العدد 4055 - الأحد 13 أكتوبر 2013م الموافق 08 ذي الحجة 1434هـ

حديث صريح عن بعض الذكريات في الأمم المتحدة

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الحمد الله أولاً وأخيراً، فهو صاحب الفضل الكبير علَيَّ الذي لا أحصيه مهما حاولت، والشكر لصاحب القرار وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة على ضمي لوفد مملكة البحرين في هذه الدورة، والتي تعلّمت فيها الكثير، وعملت في خلالها الكثير، خدمةً لإنسان أقدره عظيم التقدير، أقدره منذ أن رأيته إثر توليه منصبه، وجرى التواصل بيننا، وإن كان قليلاً، وازداد إعجابي بكفاءته وخبرته وبتفانيه في عمله، حباً لوطن ومليكه وقيادته وشعبه.

فهو نعم الوزير، ونعم الرئيس، ونعم الأخ والصديق، وأنا أقول دائماً ما أومن به ولا ابتغي غير الله رباً، ومحمداً رسولاً، والقرآن مرشداً، وليس لي مطمح. فقد بلغت أعلى منصب مهني بوزارة خارجية مصر، وعملت لمدة 5 سنوات ونصف في نيويورك، منها 3 سنوات ونصف مندوباً مناوباً في وفد مصر لدى الأمم المتحدة، وعملت سفيراً في عدة بلاد كان آخرها الصين، وبلغت أعلى درجة وظيفية وهي سفير من الفئة الممتازة، وبلغت أعلى مكانة علمية بحصولي على الدكتوراه وتأليف أكثر من 40 كتاباً، وحصلت على تقدير أدبي بوجود اسمى ضمن قائمة أبرز الشخصيات في العالم في الموسوعة العالمية International Who`s Who التي تصدر في بريطانيا، واُعترف بي خبيراً في الشئون الصينية من أكاديمية العلوم الاجتماعية في شنغهاي وبكين وغيرها.

لا أقول ذلك تعالياً ولكن أقوله تواضعاً لله الذي علمني، واعترافاً بفضل أسرتي الكبيرة مصر، وأسرتي الصغيرة وفي مقدمتهم جدي ووالدّي رحمهم الله وزوجتي حفظها الله، وبفضل أساتذتي من كبار قادة الدبلوماسية المصرية، ومن عملت معهم في مملكة البحرين، وتعلمت منهم الكثير، وأكرر «وقل رب زدني علما».

لقد كانت تجربة مشاركتي في وفد مملكة البحرين بقيادة وزير الخارجية معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة تجربة مفيدة تعلمت فيها جوانب جديدة من العمل والانجاز، واحترام الذات، التي هي أهم ما يملك الإنسان، فله الشكر على ذلك، كما لمست عن قرب حبه لوطنه وتفانيه من أجل مصالحه وطموحاته وآماله، فهو وطن يستحق كل ذلك، فالبحرين قيادةً وشعباً، بمختلف طوائفه، بلدٌ يعجب به المرء ويحبه ويعمل من أجله. لقد جاء ما عرف بالربيع العربي الذي سرعان ما تحوّل إلى خريف وربما صيف قائظ، وأدى لصراعات ودمار كثير، لأن بعض الشعوب لا تقدّر قيمة النعم التي تعيش فيها، ولا تفهم معاني العمل السياسي، ومن هنا فإنني أتمنى على شعوبنا العربية وحكوماتنا أن تولى تعليم الدراسات السياسية مكانةً أكبر مما هي عليه الآن. فالسياسة في الغرب عكس ما لدينا سواءً بالنسبة للشعوب واحترامهم وتقديرهم لحكامهم، أو بالنسبة للجميع في الإيمان بالوطن وحبّه ومكانته وإعلائه على ما عداه، واحترام دستوره وسلطاته الشرعية، مهما كانت وجهة نظر البعض. فالعمل السياسي يعيش ويعمل في أطر معروفة، ليس من بينها التظاهر المستمر والاعتصامات المستمرة والاعتداء على رجال الأمن وتحديهم أثناء قيامهم بمهامهم. وبالتأكيد ليس من بينها إلقاء المولوتوف علي رجال الأمن أو على مبنى القمر الصناعي في المعادي بالقاهرة وتخريب المنشآت والأموال العامة والخاصة. وللأسف بعض الأجانب يلعبون بمشاعر شعوبنا وننساق وراءهم أحياناً بلا تفكير.

النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان أكثر إيماناً بوطنه مكة المكرمة، وأكثر تفانياً من أجل شعبه من المسلمين الأوائل، ولكن للأسف نحن ابتعدنا كثيراً عن قيم الإسلام ومبادئه السمحة، وعمل بعضنا ومازال يعمل على تشويه صورة ديننا الحنيف الذي أصبح يوصم بالإرهاب، ولعل الصورة على غلاف مجلة «الايكونومست» في عدد 28 سبتمبر/ 4 أكتوبر 2013 تكون جرساً يقدح عقولنا حول الجرائم التي ارتكبناها في حق هذا الدين العظيم، وأسأنا بها لأنفسنا ولشعوبنا ولأمتنا. ولعلني كنت ممن أدركوا ذلك منذ فترة بإصدار كتابي «الإسلام والمسلمون في القرن الحادي والعشرين التحديات والاستجابات» منذ العام 2007 الذي صدر بالقاهرة.

ولقد شعرت بالفرح بفوز حركة الإخوان المسلمين في مصر بالانتخابات، وحزنت لأنها سارت على عكس قيم الإسلام، بل مثل باقي الحكام الطغاة وأصبح الهدف السلطة مغلفة بخداع باسم الدين. إن الحضارة الإسلامية لم ينشرها ويرسي دعائمها رجال الدين، بل رجال السياسة. وأنا ضد الحكم العسكري بوجه عام، ولكنه أخف وطأةً من حكم رجال الدين الذين يعيشون فيما قبل العصور الوسطى، ولا يعبر فكرهم السياسي عن الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله بصلة، ولست من عشاق السياسة ولا أفهم فيها، ولا أحبها، ولكنني أحببت العمل البحثي، والعمل الدبلوماسي والكتابة والتعبير عن الرأي الواضح والمباشر وتقديم النصيحة الصريحة لمن يطلب مني ذلك بلا تردد إذا لزم الأمر.

وعودة للشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة فهو نموذج فريد من وزراء الخارجية في حضور الذهن، وعمق الرؤية، وتقدير من يعملون معه، ولقد لفت نظري في أحد الاجتماعات حرصه على العمل الجماعي المشترك، وحرصه على الاستماع لرأي صغار موظفيه قبل كبارهم، وحرصه على التواضع والحزم عند الضرورة، فهنيئاً لمملكة البحرين بهذا الوزير النبيل الشجاع، وهنيئاً له بالانتماء لهذا الشعب صاحب الحضارة العريقة، بل هنيئاً لكل من يعمل معه. وهذه كلمات صادرة من قلب يعشق قول الحقيقة لوجه الله ويحرص عليها، وقد أشدت بالرئيس المصري المخلوع عندما لمست إنجازاته وانتقدت أخطاءه، وفعلت الشيء نفسه مع الرئيس المصري المعزول بالإشادة به على منصة مؤتمر دولي للمتخصصين في الشئون الصينية في شنغهاي في نوفمبر 2012، وكنت أحد المتحدثين الأربعة الرئيسيين فيه، وعاتبت قادة الصين على عدم زيارتهم لمصر في أول جولة لرئيسها خلافاً للسوابق، وتقديراً للدور التاريخي لمصر التي فتحت الباب أمام الصين في إفريقيا والعالم العربي.

حقاً إن مصر اليوم ليست في أحسن حالاتها، ولكنها سوف تعود مجدّداً بقوة قريباً بإذن الله. مصر العروبة والإسلام (وهذا اسم أحد مؤلفاتي أيضاً) باقية ومتجددة بفضل رعاية شعبها وحكمته، وبفضل جنودها وهم خير أجناد الأرض، وبارك الله في قيادتها الجديدة، وحماها من الانزلاق في مطامع السلطة، كما حدث مع من سبقوها، ووفق الهل الفريق أول عبد الفتاح السيسي ووقاه شر مستشاري السوء الذين يتفننون في صناعة الطغاة، وكما قال الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكما ردّد غيره من العلماء: «البطانة الصالحة» وكما ورد في الأثر خير ما يرزق به الحاكم هو «البطانة الصالحة».

ولا ننسى المقولة المهمة للإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله أمام الرئيس حسني مبارك في إحدى الحفلات الدينية وهي «لا خير فينا إن لم نقل الحقيقة ولا خير فيكم إن لم تسمعوها». ويبدو أن الرئيس مبارك سمع الحقيقة، ولم يعيها، ولم يعمل بها فانتهى إلى السجن مع أسرته وأعوانه وبطانته.

وللأسف فإن قلةً في تاريخنا العربي والإسلامي، الذي عرف الطغيان والاستبداد بأكثر مما عرف الحرية والسماحة ومبادئ الإسلام الحنيف.

إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وإخوانه من قادة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت وغيرهم فهم نبلاء وأصلاء العرب، وحقاً تعرف الأصالة عند الشدائد، ولقد كانت مصر دائماً في مقدمة الصفوف لمساعدة إخوانها من الأشقاء العرب، وهاهم أو معظمهم يردون الجميل بلا تردد، فالعرب هم الأصالة المتجددة والكرم المستمر، ورحم الله حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الكرم. وعلى مصر وقياداتها وشعبها أن يدركوا أن مصر معطاءة وغنية بالمال والخيرات والثروات والأفراد، ولكن ينقصها النظام الرشيد والقدوة الصالحة وإعلاء سيادة القانون وإتقان العمل مثلما أتقن أبناؤها بناء الأهرام، التي ظلت شاهدةً على هذه الحضارة العظيمة.

حمى الله مصر ومملكة البحرين وبلاد العرب جميعاً من كل سوء، وألهم قادتها وشعوبها طريق الصواب بعيداً عن إغراءات السلطة وتحريض المحرضين ومطامع وأصحاب النوايا السيئة والمؤامرات المتجددة حقداً وحسداً، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين الذي يحبط مكرهم ويخيب ظنونهم.

تلك بعض تأملات شخصية وذكريات عقب رحلة عمل إلى نيويورك التي تغيّرت كثيراً في السنوات الأخيرة وتطوّرت، ولكن بريقها العظيم تراجع وإن اتسعت اهتماماتها الدولية في شتى المجالات.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4055 - الأحد 13 أكتوبر 2013م الموافق 08 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:10 ص

      اوباما

      كنا منتظرين تعليقك على خطاب اوباما

    • زائر 1 | 10:38 م

      كلام دبلوماسي بامتياز.....لكن اين الحقيقة فيما قلته!!!!

      هناك مبادئ أساسية لنهضة الشعوب،ومنها على سبيل المثال أن أية أمة لن تكون أمة دون شعبها....فمن دون إرادة شعبها هي مجرد ضيعة يسلب القوي الضعيف من كل ما يصبو اليه المجتمع من ازدهار....فالطغيان والاستبداد كما قلت هو ضد مبادئ الاسلام السمحة.....فمن فينا يفعل ذلك؟..... قبل دخول التتار إلى بغداد كان الخليفة يتسلم التقارير التي يرسلها له الولاة بأن كل شئ على ما يرام.....لكن سطوته سهلت القضاء عليه،فالمديح فعله عكسي.

اقرأ ايضاً