العدد 4061 - السبت 19 أكتوبر 2013م الموافق 14 ذي الحجة 1434هـ

دمقرطة التعليم في البحرين

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

إن أول ما يجب أن نفكّر فيه إذا أردنا تحقيق مشروعنا المجتمعي البحريني المفضي إلى قيام دولة القانون، وإشاعة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، هو تطوير قطاع التعليم، باعتباره النافذة التي نطلُّ من خلالها على عملية الإصلاح الشاملة ومواجهة كافة التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية التي تعيق المسار التنموي في بلادنا.

فجميع الأنظمة التعليمية في الدول الديمقراطية إنما تطورت بسبب المراجعة المستمرة والشاملة لمفردات ومضامين التشريع التربوي لتشمل تفعيل قيم العدالة والحرية والانفتاح على الآخر والشفافية ومكافحة الفساد وما شابه ذلك.

أمس الأول (الجمعة) نشرت الزميلة زينب التاجر في صحيفة «الوسط» تقريراً مهماً عن الاستراتيجية الوطنية للطفولة لمملكة البحرين (2013-2017) والتي تمَّ تدشينها مؤخراً، وأشارت إلى عدد طلبة المرحلة الثانوية المتسربين من الدراسة والذي يصل سنوياً إلى نحو 350 طالباً، وهي نسبة منخفضة، وبأن نسبة معرفة الأطفال والشباب بالقراءة والكتابة تصل إلى 98.8 في المئة وهي الأعلى على مستوى العالم العربي، كما تطرقت إلى الجهود في مجال التعليم والتي تكللت ببلوغ مملكة البحرين المرتبة الأولى على المستوى العربي في تحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بالتعليم للجميع بحسب التقرير الدولي الصادر عام 2006 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). ولا يُعلم إلى متى سنظل ونحن نتحدث عن الإنجازات الكمية وإلزامية التعليم ومجانيَّته وعن تعميم التعليم وبأنه حق وواجب دستوري للمواطنين البحرينيين على قدم المساواة، فكل هذه المسائل لابدَّ أن تكون الأساس لننطلق نحو دمقرطة حقيقية وفعلية للتعليم في البحرين، وذلك لن يتأتى إلا من خلال القبول والاعتراف بجملة من المبادئ الأساسية، من قبيل: تنمية السلوك المدني في احترام منظومة القيم التي تنظّم علاقات الأفراد فيما بينهم، وبين الأفراد ومؤسسات الدولة، وهو ما بات يُعرف حديثاً بـ «المواطنة العالمية» في نظرتها الواسعة لمنظومة القيم الوجدانية وتوحيدها على أساس الاحترام المتبادل بين الشعوب والثقافات المختلفة.

لاشك بأن التوجُّه في الانفتاح على الآخر، وتكريس مبدأ الحوار والتعددية على أساس المواطنة وتبني الممارسة الديمقراطية بعيداً عن التعصُّب أو التَّمذهب، هو ما يجب أن ينظر إليه المشرِّع البحريني بعين الاعتبار عملاً بالمبادئ التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والصكوك الدولية التي صادقت عليها مملكة البحرين، وتخصيص البرامج والحصص التربوية لتعريف الطلبة بتلك الالتزامات والتعهُّدات وعدم الخروج عليها، وكذا تدريبهم على احترامها وتمثُّلها وممارستها في الفضاء المدرسي.

لم نسمع بعدُ عن القيم الديمقراطية الأخرى كالشفافية والنزاهة ودورهما في التأصيل لثقافة مدرسية تعترف بوجود شركاء فاعلين في العملية التربوية والتعليمية غير الجهات الرسمية، وذلك بالسماح لبعض الجهات التمثيلية ذات العلاقة كمجالس أولياء الأمور (مجالس الآباء) ودورهم في عملية مراقبة سلوكيات المتعلمين وضمان احترام حقوقهم داخل المجتمع المدرسي، وكذا إشراك الجمعيات والنقابات التي تدافع عن حقوق المعلمين للنظر في أوضاع الكوادر التعليمية وما يواجهونه من تهميش وإقصاء وضغوطات إدارية قد تتعارض مع مكانتهم واحترامهم وإنسانيتهم في الوسط المدرسي، وكذا السماح لمؤسسات المجتمع المدني المعنية بالحريات وحقوق الإنسان والشفافية للمراقبة على سلامة وسير العملية الانتخابية في المؤسسات التعليمية، وضرورة إخضاع عملية التقويم والامتحانات والإعلان عن البعثات والمنح الدراسية لمزيد من الشفافية والموضوعية والإنصاف ليأخذ كل ذي حق حقه.

وفي الوقت الذي يجب أن تُحترم كرامة المتعلّم والتحذير من سوء معاملته سواءً بالشتم أو الإهانة أو الضرب أو المعاملة القاسية، فإن من أهم قيم الديمقراطية المدرسية هو ضمان حقوق جميع العاملين في المؤسسة التعليمية من إداريين ومعلمين وفنيين ومراسلين وغيرهم، وذلك لن يتحقق بمجرد وضع لائحة الانضباط المدرسي للطلبة، وإنما بوضع مدونة شاملة لقواعد السلوك لكلٍّ من الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور وفق مبادئ حقوق الإنسان.

ويمثّل التعلّم الذاتي وبناء العقل الحر للمتعلِّم واحداً من أهم المبادئ التي تقوم عليها دمقرطة التعليم، فمعلّم اليوم لا يمتلك السلطة المعرفية المطلقة في ظل تسارع وتيرة التحوّلات على الصعيد التكنولوجي، فدوره اليوم أشبه ما يكون بدور الموجِّه والمرشد في إدارة الصف الدراسي وذلك بعد تعرُّفه على متطلبات واحتياجات الطلبة، والاستعانة بالوسائل والاستراتيجيات التعليمية الحديثة التي تسهِّل عملية الحوار والمناقشة وبناء عقليات نقدية تساهم في بناء المجتمع ورفده بالطاقات والكفاءات العلمية.

ويمكن اعتبار حوكمة الإدارات المدرسية لتكون قادرة على تسيير أمورها بنفسها من المبادئ المهمة التي تعزز دمقرطة التعليم، وهنا لابد من التأكيد على اعتماد سياسة اللامركزية في تحديد الموارد البشرية اللازمة والميزانية المخصصة لكل مؤسسة تعليمية على حدة، والمشاركة في صنع القرار فيما يتعلق بإبداء الرأي في الأنشطة والبرامج المدرسية وتوزيع مهام المعلمين ومواقيت الدراسة والتقييم المستمر للأداء التربوي والتجهيزات المادية ومراقبة أعمال الصيانة وغير ذلك، وإشراك المتعلمين أيضاً من خلال مجالس الطلبة للوقوف على احتياجاتهم الفعلية.

تبقى دمقرطة التعليم واحدة من أهم الموضوعات التي من المفترض أن تشغل بال السياسيين والتربويين والباحثين والمثقفين، لما تمثله هذه القضية من أهمية بالغة بين ما يجري من ممارسات على الساحة التربوية المحلية من جهة، وما هو معمول به على مستوى التجارب والممارسات العالمية التي نصرف الملايين للاستفادة منها والأخذ بها من جهة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 4061 - السبت 19 أكتوبر 2013م الموافق 14 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:49 م

      شكرا..

      شكرا على هذا المقال المتميز بطرحه وشرح نظرياته التي بكل حق تلمس الواقع
      اتمنى ان تحصل هذه النظريات على قواعد تؤسس له طريق الخروج ليظهر بشكله الخارجي .

    • زائر 2 | 10:02 ص

      اي ديمقراطية في التعليم؟!!!

      والوزارة ...

اقرأ ايضاً