العدد 3976 - الجمعة 26 يوليو 2013م الموافق 17 رمضان 1434هـ

مصر إلى أين؟ الحقائق الثماني لفهم الأوضاع في أرض الكنانة (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تطرقنا في المقال السابق إلى ثلاث من الحقائق الثماني التي أراها مفتاحاً لفهم الأوضاع الراهنة في مصر، من خلال فهم الشخصية المصرية والتراث الحضاري المصري.

والحقيقة الرابعة هي الاتجاه السياسي الدولي الخطير للرئيس محمد مرسي بالتنازل عن أرض مصر، وقد كشفت وسائل إعلام عديدة عن صفقتين خطيرتين، الأولى في سيناء التي حوّلها إلى وكرٍ للجماعات الإرهابية الجهادية من ناحية، ومأوى لفصائل حركة حماس الطائفية التي استطاع الرئيس مرسي إرساء دعائم تحالفها مع «إسرائيل» بسرعة، فعزّز الهدنة بين الطرفين وحظي مرسي بالإشادة بإنجازاته من «إسرائيل» وأميركا وحماس، وقام بتنفيذ تعليمات المرشد (محمد بديع) الذي سبق أن صرح بأنه يتمنى أن يكون إسماعيل هنية رئيساً لوزراء مصر. كما صرّح المرشد السابق عليه محمد عاكف قائلاً «طز في مصر»، فإذا كان قادة الإخوان والرئيس لا يؤمنون بالوطن، فليس لهم شرعية ولا قانونية، ويضاف لذلك وعده بالتنازل عن حلايب وشلاتين عندما زار السودان، وأعلن السودان صراحةً ذلك.

الحقيقة الخامسة... لقد صوّت الشعب المصري، في انتخابات منتصف 2012، لمصلحة محمد مرسي والإخوان لثلاثة اعتبارات، أولها ما افترضوه في الإخوان من نقاء وصلاح وفي مرشحهم من وعود جاذبة بما فيها وعوده بإطلاق مشروع النهضة، ووعوده بإنجازات خمسة في المئة يوم الأولى من توليه السلطة. وثانيها رفض بعض قطاعات الشعب لحكم القوات المسلحة بعد مرور 60 عاماً على ثورة 1952 التي حققت الكثير من الانجازات، ولكنها ارتكبت أيضاً كثيراً من الأخطاء، وثالثها الخوف من المرشح المنافس أحمد شفيق باعتبار ارتباطه بالنظام السابق. وهكذا كان الشعب المصري بين خطرين كبيرين: حكم الجيش والنظام السابق، أو حكم الإخوان، فاختار معظم الشعب أقلهم خطراً في تصوره.

ما هي دلالة هذه الحقيقة؟ دلالتها إن الرئيس حنث بوعوده وأيمانه، وهو المسلم كامل الإيمان والإسلام، وحنث في القسم الوطني بالحفاظ على ترابه ووحدته، وهكذا انقسم المصريون إلى طوائف وفصائل متصارعة، لأن الرئيس أصر أن يكون رئيساً للإخوان وليس للشعب المصري.

الحقيقة السادسة استمرار التخبط في السياسة الخارجية بما يمس أمن البلاد ومصدر حضارتها، وهي مياه نهر النيل، والخلاف مع أثيوبيا رغم محاولاته غير الناجحة في استرضائها، وكذلك محاولات رئيس وزرائه. لماذا كان هذا الإخفاق؟ لأن الرئيس ورئيس الوزراء ليسوا متخصصين في السياسة أو الإدارة ولا في كيفية التفاوض، وحل المشاكل، ولا يستشيرون الخبراء.

الحقيقة السابعة إنه بين القانونية والشرعية فارق كبير، إذ أن محمد مرسي كان رئيساً قانونياً ولم يكن رئيساً شرعياً Legal but not legitimate. كان قانونياً لأنه انتخب وجاء عبر صندوق الاقتراع، وهذا صحيح شكلاً، ولكن من الناحية الواقعية عليه تساؤلات عديدة لحدوث تلاعب بالصندوق في استمارات المطابع الأميرية، وفي فرض منع إجباري ضد الأقباط في مناطق تجمعهم العديدة بتهديدهم، كما القضاء والقوات المسلحة، للقبول بالنتيجة غير الصحيحة تحت ثلاثة أنواع من الضغوط، وهي إعلان الحركة الإخوانية عن النتيجة قبل استكمال الإحصاء الدقيق ومراجعة الأخطاء والطعون، ثم تهديد أنصار مرسي بإشعال حرب في البلاد وحرقها، وأخيراً الضغط من الولايات المتحدة على المجلس العسكري لأنهم كانوا يرغبون في أن يتولى إخواني السلطة، فاتخذ القرار سياسياً بفوز المرشح الإخواني، ومن هنا كان القرار قانونياً وليس شرعياً Legitimate .

الحقيقة الثامنة... هل تدخل الجيش وقام بانقلاب عسكري ضد السلطة الشرعية؟ هذا سؤال مهم، لم يحدث انقلاب عسكري لأن الانقلاب يكون مفاجئاً، وضد سلطة شرعية، ويتولى السلطة الجديدة عسكريون، ويعلنون حالة الطوارئ، ويقمعون المعارضين بعنف، وهذا ما حدث في العام 1952 وما حدث في دول عربية ولاتينية وأفريقية عديدة، ولكن ما حدث في مصر في 30 يونيو 2013 إن القوات المسلحة عندما وجدت 33 مليون مصري يطالبون بانتخابات مبكرة للرئاسة ومطالب أخرى بسيطة، مثل إقالة رئيس الوزراء، كان الرئيس يرفض بإصرار وعناد. واستجابة لنداءات جماهير الشعب المصري، تدخلت القوات المسلحة وتشاورت مع قوى المجتمع الدينية (المسيحية والإسلامية) ورموزه السياسية، فأيّدها الجميع، وأعلنت وقف الدستور المختلف عليه، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية، وهو رئيس أعلى مؤسسة قضائية.

هذا التصرف من القوات المسلحة يعبّر عن أدق خصائص الشخصية المصرية وهو السلمية الحقيقية، وعدم التطرف والاعتدال واحترام عزيز قومٍ ذل، كما دعا لذلك النبي محمد (ص)، والتصرف المصري حدث مع الملك فاروق وحدث مع محمد نجيب ومع حسني مبارك ومع محمد مرسي. أي أنه سلوك نمطي طبيعي لمصر وقواتها المسلحة بخلاف ما حدث مع شاوشيسكو في رومانيا أو مذابح الثورة الفرنسية أو مذابح ثورة العراق العام 1958 أو مذابح الثورة الإيرانية.

هل ما حدث في مصر في 3 يوليو 2013 يعد انقلاباً عسكرياً؟ نقول لا، وقد أوضحنا ذلك من حيث الشكل، ومن حيث التاريخ والسوابق فإن الجيش المصري له تاريخ مشهود في حماية أمن الوطن والدفاع عنه في لحظات الأزمات الطاحنة، والمساس بأمن البلاد، ومن هنا وجدنا ثورة أحمد عرابي والإطاحة بالخديوي إسماعيل رغم مشاريعه التحديثية العديدة لمصر، ثم ضد الخديوي توفيق الذي تولّى السلطة شرعياً ثم خان الأمانة، وتحالف مع الانجليز وسمح لهم باحتلال مصر في إطار خيانة الوطن، ثم في ثورة 1952، ثم في ثورة 25 يناير ضد الرئيس حسني مبارك رغم أنه ابن العسكرية المصرية، ولم يقل أحدٌ آنذاك إن تدخل الجيش وإجباره مبارك على الاستقالة سوى انه ثورة شعبية، ولم يفعل دعاة الديمقراطية من أميركا وألمانيا سوى الإشادة بدور الجيش المصري الوطني الذي وقف مع الشعب ضد الحاكم المستبد.

لقد استقال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على الفور عندما اكتشفت فضيحة «ووترجيت»، وفي ألمانيا وصل هتلر الذي كان فاشياً، وقاد العالم إلى حرب عالمية كبرى عن طريق صندوق الاقتراع، وقد أكّد كثير من علماء السياسة في أميركا وبريطانيا وغيرها بأن صندوق الانتخابات هو أحد أدوات الديمقراطية، ولكنه ليس الديمقراطية، فكثير من الدول يصل قادتها بصندوق الانتخابات ثم يخونونه بعد ذلك، فيثور الشعب ضدهم.

ثم يأتي السلطان العثماني رجب طيب أردوغان لينتقد مصر، وأجدر به أن يتذكر شتائمه للشعب التركي الذي ثار ضده في مسألة منطقة «تقسيم»، ووصفه إياه بالغوغاء. إن أي رئيس يصف شعبه بمثل هذه العبارات سيفقد شرعيته في أي نظام ديمقراطي حتى وإن جاء عبر صندوق الاقتراع. إن أردوغان حري به أن يجلس في منزله للاستمتاع بتمثيلية «حريم السلطان» بدلاً من نقد مصر صاحبة الحضارة العريقة، وأن يراجع تصريحاته تجاه الثوار الذين قاموا ضده في منطقة تقسيم، أو أن يسعي لحل مشاكل الأكراد أو الأرمن وغيرهم من عناصر الشعب التركي. وكذلك إيران وقناة العالم وغيرها ينبغي أن يفكروا ويطلقوا سراح موسوي وكروبي ويتذكروا كم ما فعلوه بالشعب الإيراني طوال الثلاثين عاماً الماضية.

إنني كدارس للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنصح أن يكون لها دور في المجتمع الدولي بأن تعلم دبلوماسييها فلسفة الحضارة والخصائص الذاتية لكل حضارة، وكذلك تعلم سياسييها كيفية التحدث وكيف التعامل مع من ينتمون لحضارة أخرى. إن تصريحات أردوغان وتصريحات المسئولين الإيرانيين حول الثورة المصرية اتسمت بعدم معرفة بتاريخ مصر وشخصيتها وعدم معرفة قواعد السلوك الدولي في القرن الحادي والعشرين في التعامل مع الدول ذات السيادة وبأبسط مبادئ وتعاليم الإسلام بعدم الادعاء وضرورة التدقيق وقول الصدق والتواضع. (انتهى).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3976 - الجمعة 26 يوليو 2013م الموافق 17 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:23 ص

      مصر ستكون بخير اذا ابتعدوا عنهم التكفيريين

      فهذا مخطط كبير لعزل اكثر عواصم عربية مؤثرة بدؤها ببغداد ثم دمشق ثم القاهرة لتكون اسرائيل امنة بأيدي الانظمة العربية

    • زائر 1 | 12:16 ص

      صح السانك

      لان مصر دولة عظمى ...ولكنها في السنوات الماضية كانت تخضع لنظام جعلها دولة تبعية ولما احست تركيا وايران ان مصر ستعود لامجادها وتسحب البساط من تحتهم خافو على انفسهم وانتابتهم حالة هستيرية في الدفاع عن الاخوان ... الله يحفظ مصر وشعبها

اقرأ ايضاً