلا تتوقعوا لمجتمعاتنا العربيه والأسلاميه الخير وعلى الشعوب أن تعي مايدور حولها من مكائد ومؤامرات خبيثه لتمزيق وحدة العرب والمسلمين واني والله ادعوا عقلاء الأمة التسلح بالوعي الوطني فالدين لله والأوطان للشعوب كلنا من ابونا آدم ع وآدم خلق من تراب الا هل بلغت اللهم فشهد

    • زائر 25 | 5:22 ص

      الخوف مو من المذهب انما من الولاء لايران لان الشيعة بولاية الفقيه صاروا لايران وملاليها وسياستها العدائية للعرب منذ الازل!!

    • زائر 24 | 4:33 ص

      السلف خطر على الامة الاسلامية

      شكرا دكتور لهذا المقال. موضوع في الصميم. انهم يبثون الفتن لحرب بين المسلمين. هل يمثلون الدين الاسلامي؟ لا أعتقد أنهم مسلمون حقا. حيث الدين يدعوننا الى عدم التفرق والاعتصام بالله. ستراوي

    • زائر 23 | 4:28 ص

      سلمت يداك

      هؤلاء القوم من الوعاظ! كما قلت عنهم.. يتملقون بتمجيد الحكام لشحذ المال ووضع لهم قدم بتمجيد الحكام. لا يمثلون في الدين شيء. سلمت أناملك وفكرك النير أيها الكاتب العزيز تحياتي/ سترواوي

    • زائر 22 | 3:49 ص

      مدارس البحرين

      نحن الشيعة درسنا و ابنائنا يدرسون في المدارس الحكومية و في مادة الدين درسنا المنهج السني ولكننا لم نتسنن و لا نخاف على اولادنا من التسنن و هذا في الاول و الاخير اختيار شخصي و كلنا مسلمين و لكن الغريب ان مصر بثقلها تخاف من مجموعة سواح ايرانيين الذين حتى لا يتكلمون العربية ههههههه هذا معيب لمكانة و ثقافة مصر العظيمة

    • زائر 28 زائر 22 | 10:02 ص

      غير

      البحارنة اللي درسوا معانا كانوا ( عـرب ) ولا يخاف العربي من عربي مثله , لكن بعد الثوارة الخمينية في أيران تبدل الوضع 180 درجة , الشيعي الإيراني غير الشيعي العـربي

    • زائر 21 | 3:02 ص

      من يخاف ممن ولماذا الخوف اصلا؟

      الخوف لا يأتي اعتباطا الخوف يأتي من احد عاملين اما من ضعف او من قوة الطرف الآخر.
      لا بد للخوف من شيء وجود احد العاملين السابقين:ان يكون احد الاطراف ضعيفا فيخاف من الطرف الآخر لانه لا يستطيع مقاومته
      أو لقوّة يمتلكها الطرف الآخر فيخاف هو على نفسه رغم قوته التي لا تستطيع مقاومة الطرف الآخر.
      الخوف من الفكر الشيعي في عقر دار الفكر السني هو معزوّ لأحد العاملين السابقين اما لضعف الفكر السني امام الفكر الشيعي أو لقوة الفكر الشيعي بحيث
      يمثل حضور مجموعة بسيطة من الشيعة الى مصر

    • زائر 17 | 2:27 ص

      الأزهر حصن من حصون الإسلام فكيف يخاف هذا الحصن من كم زائر يزوروا مصر

      انها الأحقاد والغباء وامور لا استطيع تفسيرها، إذا كيف لقلعة من قلاع الاسلامي السني تخاف من دخول عدة اشخاص من مذهب آخر! ما هو الخطر الذي ينطوي عليه مذهب التشيع حتى يبالغ في الخوف منه!
      لولا أن مواقف البعض ضعيفة جدا لما تخوفوا وهم في عقر دارهم من دخول بعض الأشخاص.
      أنا أقولها هاهي الحوزات العلمية وهاهي البلاد الشيعية تعجّ بالإخوة السنّة فلماذا لا نخاف نحن من نشر التسنن؟
      لماذا نحن نذهب للاخوة السنة ونتداخل معهم ونتعايش معهم دون خوف

    • زائر 15 | 1:58 ص

      سياسة الحمقى

      ما نراه وما نسمعه اليوم من خلال الاعلام عن « شيعة - سنة » إلا لضرب المسلمين من الداخل وتثبيت كرسيه .
      للأسف الكثير من ينجر لمثل هذه الفتن « سب الصحابة ، لعن فلان ، أبناء المتعه ، مجوس ، روافض وو» .
      أذا غاب الوعي تصبح الأمه خاويه تنشغل بأمور تافهه وما نراه في وطننا العربي لخير دليل .

    • زائر 14 | 1:45 ص

      قلة الوعي عند بعض الإسلاميين

      غريبه هذه الفئه من الناس الا تقرا الآية الكريمة واعتصموا بخيل الله جميعا ولا تفرقوا الله بهدي الجميع ما فيه أحسن مت وحدة الصف وشكرا

    • زائر 13 | 1:45 ص

      قلة الوعي عند بعض الإسلاميين

      غريبه هذه الفئه من الناس الا تقرا الآية الكريمة واعتصموا بخيل الله جميعا ولا تفرقوا الله بهدي الجميع ما فيه أحسن مت وحدة الصف وشكرا

    • زائر 12 | 1:32 ص

      الحضارتين الاسلاميتين العريقتين

      لو حبذا اجتمع كل الحضارات الاسلاميه في قالب واحد والغاء العصبيه لاننا نقف في صف واحد مقابل اعدائنا وصفا واحد لمصالحنا الدينيه والدنيويه والاخرويه الوحده الاسلاميه افضل

    • زائر 11 | 1:28 ص

      رأي الصحفي فهمي هويدي ... عين الصواب

      هذا إدعاء ساذج ومضحك لأنه افترض في المصريين البلاهة بحيث إنهم ــ من دون كل العرب ــ سوف يتخلون عن مذهب أهل السنة بمجرد أن تقع أعينهم على السياح الإيرانيين. كما أنه اعتبر أن أولئك السياح الذين سيقضون أياما معدودة في البلد يحملون معهم أساليب سحرية وجهنمية من شأنها أن تغسل عقول المصريين على الفور، وتغير ثقافتهم الدينية لتحولهم من التسنُّن إلى التشيع.
      فهمي هويدي

    • زائر 10 | 1:24 ص

      بلعكس

      هذا يزيد المذهب قوة ان لم يكونوا يعلمون وهو لم يكن يوما ما ضعيفا ، ولن اقول بأنه خير المذاهب بلهجة المتحيز رغم انه كذلك ولكن المذهب يقوم على الإقناع ويشكل النبي واله المقربين الأساس فمن الطبيعي ان يدوم ويخلد

    • زائر 8 | 12:51 ص

      توضيح

      يجهل الكثيرون بأن الفاطميين هم من سلالة محمد بن جعفر الصادق(ولده الأول و الذى توفى فى حياة والده). اسسوا الحكم الفاطمى فى شمال افريقيا و الحجازو الملك المغربى هو حفيد الفاطميين الحاكم حتى الآن. الإسماعيليون ينتسبون الى اسماعيل الإبن الثانى للإمام جعفر الصادق(حفيده الإمام كريم خان). المذهبين إنتشارا فى مصر، سوريا و اليمن. حضارة مصر تشبعت بالمبادئ الشيعية . أما سؤالى هو: بعد أربعة عشر قرنا من الوعظ و التعليم الدينى، كيف تخشون من المسلمين تغيير مذهبهم؟ هل النقص فى الأساليب أم فى الأصول؟

    • زائر 7 | 12:42 ص

      الهدف ليس التشيع

      نعم الهدف هو ماوراء دلك وهو ان تتحول مصر وايران الى قوى كبيره وتلاحم فى كثير من القضايا المصيريه فى المنطقه وعلى رائسها القضيه الفلسطينيه وتكون حليف استراتيجى حالها حال سوريا الدوله الممانعه وما الهرج والمرج من التشيع فهو الئ غطاء تحيكه بعض الدول العربيه وبات مكشوف وعلى العللن من هيه وماهو هدفها بات جدا واضحا ان الشعوب العربيه اكثر دهاء وعقلانيه من حكامها

    • زائر 6 | 12:32 ص

      نعم هادا ما يخيفهم

      من السهل جدا الضحك على عقول بعض البشر ولكن من الصعب الضحك على عقول كثير من البشر من شاء ان يؤمن ومن شاء ان يكفر هاكدا يميز الانسان العاقل ماهو الصواب وماهو الخطى وهادا يصب فى قناعه الانسان بما يراه صحيح

    • زائر 5 | 12:25 ص

      عزيزى الكاتب

      المجلس الاعلى للفتوى فى مصر وفى بعض الدول المتخلفه فى الخليج العربى ولا ننساه الدور الاسرائيلى نعم الاسرائيلى مع ايدى الغبث فى الوطن العربى من رجال دين كبار لهم ثقل ينفدوا ويمرروا تعاليم اسيادهم المسلم من سلم الناس من لسانه ويده

    • زائر 3 | 11:12 م

      بعبع التشيع

      بعبع التشيع لا يخيف العقلاء لانه مذهب معتدل ولا يكفر ولا يطغي ومبدئهم المسلم من سلم الناس يده ولسانه

    • زائر 2 | 11:05 م

      ارض الكنانة

      إن سياسات الأزهر التقليدية لم تنجح في احتواء فكر الجمهور، أو توجيههم كما كان بالسابق في اتجاه تأييد الأنظمة وسياساتها، فالمجتمع المصري تغيّر بعد فك القيد عنه، وأصبح يبحث عن حريته وحقوقه لا عن مذهبه، فالتلويح ببعبع التشيع من أجل تخويف المجتمع المصري لا ينطلي على هذا الجيل المنفتح على جميع الحضارات.

    • زائر 1 | 10:41 م

      افعالهم تطفش العباد من الدين .

      افعال السلفيين و الاخوان في العالم وفي الدول التي تمكنوا منها تجعل عباد الله يطفشوا من الدين فالخوف ليس من المد الشيعي بل من المد الاديني وهذه حقيقة يجب ان يدركوها . انتم يا سادة تطفش ا الناس من الدين ارجعوا الى جمعياتكم الخيرية والدعوية واتركوا العباد تشوف مصالحها لا تكونوا قوامين عليهم

اقرأ ايضاً