العدد 396 - الإثنين 06 أكتوبر 2003م الموافق 09 شعبان 1424هـ

لماذا لا نشجع التعاون والتشاور بين أطراف الإنتاج؟

العلاقات الجماعية للعمل

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

العلاقات الجماعية للعمل أو العلاقات الصناعية هي العلاقات بين اصحاب الاعمال والعمال ومنظماتهم والحكومة.

وتنحصر وسائل تنظيم العلاقات الصناعية في ثلاث وسائل رئيسية هي:

1- المفاوضة الجماعية وعقود العمل المشتركة.

2- التوفيق والتحكيم.

3- التعاون والتشاور.

وتتطلب المفاوضة الجماعية من القيادات النقابية الواقعية في تحديد المطالب العمالية والوقت المناسب لتنفيذها والابتعاد عن المغالاة في مطالب قد لا تتوافر امكانات تحقيقها لظروف المنشأة الخاصة او للظروف القائمة في الصناعة او التجارة او قطاع الخدمات الذي يخصه الامر او في الاقتصاد الوطني عموما. ومن ناحية اخرى تتطلب هذه الوسيلة من اصحاب العمل ومنظماتهم سعة الافق ورحابة الصدر والمرونة وقوة الاقناع والايمان بأهمية الرعاية العمالية في تحقيق التقدم الاقتصادي المنشود على كل المستويات، واذا لم تتوافر لدى الطرفين هذه المقومات لن تحقق المفاوضة الجماعية النجاح المنشود في تنظيم العلاقات الجماعية للعمل.

ويعتبر التوفيق والتحكيم الوسيلة الثانية لتنظيم العلاقات الصناعية من خلال مشاركة القضاء لممثلي اطراف الانتاج الثلاث في تسوية المنازعات التي يستعصي على منظمات اصحاب الاعمال والعمال حلها بالطرق الودية وذلك حرصا على مصلحة المجتمع والاقتصاد الوطني وتحقيقا للاستقرار العمالي، ويعيب هذه الوسيلة تعقيد اجراءاتها وطول الوقت الذي تستلزمه لتسوية الخلافات بين طرفي الانتاج فضلا عما تولده من شك وعدم ثقة لاعتقاد العمال بأن الادارة او منظمات اصحاب الاعمال تتبع مع نقاباتهم اسلوبا ينطوي على عدم الرغبة في تسوية خلافاتهم بالطرق الودية.

ويكفل اسلوب التعاون والتشاور باجهزته المختلفة لطرفي الانتاج فرصة ابداء الرأي في الامور المشتركة بينهما وخصوصا ما يتعلق منها بشروط وظروف العمل واوضاع المنشأة الاقتصادية كما يوفر امكانات تنمية العلاقات الطيبة بين الادارة والعمال عن طريق تبادل الآراء في المشكلات العمالية بما يكفل القضاء على مصادر المنازعات وتسويتها اولا بأول.

ويتطلب اسلوب التعاون والتشاور تنمية الاحساس لدى القيادات النقابية بأن رأس المال يخدم الشعب بما فيه العمال ويوفر حاجات المواطنين ومن ثم فهو يحقق المصلحة العامة للمجتمع، ومن ناحية اخرى يتطلب هذا الاسلوب توافر الايمان لدى اصحاب الاعمال بأن تحسين ظروف وشروط العمل ينعكس على المنشأة وعلى الاقتصاد الوطني في صورة انتاجية اكبر تحقق مزيدا من الارباح ونموا في الاقتصاد الوطني واستقرارا في العلاقات العمالية. ومن ناحية ثالثة يعتمد نجاح اسلوب التعاون والتشاور على ايمان الحكومة بأهميته ودوره الفعّال في تحقيق الاستقرار العمالي والنمو الاقتصادي.

وتأخذ اجهزة التعاون والتشاور صور لجان العمل المشتركة التي تتكون من مندوبي صاحب العمل والعمال او منظماتهم وهي توجد عادة على المستوى الوطني وفي نطاق الصناعة وعلى مستوى المنشأة اما بالاتفاق الاختياري كما هو الحال في بريطانيا وكندا وبعض الدول الاسكندنافية او بمقتضى نصوص تشريعية كما هو الحال في فرنسا وبلجيكا والمانيا ومصر، كما تشارك الحكومة طرفي الانتاج عند تشكيل هذه اللجان على المستوى الوطني، ومستوى قطاعات النشاط الاقتصادي.

الواقع البحريني

اخذ قانون العمل في القطاع الاهلي بمملكة البحرين بأسلوب التعاون والتشاور لتنظيم العلاقات الجماعية للعمل فعلى مستوى المنشأة وقبل الغاء الباب السابع عشر منه نظم القانون تشكيل واختصاصات اللجان المشتركة للتعاون في تسوية المنازعات العمالية، كما فوضت المادة 146 وزير العمل والشئون الاجتماعية في اصدار القرارات اللازمة لانشاء اللجان المشتركة على مستوى الصناعة والمنشأة، وعلى المستوى الوطني وقبل الغاء الباب السابع عشر من القانون نصت المادة 145 على انشاء مجلس استشاري اعلى للعمل يضم ممثلين عن اطراف الانتاج الثلاث ويختص بابداء الرأي في مشروعات القوانين الخاصة بالعمل والعمال او تعديلاتها وغيرها من المسائل التي يرى وزير العمل والشئون الاجتماعية عرضها عليه، كما نصت المادة 146 على ان تنشأ المجالس الاستشارية الاخرى على المستوى الوطني بمرسوم اميري.

ومن ناحية اخرى نص القانون على استخدام التعاون والتشاور في المسائل المتعلقة باوجه التصرف في اموال الغرامات واسباب حوادث واصابات العمل ووضع الشروط والاحتياطات الكفيلة بمنعها.

ويشير الواقع العلمي إلى ان المجالس واللجان على المستوى الوطني ومستوى الصناعة لم تشكل إذ لم يتم تسمية اعضاء المجلس الاستشاري الاعلى للعمل، ولم يصدر وزير العمل القرارات المنظمة لتكوين اللجان المشتركة على مستوى الصناعة، ولم تحقق غالبية اللجان المشكلة في المنشآت النتائج المرجوة منها، وفضلا عن ذلك فان المجلس الاعلى للخدمات العمالية المختص برعاية شئون العمال من الناحية الاجتماعية الذي روعي فيه التمثيل الثلاثي لم يجتمع منذ صدور مرسوم انشائه العام 1976.

ويعبر هذا الواقع عن فشل اسلوب التعاون والتشاور لتنظيم العلاقات الصناعية في المرحلة الماضية وهو امر يتطلب من وزارة العمل اجراء دراسة متعمقة لاسباب هذا الفشل ووسائل مواجهته.

الاتجاهات الدولية

اهتمت منظمة العمل الدولية بأسلوب التعاون والتشاور بين اطراف الانتاج كوسيلة لتنظيم العلاقات الجماعية للعمل إذ شجعت التوصية قم 113 للعام 1960 المشاورات والتعاون الفعّال بين السلطات العامة ومنظمات اصحاب العمل ومنظمات العمال على المستويين الصناعي والوطني، واكدت هذه التوصية ان هذه الوسيلة ستحقق الفهم المتبادل بين هذه الاطراف وتوطد العلاقات الحسنة بينهم على نحو يؤدي إلى تنمية الاقتصاد الوطني وتحسين ظروف العمل ومستويات المعيشة، ثم تناولت التوصية مجالات هذا التشاور فأشارت إلى اهمية قيام السلطات العامة باستطلاع آراء منظمات اصحاب العمل ومنظمات العمل عند اعداد وتنفيذ القوانين واللوائح التي تمس مصالحهم وعند وضع وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي المجالات المتعلقة بتنظيم الهيئات المسئولة عن سوق العمل والتدريب والسلامة والصحة المهنية والانتاجية والضمان والرعاية الاجتماعية.

ونظمت التوصية الرقم 129 للعام 1966 وسائل التعاون والتشاور بين الادارة والعمال داخل المنشأة لتوفير مناخ من الثقة المتبادلة بين الطرفين لتحقيق فاعلية المنشأة وتطلعات العمال من خلال تطبيق سياسة فعّالة للاتصال مع العمال وممثليهم وقيام مشاورات بينهما قبل اتخاذ الادارة للقرارات المهمة التي تمس مصالحهم، وقدمت هذه التوصية نماذج لوسائل الاتصال داخل المنشأة منها الاجتماعات بين ممثلي الطرفين واصدار النشرات والمجلات المخصصة لبيان السياسات العمالية بالمنشأة وانشطتها والمعارض والشرائط والشرائح المصورة والاذاعة والتلفزيون واجهزة الاعلام الاخرى بالاضافة إلى كل ما يمكن العمال من تقديم مقترحاتهم وابداء آرائهم الخاصة بالامور المتعلقة بسير المنشأة، ثم تناولت التوصية مجالات الاتصال فأشارت إلى الشروط العامة للاستخدام ووصف وتوصيف الوظائف وامكانات التدريب وفرص الترقي واللوائح المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية واجراءات فحص الشكاوى والقواعد والممارسات التي تحكم سيرها والخدمات الاجتماعية العمالية والتسهيلات المصرفية ونظام الضمان الاجتماعي وتفسير القرارات التي تؤثر بصورة مباشرة او غير مباشرة على اوضاع العمال في المنشأة.

ووضعت التوصية رقم 130 للعام 1967 نظاما لبحث الشكاوى العمالية داخل المنشأة بهدف تسويتها وديا فنصت على حق العامل في التقدم بشكواه من دون ان يلحقه ضرر والتزام الادارة ببحثها سواء تعلقت هذه الشكوى بعقد العمل او لوائح المنشأة او غيرها من المسائل العمالية وطالبت الادارة بوضع نظام يكفل تسوية هذه الشكاوى بين العامل ورئيسه المباشر فاذا فشلت هذه الخطوة يكون من حق العامل دراسة حالته على مستوى اعلى بحسب طبيعة الشكوى وهيكل المنشأة وحجمها، كما طالبت التوصية الادارة بتوفير الامكانات الحقيقية للتوصل إلى تسوية ودية للشكاوى وان تكون اجراءات تقديم الشكاوى وبحثها سريعة وغير معقدة، كما حددت الاجراءات التي يمكن اتباعها عند فشل الجهود المبذولة لتسوية هذه المنازعات الفردية.

يفرض الواقع الخاص بأسلوب التعاون والتشاور بين اطراف الانتاج الثلاث الذي اشرنا اليه واهمية الاستجابة للاتجاهات الدولية الخاصة بتنظيم العلاقات الجماعية للعمل بين الحكومة واصحاب الاعمال والعمال ومنظماتهم ضرورة الاهتمام بهذه الوسيلة عند تعديل قانون العمل في القطاع الاهلي وذلك بتحقيق فاعلية اجهزة التعاون والتشاور بين اطراف الانتاج على المستوى الوطني وعلى مستوى قطاعات النشاط الاقتصادي وعلى مستوى المنشأة وذلك لتحقق المزيد من الانتاجية والنمو الاقتصادي والاستقرار العمّالي

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 396 - الإثنين 06 أكتوبر 2003م الموافق 09 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً