العدد 3949 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ

نحو بناء حضارة ايكولوجية عالمية (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ألقى رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني CPPCC السيد Yu Zhengsheng الكلمة الرئيسة في افتتاح المؤتمر الثاني للمنتدى الثقافي العالمي «نحو تعزيز بناء حضارة ايكولوجية تقوم على التعاون الدولي». وقدّم في خطابه أربع أفكار لبناء حضارة ايكولوجية وهي: مزيد من الجهد لحماية البيئة، احترام الطبيعة وحمايتها، ضرورة أن يركز المجتمع بأسره جهوده تحت إشراف وتوجيه الحكومة، وضرورة إقامة الشراكة العالمية على أساس الحضارة الايكولوجية.

وأضاف أن الحكومة الصينية تعطي أهمية كبرى للحفاظ على الموارد وحماية البيئة، وفقاً لخصائص صينية، مع إدراك واضح بأن هناك العديد من المشاكل مثل تلوث المياه والهواء، ووجود مناطق بها تلوث بيئي خطير. وأن طريق ذلك هو التنمية المستدامة لبناء الصين الجميلة للشعب الصيني، في إطار خطة المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني. وتعمل الحكومة الصينية على تنفيذ السياسة الأساسية للدولة بالحفاظ على الموارد، وتحقيق بيئة نظيفة، وتنمية الخضرة الدائمة، والحد من انبعاث الكربون. وتراعي الصين مبادئ الانفتاح والشمولية والكسب للجميع كسياسة أساسية، وتؤيد التعاون الدولي لحماية البيئة الايكولوجية، وتشارك بفاعلية في الأنشطة العالمية الخاصة بالمفاوضات حول المناخ والبيئة والتنمية.

وأصدر المؤتمر إعلاناً أطلق عليه إعلان «هانجو» (عاصمة إقليم جيجيانج) حيث عقد المؤتمر، وقد تم توزيع مسودة الإعلان عند بدء المؤتمر، وطلب من المشاركين إبداء ملاحظاتهم وآرائهم عليه للجنة المنظمة التي قامت بإعادة صياغته، وعرض في الجلسة الختامية لاعتماده بتوافق الآراء.

الشخصية المحورية في المنتدى وصاحب الفكرة هو المدير التنفيذي للمنتدى، البروفسور يان جاوجو Yan Zhaozhu وهو أحد المؤسسين، ويسعى ليكون المنتدى صنواً لمنتدى دافوس الاقتصادي، ويرى أنه المنتدى الثاني في آسيا بعد منتدى Boao Forum For Asia . والبروفسور يان مفكر وأديب متخصص في النظريات الأدبية، وتولّى رئاسة مكتب الشئون الثقافية في مركز أبحاث السياسات للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. ويمتاز بعمق التفكير واتساع المعرفة الثقافية والسياسية، ويكرّس كل وقته وجهده في المتابعة وتنظيم المؤتمر، ويؤمن بالقيادة الجماعية كأساس للعمل الناجح والانجاز المتميز.

وقد تم عقد ثلاث جلسات عامة الأولى والثانية استغرقتا نصف اليوم الأول، والأخيرة في نصف اليوم الثاني، وخصص نصف اليوم الأول ونصف اليوم الثاني للاجتماعات المتخصصة في أربع جلسات على التوازي، وكل جلسة قسمت إلى مجموعتين، أي من الناحية العملية ثمانية اجتماعات على التوازي، وترأس كل جلسة شخصيتان أحداهما صينية والأخرى أجنبية، وقد ترأس إحدى تلك الجلسات كاتب هذه السطور من مصر بصفته باحثاً وكاتباً ومتخصصاً في الشئون الصينية، بالإضافة إلى الرئيس الصيني المشارك في كل جلسة. وخُصّصت تلك الجلسة لتبادل الآراء حول كيفية تحقيق التعاون بين مختلف الحضارات والحفاظ على التراث الثقافي الإنساني وتطوير الفهم الشامل لمعنى الحضارة الايكولوجية لمواجهة التحديات التي يفرضها التطور العالمي المعاصر نتيجة المخاطر التي تهدد البيئة، سواءً باستنفاد مواردها أو زيادة التلوث أو حدوث الصراعات الدولية والإقليمية والوطنية.

وتحدث في تلك الجلسة اثنا عشر مفكراً وباحثاً من الصين ومصر وأميركا واستراليا وروسيا وأوروبا، وباختصار كان عدد المتحدثين الرئيسيين 24 في كل جلسة، أي 96 متحدثاً، فضلاً عن المتدخلين من القاعة، وشارك في الاجتماعات مسئولون من إقليم جيجيانج، ومن قيادات الحزب الشيوعي الصيني ومن المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (الغرفة الثانية للبرلمان الصيني).

وكانت أهم الأفكار والمبادئ الأساسية التي تعرض لها المتحدثون في الاجتماعات تتمثل في بناء اقتصاد قائم على الدائرية أو التداولية Circular Economy وليس الاقتصاد الخطي linear، وبناء طاقة نظيفة قائمة على الاستدامة، وليس على الطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة، وضرورة مضاعفة الدخل القومي والدخل الفردي، والحدّ من الهوة بين الأغنياء والفقراء، وبين الشمال والجنوب، وبين الطبقات، وبين الشعوب والأقاليم، وزيادة مساحة الفضاء المتاحة للإنسان بالحد من الكثافة السكانية، والحد من زيادة عدد سكان العالم، والتركيز على القيم الثقافية والبيئية الحديثة الداعية للمساواة والتوافق والتناغم بين البشر بعضهم بعضاً. والاستفادة من القيم الايجابية في الحضارات السابقة، والتحول من التركيز على الأنانية والصراع والتنافس في القيم والسلوكيات والتعامل بين البشر والدول، إلى التركيز على قيم التوافق والإيثار والسلام والتعاون والمحبة. والعمل من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية واستدامتها لمصلحة الأجيال القادمة، مع احترام القانون والنظام وتطبيقه على الجميع بلا تفرقة أو تمييز، وتحويل المنتديات العديدة في العالم من مجرّد طرح الأفكار والتصورات والآراء، إلى السعي لتنفيذها ووضعها موضع التطبيق، أي الدعوة لنزول المفكرين من عالم المثل والقيم في أبراج عاجية إلى عالم الواقع الذي يخدم الإنسان واحتياجاته الفردية، سواءً في مجالات الطعام أو الصحة والمسكن والتعليم والثقافة وإصدار التشريعات المناسبة لذلك.

وأبرزت كلمة الرئيس التنفيذي للمنتدى البروفسور يان Yan أهمية البعد البيئي في المجتمع الدولي المعاصر منذ إعلان استوكهلم الذي أصدرته الأمم المتحدة العام 1972، حول البيئة الإنسانية والذي دعا جميع الدول لمواجهة التحديات البيئية وزيادة مساحة الغابات وضبط التلوث. وقدّم أربعة مقترحات أولها أهمية جعل التنمية هي المحور الرئيس في العالم المعاصر؛ وثانيها ضرورة استكشاف أسباب الأزمة الايكولوجية العالمية وانعكاساتها على العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والتأكيد على «الايكولوجي، الاقتصاد، السياسة والثقافة» باعتبارها مفاهيم متداخلة ومتعاضدة مع بعضها، وإنها تؤثر باستمرار في الإنسان، الطبيعة، والمجتمع سلباً أو إيجاباً، حسب ردود الفعل المرتبطة بها. وثالثها ضرورة فهم الطبيعة المركبة والاندماجية integrality and complexity للحضارة الايكولوجية وتنميتها كخيار استراتيجي للدول المتقدمة والنامية على حد سواء. ورابعها اعتبار أن بناء الحضارة الايكولوجية هو مشروع منظم ولابد من حشد كافة الجهود من أجل ذلك مهما كانت الصعوبات والعقبات، وأن الأزمة الايكولوجية هي نتيجة النشاط الإنساني غير المنضبط والتنمية غير السليمة وغير المتوازنة، ومن ثم لابد من تحويل الأزمات إلى فرص، والتحديات إلى استجابات لتحقيق الوئام الايكولوجي والتنمية المستدامة. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3949 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً