العدد 3991 - السبت 10 أغسطس 2013م الموافق 03 شوال 1434هـ

ما هي خيارات الموالين العرب؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

استندت أحزاب ونخب ولوبيات موالاة الأنظمة العربية من مراكش إلى البحرين على أطروحة أن هذه الأنظمة حتى وإن كانت تسلطية فإن البديل الإسلامي الذي طرح بعده صيغ هو الأسوأ. واستندوا في ذلك إلى أن الأنظمة الاستبدادية سياسياً تسمح بالحريات الشخصية وأنها لا تفرق بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة، وبذا حافظت نسبياً على النسيج الاجتماعي من التمزق. كما أنها تخلت عن النظام الاقتصادي الاشتراكي (بالأحرى رأسمالية الدولة) الذي أثبت عقمه وساهم في تخلف الاقتصاد والفساد والبطالة المقنعة. وأن الاقتصاد والخدمات شهدت انتعاشاً كبيراً بحيث إن السلع والخدمات وحركة العمران والتجارة شهدت ازدهاراً ساهم في النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة، كما أن الانفتاح على الغرب أخرج عدداً من البلدان المحسوبة على المعسكر الاشتراكي من عزلتها، وفتحها على العالم، ما ساهم في تطورها وتحديثها لكن هذا النموذج من الأنظمة قد استنفد أغراضه، وشهد انحطاطاً في كل شيء بحيث تحول الحكم من حكم ذي قاعدة اجتماعية معقولة إلى حكم القبيلة أو العائلة أو النخبة الضيقة.

ودخل العديد من هذه البلدان مثل مصر وليبيا والجزائر وموريتانيا والسودان واليمن وسورية والعراق، في طور الأزمة المتفاقمة كما البلدان التي كانت بالأساس تتبع النموذج الليبرالي والحليفة للغرب مثل المغرب والأردن ولبنان في أزمة، وحتى بلدان مجلس التعاون التي كان يعتقد أنها محصنة ضد الأزمات بفعل البحبوحة الاقتصادية النفطية وقلة السكان، فقد شهدت معالم أزمة انسداد أفق التطور السياسي، ولذا انطلق الربيع العربي كالإعصار ليجتاح الوطن العربي من المحيط إلى الخليج في ظاهرة لا سابق لها. في ظل هذه الأوضاع وبغض النظر عن التفاصيل والتباينات بين هذا البلد أو ذاك، صعدت إلى المسرح السياسي القوى الإسلامية والتي كانت من بين قوى المعارضة في وضع الأفضل مقارنة بالقوى اليسارية والعلمانية أو الليبرالية. وهكذا شهدنا انتصارات القوى الإسلامية سواء من خلال الحرب أو الصراع المسلح كما في سورية والجزائر وليبيا أو من خلال إرهاصات الثورات الربيع العربي وما تبعها من انتخابات كما في تونس ومصر واليمن، أو من خلال صناديق الاقتراع كما في المغرب والعراق، بحيث وصلت إلى الحكم قوى إسلامية في المغرب وتونس وليبيا والعراق واليمن. لكن صعود هذه القوى ليس في أنها تحوز الثقة الشعبية أو تمتلك برامج أفضل من غيرها، لكنه كان مرهوناً بعوامل ذكرناها وأخرى لم نذكرها. وهكذا وبعد تجربة فاشلة في الحكم حانت لحظة الحقيقية، وبدأ انحدار هذه القوى أو على الأقل تراجعها، فما هو موقف القوى والنخب التي تراهن على الأنظمة الاستبدادية والتي تدعوها بأنها مدنية، بعد تراجع البعبع الإسلامي؟

إن مراجعة لمواقف التنظيمات السياسية سواء المعلنة أو الخفية، والنخب السياسية والمجتمعية وأقطاب الإعلام في هذه البلدان وخصوصا دول مجلس التعاون يواجهون ارتباكاً شديداً. فبعد أن هللوا لسقوط أنظمة استبدادية عربية تيمناً بمواقف أنظمتهم البراغماتية وفي محاولة للتأثير على هذه الأنظمة الجديدة انقلبوا على الأنظمة الإسلاموية التي خلفتها، لأنهم استشعروا أنها يمكن أن تغري إسلامييهم بالخروج عن بيت الطاعة (طاعة ولي الأمر) هذا الارتباك أيضاً موجود في المغرب والأردن مثلاً، حيث أثبت كلا النظامين محدودية إصلاحاتهما وقدرتهما على حل معضلات لديهما، وبعد أن تراجع أداء الحكومة الائتلافية بزعامة الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية) ورئيس وزرائه بن كيران، وتراجع حظوظ جبهة العمل الإسلامي في الأردن من الوصول إلى السلطة.

إذاً مادام ما يدعى بالأنظمة الاستبدادية المدنية فاشلاً، والحكومات الإسلامية فاشلة عن إخراج بلداننا من مأزقها فما هو البديل؟

التيار الليبرالي أو مدعي الليبرالية هو في غالبيته تابع للأنظمة ولا يملك مشروعاً إصلاحياً أو تنويرياً أو تحديثياً كما لعبه التيار الليبرالي الأوروبي، وهو مهادن للأنظمة الحاكمة. وبالطبع غير مستعد لمعارضتها. ما العمل؟ العزق على وتر أن التجربة أثبتت خطر الحكم والتيارات الإسلامية الرجعية المعادية للحقوق المدنية، وبالتالي التمسك بالأنظمة الاستبدادية (المدنية) مع نقدها نقداً خفيفاً لكن الأهم هو أن دور هذا التيار (الليبرالي، المدني) هو التصدي لقوى التغيير الحقيقة والجذرية، والتي ليست بالضرورة ذات ايديولوجية أو خط سياسي، بل تحالف من قوى الشعب المطحون بالأزمة الاقتصادية أو التهميش السياسي أو كلاهما. وهكذا رأينا نجاح هذا التيار وبانحياز الجيش الوطني المصري، من إسقاط حكم الإخوان في مصر وزعزعته في تونس وتحديه في ليبيا واليمن، وإرهاصاته في لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.

لابد أن هناك بديلاً لأنظمة الاستبداد والقوى الإسلامية الظلامية (وليست المتنورة) هذا البديل تقدمه لنا تجربة الحراك الثوري في مصر وتونس بشكل جلي، وكذلك الحراك الجماهيري في عدد من البلدان الأخرى مثل المغرب وبلدان عربية أخرى.

البديل كما في كل التحولات الكبرى هو تحالف واسع بين قوى التغيير الحضاري الديمقراطي لا يستند إلى ايديولوجية بل إلى برنامج سياسي للانتقال من نظام الاستبداد والاستغلال والتهميش والتمييز والتبعية، إلى نظام المشاركة الواسعة في السلطة والثروة، نظام ذي قاعدة ديمقراطية حقيقية، نظام يعكس إرادة الشعب الحقيقية، وهذا يتطلب إما إصلاحات عميقة وشاملة لبعض الأنظمة ومنها بعض الأنظمة الملكية، وإما تغيير لنظام الحكم كما هو جارٍ في مصر حالياً إن أمام بعض النخب السياسية والثقافية والمجتمعية للتيار (الليبرالي المدني) فرصة أخيرة، لكي يتخلوا عن موقعهم في إسناد أنظمة ليست في الحقيقة مدنية أو تحديثية، بل تسلطية مغلقة، والانضمام إلى تحالف قوى التغيير الجذري والشامل، التغيير لننتمي إلى هذا العصر وليس العيش في القرون الوسطى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3991 - السبت 10 أغسطس 2013م الموافق 03 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:27 ص

      نظم معتدله وأخرى مستويه لكن عاد ما تعرف مليه خاصة أو عامه

      عرف الكثير في التاريخ من السلاطين، ومنهم سلطان برناي وملك النيبال وأمبراطور اليابان الذي بان في سلطان زمان - هارون الرشيد في كان يا ما كان حسب ما كان يضن أو كما كان يعتقد أن ملكه بدون ملكه في ملكه بالقوة والمال والجاريات وجيوشه .. لكنه بكى وقال هلك عني سلطانيا. هنا مملكة خاصة أو مملكة عامه أو في العملومة تضيع الخصوصية وتتوه العموميه. فهل مملكة الاردن أو المغرب خاصة أو عامة للمغربيات أو الأردنيات؟ من أسئلة جحا التي تحتاج الى ملح لرد الرماد في العين عن الحسد.

    • زائر 6 | 6:42 ص

      ممالك دستوريه وليس ملكية خاصة - نموذج فريد من نوعه

      الاسلام الاخواني ليس بديل عن الاسلام ولكنه صورة مشوه كما أن الديمقراطيه الغربيه (الامريكية أ صورة مشوه للديمقراطيه ولا توجد ديمقراطية حقيقية أصيله مبنية على العقل والحكمة الا اليونانية الاسلامية الاشتراكيه - شيوعيه علميه مختصرها القائم على العلم والوعي وليس غيره. وهذه كانت في أوال أيام مملكة العيونيون نموذجها الوحيد والفريد في العالم.

    • زائر 5 | 6:02 ص

      تأنيب الضمير قاتل

      أن هذه الأنظمة حتى وإن كانت تسلطية فإن البديل الإسلامي الذي طرح بعده صيغ هو الأسوأ ) ألم تكن أنت أحدهم الم تجولوا على جميع الأنظمة القمعية من صدام حسين في السبعينات والثمانينات الى سوريا حافظ الأسد حيث مكاتبكم وتعاونكم مع الأجهزة ألأمنية الى القذافي امين الأمة بالنسبة لكم وكانت لك صولات في مدح القذافي وغيره من الذين تنتقدهم فأنتم كنتم اقرب للإنتهازية منها للثورية لذا ارجو الإبتعاد عن هذه المزايدات

    • زائر 4 | 5:55 ص

      بارك الله فيك

      مقال جميل .. ليبراليين الخليج ليس لديهم حافز لمساندة التغيير في الأنظمة خوفا على امتيازاتهم الحالية

    • زائر 2 | 1:24 ص

      الهروب من السيء الى السيء تعذرا بما هو أسوأ وكان التطور الحسن ليس من اختصاص هذه الامة

      دائما يحاولون مقارنة السيء بالسيء او بما هو أسوأ منه وكأنه لا يوجد في العالم الذي خلقه الله وجبله على التطور الى الحسن والأحسن والجيد والأجود.
      فهؤلاء لا يوجد في قواميسهم كلمة نظام حسن او نظام جيد او حسن لكي يقارنوا الانظمة الحالية بتلك.
      لو ان البشرية بقيت تقارن نفسها بما يقارن به هؤلاء انفسهم لتراجعت الى الوراء ولما حصل تقدم وتطور في العالم ولما وصل حال البشرية الى ما هي عليه الآن ولكن مع من تتكلم اذا كان لديك نوّاب يشرعنون لقوانين التخلف والتقهقر والرجعية

اقرأ ايضاً