العدد 4030 - الأربعاء 18 سبتمبر 2013م الموافق 13 ذي القعدة 1434هـ

بنا: إثر ختام زيارة العاهل للصين...نتائج جوهرية تصب في صالح الوطن

للتفاعلات في حقل العلاقات بين الدول قيمة يمكن حسابها والتعاطي معها باعتبارها أساسا جيدا لتقييم دبلوماسية دولة ما وتحركاتها ووضعيتها السياسية بل ومكانتها لدى قوى ومنظمات النسق الدولي المختلفة.. فعالم اليوم لم يعد يعترف بتلك الزيارات البروتوكولية التي يلتقي فيها مسئولون بعضهم البعض دون أن يكون هناك نتيجة تذكر من وراء اجتماعاتهم أو لقاءاتهم.

ويضع الخبراء مؤشرات عديدة يمكن وفقا لها تلمس النتائج التي تسفر عنها الزيارات فيما بين مسئولي الدول وبعضها، كحدوث تغير إيجابي في مواقف الدولة تجاه الأخرى، صعود مضطرد في العلاقات الثنائية وبما يتجاوز أطر التعاون التقليدية المعروفة، الاهتمام بالدولة ودعم وتعزيز الاستقرار بها، هذا فضلا بالطبع عما سيتيحه كل ذلك من تغيرات تمس جوهر وصميم المصالح الحياتية لمواطني الدول أطراف الزيارة.

وها هي زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الأخيرة للصين التي اختتمت فعالياتها قبل أيام، تؤتي نتائجها الأولية المرجوة بعد أن كشفت عن مدى الاهتمام الصيني بالمملكة باعتبارها من بين المحركات الأساسية في الخليج خاصة والمنطقة العربية بشكل عام، وعكست ـ أي هذه النتائج الأولية ـ ليس فقط جدية الطرفين وإرادتهما لتطوير العلاقات القائمة، وإنما الثقة التي توليها قيادات البلدان للأطر المنظمة للعلاقات بين دولتيهما منذ عقود، وقدرتها على الاستمرار والتطور، وبما يمكنها مستقبلا من فتح مجالات أوسع للتعاون الثنائي.

بيد أن هذه النتائج الأولية لا تتوقف على ما ذُكر فحسب، ولا تقتصر على أجواء الترحيب والحفاوة في الاستقبال التي قوبلت بها الزيارة الرسمية الأولى للعاهل ، ولا حتى الفعاليات التي جرت في إطارها، وحظيت باهتمام كبير يعكسه حجم وطبيعة الوفد المرافق للعاهل ، وإنما تشمل بجانب كل ذلك عدة أمور جوهرية يمكن تلمس ملامحها في عدة مؤشرات يأتي في مقدمتها: فحوى ومضامين البيان المشترك الصادر عقب ختام الزيارة، والذي اتسم بالقوة والوضوح، ويمكن إبراز نقطتين فيه تمثلان في الحقيقة رؤية المملكة في تدعيم قنوات الاتصال بأقطاب النمو الآسيوي، وعلى رأسهم القطب الصيني الصاعد، وغاية قيادتها الرشيدة من الزيارات المتتالية والمتبادلة الأخيرة التي قامت وتقوم بها إلى كل من اليابان والهند وكوريا الجنوبية وتايلاند وغيرها.

النقطة الأولى تتعلق بهذا الإصرار والعزم الذي يعمل به قادة البلدين لدعم الشراكة بينهما، والأمر هنا يتجاوز ما هو معروف بين الدول سياسيا أو اقتصاديا من أطر للتمثيل الدبلوماسي العادي أو عمليات للتبادل التجاري تعرفها كل الدول، وإنما يشمل بجانب ذلك وينتقل به إلى مرحلة أكثر تقدما من العمل سويا من أجل تبادل الدعم في القضايا التي تتعلق بالمصالح الحيوية للجانب الآخر، حسب وصف البيان ذاته.. ولعل أبرز ما يؤكد ذلك إعادة التأكيد على موقف مملكة البحرين الثابت والتزامها بسياسة "الصين الواحدة"، وإعادة تأكيد بكين هي الأخرى على موقفها الراسخ من استقرار المملكة ودعمها لجهود المنامة لحماية هذا الاستقرار في وجه ما قد تتعرض له من محاولات للنيل من أمنها واستقرارها المجتمعي.

النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها من البيان المشترك خاصة بالجهود المتواصلة التي يبذلها قادة البلدين لتوطيد وتأطير العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين، مستندين في ذلك إلى الكثير من الثوابت التي أسهمت في رفع وتطوير علاقاتهم والوصول بها إلى مصاف التكامل الفعلي..

ولعل أكثر هذه الثوابت أهمية ما يتعلق بالمصالح الحيوية المشتركة المدعومة ليس فقط من جانب أعلى مستويات القيادة والأجهزة التنفيذية في كلتا الدولتين، وإنما من جانب مؤسسات القطاعين الرسمي والأهلي معا، إضافة إلى إرث التعاون العميق الذي يربط الجانبين ويعود إلى ما قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقدين، وازدياد وتيرة وكثافة تطوير العلاقات المشتركة خلال السنتين الأخيرتين، علاوة على توافر الاستعداد الكافي لترسيخ وتعزيز أركان هذه العلاقات وبما يشمل مجالات إضافية جديدة للتعاون والتنسيق المشترك كالبنية التحتية والمالية، إضافة إلى المجالات الثقافية والسياحية والتعليمية والصحية والإعلامية والرياضية وغيرها.

ويرى مراقبون أن أهمية الزيارة ونتائجها لا ينبغي أن تقف عند قراءة مضامين البيان المشترك الذي اتسم بلغة قوية في معالمها وواضحة في أفكارها ومواقفها، مثلما ذكرنا سلفا، وإنما يُضاف إلى هذه المضامين الفعاليات التي جرت خلال الزيارة ذاتها، والتي استمرت ثلاثة أيام خلال الفترة من 14 إلى 16 سبتمبر / أيلول الجاري.

وحقيقة الأمر أن هذه الفعاليات التي شهدتها الزيارة عكست العديد من المعاني الإستراتيجية المهمة، منها: توجيهات قادة البلدين باستنفار قوى الأجهزة المعنية لتذليل أية عوائق أو عقبات يمكن أن تعترض سبيل تطوير علاقاتهما.. هذا بالإضافة إلى تأكيد الالتزام المشترك بضرورة إقرار أوضاع السلم والأمن العالميين سواء على مستوى المجتمع الدولي ككل أو على مستوى الشرق الأوسط والخليج بخاصة، وهو الالتزام الذي يؤكد وصول مستوى التفاهم البحريني ـ الصيني على الكثير من القضايا إلى مستوى كبير، واتفاقهما على السبل المناسبة التي تعزز من الثقة فيما بين الأطراف والقوى الإقليمية والعالمية، وسعيهما الدءوب لحلحلة الكثير من الملفات والقضايا، سيما أن كلتا الدولتين تمارسان دورا محوريا على هذا الصعيد كل في منطقتهما، وهو الدور الذي يُقدَّر من جانب أطراف وقوى المجتمع الدولي والإقليمي المختلفة.

وللتدليل على هذه المعاني، يُشار إلى أن جلسات المباحثات المكثفة التي عقدها جلالة العاهل شملت كلا من الرئيس الصيني من ناحية، ورئيس مجلس الدولة هناك من ناحية ثانية، إضافة إلى حضور سموه الفاعل في افتتاح الدورة الأولى من المعرض العربي ـ الصيني من ناحية ثالثة، ولقائه العاهل الأردني من ناحية أخرى.

وقد كشفت هذه الفعاليات عن عدة دلالات جوهرية، لعل من أبرزها: حرص الجانب الصيني على تدعيم علاقاته بالمملكة باعتبارها بوابة منطقة الخليج، وتقديرها الكامل للدور الكبير الذي تقوم به البحرين لدعم وترسيخ الأمن والاستقرار سواء بداخلها أو بالمنطقة، وهو الدور الذي تتوافق معه بكين جملة وتفصيلا باعتبارها هي الأخرى أساسا من أساسيات الاستقرار ليس فقط في قارة آسيا، وإنما في العالم كله، هذا فضلا عن التباحث في القضايا المشتركة، والتنسيق والتشاور وتبادل الآراء حول الملفات المختلفة، وهو ما يمكن إضافته بالطبع إلى جدوى إطلاع البلدين والمسؤولين فيهما على التجارب والنجاحات التنموية التي حققتها الأجهزة التنفيذية بها، وبحث فرص الاستفادة منها كأساس متين لتنمية العلاقات الراسخة بينهما.

ومن هذه النقطة الأخيرة يمكن إبراز أحد أهم النتائج التي أسفرت عنها زيارة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد بجانب كل ما سبق، وهذه النتيجة تتعلق بالجانب المباشر للزيارة، إنْ صح هذا التعبير، أو ما يُعرف بالمكاسب الحقيقية المادية لها، وهذا الجانب يتعلق بالتوقيع على عدة مذكرات وبروتوكولات واتفاقات للتفاهم والتعاون مع النمر الصيني برعاية وحضور جلالة العاهل ، وشملت مختلف المجالات الفنية، كـ: مجال الرقابة على المؤسسات المصرفية والمجال الصحي والتعليمي وعدم الازدواج ومنع التهرب الضريبي، وهي الأطر التنظيمية التي تكرس من التعاون البحريني ـ الصيني في مختلف المجالات.

والواقع أن هذه المذكرات والتفاهمات الموقعة تعكس: شمولية مجالات التعاون الثنائي بين البلدين، والآفاق الواسعة التي ينطوي عليها، وفرص تطويرها والاستمرار فيها في المستقبل المنظور والبعيد سواءً بسواء، وبما يضمن تحقيق مصالح الدولتين وشعبيهما، حيث غطت هذه الاتفاقات العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما استكملت ما اعترى بعض أوجه التعاون السابقة من سلبيات تبدت نتيجة ممارسات العمل التعاونية، من حيث الرقابة والإشراف على وجه التحديد.

كما تعكس المذكرات أهمية وفرص التبادل المعلوماتي والخبرات في المجالات المختلفة، سيما أن الصين حققت نتائج جوهرية باهرة في العديد من المجالات، ويمكن للمملكة الاقتداء بها في خطتها التنموية الخاصة بالبحرين 2030 وسعيها لتوفير البيئة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، وهو ما يُضاف بالتأكيد إلى تدعيم أواصر التعاون الشعبي من خلال البرامج الثقافية والتعليمية المتبادلة التي بلا شك بإمكانها أن تمد وتعزز من جسور التعاون بين الشعوب.

وأخيرا وليس آخر، فإنه يمكن التأكيد أن زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للصين ولغيرها لا تغفل تقديم الدعم لكل من يسهم في الارتقاء برفعة هذا البلد وتقدمها، ولعل اصطحاب سموه لوفد كبير من رجال الأعمال البحرينيين لهو دليل على أن أبناء هذا الوطن سيظلون دوما على رأس اهتمام سموه، لأنه بهم يحققون الريادة للاقتصاد الوطني ويرفعون من مؤشر التنمية البشرية لمواطنيه.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً