العدد 3971 - الأحد 21 يوليو 2013م الموافق 12 رمضان 1434هـ

زيارة مدينة شيآن العاصمة التاريخية للصين

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

مدينة شيآن هي من أقدم العواصم الصينية على مدى 14 أسرة حاكمة، وكانت عاصمة الصين منذ توحيدها على يد إمبراطور الصين شين خوان دى (259-210) Shi Huang Di Qin عام 221 قبل الميلاد، وتعد اليوم إحدى العواصم الثقافية المهمة. ففيها أهم متحف صيني تاريخي هو متحف الجنود المحاربين المعروف باسم «تراكوتا»، أي تماثيل الجنود من الطين، وبها مقبرة أول إمبراطور للصين الموحدة، وبها ربما أهم مطعم إسلامي في الصين المعروف باسم «مطعم الإسلام»، يزوره كبار الشخصيات، وبها مسجد كبير من مساجد المسلمين، فضلاً عن الكنائس المسيحية، والباجودا «للعقيدة البوذية»، وهي بداية طريق الحرير البري المشهور.

كما أن بها جامعة من أهم جامعات الصين، وهي جامعة شمال غرب الصين، وبها معهد لدراسات الشرق الأوسط أنشئ العام 1964، ولديه برنامج للدكتوراه منذ العام 1986، وكان يركز على الشرق الأوسط ودراسة الأديان والثقافات العالمية.

ومثل هذه المعاهد لا توجد إلا في مدن الصين الكبرى مثل بكين وشنغهاي، وأصدر المعهد عدة مؤلفات متخصّصة باللغة الصينية شملت كافة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والجزائر وسورية وإيران. والمتخصصون الصينيون بالمعهد منهم متخصصون في المذاهب الإسلامية المختلفة ومن بينها المذهب الشيعي، وفي التراث والحضارة الإسلامية، وقد زرت مع وفدٍ من الأكاديميين والباحثين من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هذه الجامعة وأجرينا حواراً مع رئيسها وأساتذتها، وأعربوا عن تطلعهم للتعاون مع الدول العربية وخصوصاً دول مجلس التعاون، واستقدام الطلاب من هذه الدول، حيث بالجامعة طلاب من العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وآسيا، ومن بين خريجيها أحد رؤساء المجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني (مجلس الشورى)، وأحد نواب رئيس الوزراء، والأديب الصيني Jia Pingwa الذي يعادل في شهرته وأدبه الصيني مويان الحاصل على جائزة نوبل في الآداب. والجامعة حصلت على مراكز متقدمة في الكيمياء والفيزياء والرياضيات على مستوى عالمي، كما أن أحد رؤساء الجامعة السابقين (وانج جي تشين) كان العضو السادس في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، ومسئولاً عن لجنة الانضباط التي مهمتها مراقبة سلوك أعضاء الحزب ومكافحة أي انحراف داخله.

وفي الجامعة مركز للدراسات الفلسطينية أنشئ العام 2010، وهو المركز الوحيد في الصين، وقد زار الجامعة السفير الفلسطيني في الصين أحمد رمضان، وبعد ذلك تم إنشاء مركز للدراسات الفلسطينية، كما زارها الرئيس التركي عبد الله جول وغيره من قادة الدول. وعقدت الجامعة من خلال مركز دراسات الشرق الأوسط ندوات مع جامعة الملك سعود، وجامعات في قطر والكويت، ولديها مجلة باللغة الصينية عن الشرق الأوسط. والمركز ضمن الهيئات الاستشارية للقيادة الصينية في قضايا الشرق الأوسط، وقد تم في هذا المعهد إجازة أكثر من 27 رسالة ماجستير ودكتوراه عن المنطقة، ومنها رسالة دكتوراه عن العلاقات الخارجية لمصر من 1970-2000، وقدّمت تحليلاً ممتازاً عن السياسة المصرية في تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر، وحلّلت الأبعاد الثلاثة في تلك العلاقات: البعد الأميركي، الإسرائيلي، والعربي. وأعد الرسالة الباحث الصيني تشين تيان شي، وأشرف عليها البروفسور وانج تياجنج، وخلصت الدراسة إلى أن أبرز التحولات الثلاثة في السياسة المصرية في تلك الفترة هي الانتقال من التحالف مع الاتحاد السوفياتي إلى التحالف مع أميركا في إطار التعاون، وعلاقة مصر مع «إسرائيل» التي حققت السلام المصري الإسرائيلي وإن ظل سلاماً بارداً.

أما علاقات مصر العربية فقد ظلت تتسم بالاستمرارية رغم الخلافات حيناً، والتعاون حيناً آخر، واتبعت الرسالة في التحليل أسلوب تعدّد المناهج البحثية، وتضمنت المفاهيم الجديدة في التحليل مثل الاتصال الحضاري السياسي والثقافي والاقتصادي والعسكري، وما قامت عليه هذه المصطلحات من صور التفاعل بين الدول مثل مفاهيم السلام والحرب والتعاون والصراع، نتيجة العوامل المتعددة في مقدمتها عوامل الجغرافيا والبيئة والدين والثقافة والنظام السياسي، فضلاً عن شخصية الحاكم ومصالح الدولة. ونشرت خلاصة الأطروحة باللغة الانجليزية كما هو شأن باقي الرسائل الجامعية التي تصدرها الجامعة.

مطعم الإسلام كما يسمى وكما هو مكتوب على مدخله، يقدم أجود أنواع الأطعمة الإسلامية بنكهة صينية وشرق أوسطية، ومديره يكنّ مودةً خاصةً للعرب والمسلمين القادمين من خارج الصين، وحرص على الاحتفاء بالوفد بدرجةٍ لا تقل عن احتفائه برؤساء الدول الذين زاروا المطعم، وعلق صوره في ردهاته الفسيحة وبالمطعم صورة لمسجد الشيخ زايد آل نهيان.

أما متحف الجنود المحاربين، فهو متحف رائع في مبانيه وأسلوب العرض والمحتويات الفريدة فيه، والتي تم اكتشافها في منتصف السبعينيات من القرن العشرين بواسطة فلاح صيني كان يحفر في حقله فوجد تماثيل لجنود، وكان يساعده أربعة آخرون فأصبحوا كلهم شخصيات مشهورة بما فيهم الفلاح الأول الذي جرى تعيينه موظفاً بالمتحف، وأصبح كل من يزور المتحف يحرص على أخذ صورةٍ معه ليكون ضمن سجلات زوار المتحف. وقد فعلت ذلك مثل معظم الزائرين، واشتريت كتابه عن الاكتشاف ووقع عليه بإمضائه، وهو يبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاماً، ولم يغادر الصين، وأصبح مثل التراكوتا ضمن مقتنيات المتحف، إذا جاز مثل هذا التعبير.

المسجد الإسلامي الكبير تحفه الأشجار، وبداخله أيضاً في الردهات الفسيحة، ويضم قاعتين للصلاة، إحداها للرجال والأخرى للنساء، وبه مكتبٌ لإمام المسجد، والمسلمون في مدينة شيآن هم خليط جميل بين العرب والفرس والصينيين، فهو نتاج تصاهر أبناء الحضارتين الإسلامية والصينية، ولذلك فهم يحبون وطنهم ويعبّرون عن ولائهم له كما يحبون بعضهم وإخوانهم في الدين وفي الوطن.

وفي مدينة شيآن Xi’an أكبر مصانع سيارات الشحن الكبرى وسيارات ناقلات الجنود التي تورد للجيش الصيني ويصدر جزء منها للخارج، وقد أنشئ العام 1968، ثم جرى تحديثه عامي 2000 و2005 بتعاون صيني ألماني، فأصبح يجمع بين الخبرة التاريخية والتطورات الحديثة في مجال التكنولوجيا. وفي المصنع شخصان من الشرق الأوسط في مجال المبيعات أحدهما مصري والآخر إيراني، وهما يجيدان اللغة الصينية.

وفي مدينة شيآن مسرحٌ للفن الصيني الحديث، ويعرض مسرحية عشيقة الإمبراطور المفضلة، والتي لعبت دوراً مع أول أباطرة الصين، والمسرحية تجمع بين الحقيقة والأسطورة عن هذه العشيقة وعن الإمبراطور، وتتميّز بإخراج فني رائع ولوحات مسرحية بالغة الروعة، ولذلك تجتذب السائحين من مختلف دول العالم.

إن مدينة شيآن مدينة عريقة تجمع بين عبق التاريخ وتراثه وبين التطور الحديث في مصانعه، وتحرص على تراثها الإسلامي والبوذي، كما تحرص على التفاعل العلمي مع نتائج العلوم الحديثة. وفي تقديري أنها يمكن أن تكون منارةً علميةً لدراسة الطلاب من الشرق الأوسط للإطلاع على التطور العلمي في الصين ذات المساهمة العريقة في تاريخ العلوم، منذ أكثر من عشرين قرناً، وهو ما دعا للقول المأثور «اطلبوا العلم ولو في الصين»، والآن أصبحت الصين على بعد بضع ساعات وليس شهوراً، عندما ذهب إليها الرحالة ابن بطوطة، وكما ذهب إليها المسلمون تجاراً ودعاةً منذ الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان.

تلك لمحاتٌ عن مدينة شيآن عاصمة الصين القديمة وبداية طريق الحرير التاريخي المشهور.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3971 - الأحد 21 يوليو 2013م الموافق 12 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً