العدد 4073 - الخميس 31 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي الحجة 1434هـ

نحن والأمم المتحدة... استقصاء أم إقصاء؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

بعد قراءتي لمقال الزميل سليم مصطفى بودبوس بعنوان «استقصاء عالمي» المنشور في صفحة الرأي بصحيفة «الوسط» الثلثاء 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بشان مبادرة الأمم المتحدة باستقصاء رأي الجمهور لأهداف الألفية الثالثة لما بعد 2015، تساءلت هل يتحدث زميلنا العزيز عن مملكة البحرين وأنا ابنها ولا أعرفها، أم يتحدث عن مملكة البحرين الافتراضية.

فقد جاء في مقاله أنه «تأكد له يوم 24 أكتوبر أن اختياراتي مع غيري من مواطني العالم سيكون لها شأن، نعم اليوم ذات خميس 24 أكتوبر 2013 بمناسبة الاحتفال العالمي بيوم الأمم المتحدة، وهنا في مملكة البحرين أرض الحوار حيث التعاون وجسور التواصل لا حدود لها بين مكتب الأمم المتحدة من جهة وحكومة مملكة البحرين والمجتمع المدني من جهة أخرى حدث هذا في أحد فنادق الخمس نجوم».

الحقيقة هي أن مشروع الأمم المتحدة لاستقصاء آراء الجمهور في أهداف التنمية لما بعد 2015، هو مشروع جيد ولكن لا فضل لمكاتب الأمم المتحدة في البحرين فيه، فهو مطلق من قبل مقر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في نيويورك، ومتاح على موقع البرنامج الإلكتروني. وكان يتوجب على مكتبي الأمم المتحدة الإعلامي والإنمائي القيام بحملة توعية للجمهور في البحرين مواطنين ومقيمين، لهذا المشروع والمشاركة فيه بنشاط، وبالطبع فإن الوصول إلى الجمهور لا يمكن أن يتم بشكل فعال إلا من خلال منظمات المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات التعليمية بشكل خاص من جامعات ومدارس ومعاهد. لكن كل ذلك لم يحدث مطلقا. فلم نسمع إقامة ندوات توعوية، أو حملات تستهدف الفئات الأكثر حماسا لمثل هذه المبادرات. الحقيقة أنني تمعنت النظر في صورة المجتمعين ذلك اليوم المشهود، فلم أر أيا من ممثلي المجتمع المدني المستقلين، لأنهم بكل بساطة لم يدعوا أصلاً.

وعلى خلاف ما يعتقد الزميل بودبوس، والأحكام المطلقة التي ساقها في أن التواصل لا حدود له بين مكتب الأمم المتحدة والمجتمع المدني، فأقول هناك تواصل مع بعض القليل من منظمات المجتمع المدني، أما العلاقة مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الإنسان وحتى تلك النسائية والشبابية، فهي مقطوعة تماما طوال الثلاث سنوات الماضية. وبالنسبة لتجربة الجمعية البحرينية للشفافية التي أعرفها جيدا كوني رئيسا لها طوال 3 سنوات، فإن المشروع الوحيد الذي نفذناه مع مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هو في الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2010. فيما المشاريع التي اقترحناها ظلت في الأدراج العميقة للبرنامج. وأنا هنا أشكر الصديق نجيب فريجي الذي كسر هذا الحاجز وشارك في احتفالنا باليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر 2013 وإطلاق تقارير الشفافية الدولية الراصد الاجتماعي ثم شارك في الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي نظمته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 2013، فيما استنكف مسئولو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن مجرد الحضور.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين منذ تأسيسه، هو ضمن صيغة البلدان المانحة، أي أن موازنته تأتي من الحكومة ولذلك تتحكم الحكومة في المشاريع التي ينفذها، والشركاء من المجتمع المدني الذي يريد التعاون معهم، وللحكومة من خلال وزارتي الخارجية والتنمية الفيتو في ذلك. من هنا فإننا إذا راجعنا المشاريع المنفذة بتمويل أو تعاون من البرنامج فهي اما جهات حكومية مثل المجلس الأعلى للمرأة ومعهد التنمية السياسية وإما بعض الجمعيات الخدماتية. وصرنا نترحم على ممثلي الأمم المتحدة السابقين للبرنامج في البحرين لأنهم على الأقل تجرأوا وشاركونا في مشاريع متواضعة، أما الآن فلا شيء تماماً.

ونأتي إلى مشروع المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في الفترة ما بين 2008 حتى 2012، حيث تشكلت «لجنة تسيير» للإشراف على البرامج المرتبطة بهذا المشروع، من حيث بناء القدرات، والتقييم، والتطوير، والتي شارك فيها البرنامج بما مقداره 1.5 مليون دولار على ما أعتقد، حيث أنيطت رئاسة لجنة التسيير بوزارة الخارجية (ممثلة حينها بوزير الدولة نزار البحارنة) والبرنامج من خلال ممثله سيد آغا، وكانت المنظمات الأهلية، الغونغو، والمستقلة (الشفافية والحقوق، واتحاد العمال واتحاد النساء) أعضاء في لجنة التسيير بقرار من سمو رئيس الوزراء. وعلى امتداد السنتين الأوليين حاولت المنظمات الأهلية بكل إخلاص التعاون مع الحكومة والبرنامج لتنفيذ المشروع، ولكن ووجهت بالتهميش الرسمي حتى جرى استبعادها نهائيا بعد أحداث 14 فبراير/ شباط 2011، في حين لم يحرك برنامج الأمم المتحدة ساكنا، بحيث اضطرت المديرة التنفيذية للبرنامج، المنتدبة من الأمم المتحدة في جنيف جورجينا بيلوني، إلى الاستقالة، حتى لا تشارك في هذا التواطؤ.

إن احتفالات فنادق الخمس نجوم، والتلميع في وسائط الإعلام، لا يحجب الحقيقة وهو أن مكاتب الأمم المتحدة في البحرين وفي مقدمتها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لم يرتقوا إلى توجهات الأمم المتحدة واستراتيجيتها المعاصرة، في أن تكون شريكا لمنظمات المجتمع المدني الحقيقية على الأرض في تنفيذ برامجها، فما يجري هو تعاون مع جهات حكومية ومن خلال أجندات حكومية لا تعكس مصالح وطموحات شعب البحرين. ونقارن ذلك بالموقف الشجاع والمبديئ لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي وضعت مبادئ الأمم المتحدة الأخلاقية معيارا في تعاملها مع حكومة البحرين، وكذلك إلى حد ما منظمة العمل الدولية، التي انتصرت لقضية العمال البحرينيين المفصولين تعسفيا.

بالطبع فإن أفضل صيغة للمنظمات في الأمم المتحدة، هي صيغة منظمة العمل الدولية حيث تتمثل الأطراف الثلاثة «الحكومة وممثلو العمال والأعمال» في المنظمة، ولا يجري تنفيذ مشروع في بلد ما أو اتخاذ قرار ما إلا بتوافق الأطراف الثلاثة. أما فيما يخص مؤسسات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فهناك تقدم في دور منظمات حقوق الإنسان لكن لم يصل بعد إلى مستوى منظمة العمل الدولية، في حين أن دورها في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قاصر، ويعتمد كثيرا على تفويض المكتب في بلد ما وشخصية الممثل الدائم ولسوء حظنا في البحرين فقد نكبنا بممثلين همهم ممالأة الحكومة.

في النهاية أقول لا يصح إلا الصحيح، وبسبب استراتيجية حكومة البحرين في تهميش المجتمع المدني الحقيقي، وتهميش الشعب ككل، وعلى رغم دور الأمم المتحدة ووكالاتها ومؤسساتها، على امتداد عقود، في البحرين فإن موقعها في التنمية الحقيقة المستدامة، والشفافية، وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وحقوق العمال والشباب والفئات الضعيفة، يتخلف ولا يتقدم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4073 - الخميس 31 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:14 ص

      حمله على الفساد الأمريكي وأخرى على الأجنبي!

      قد لا يقال مشاكل الفساد في العالم وبالتحديد في البحرين ليس أمريكي الصنع لكن مرفوع عنهم القلم – يعني عندهم حصانه. بينما لا يجوز أن يتواجد الأمريكي أو الأوربي في البحرين بدون إذن أهلها؟ فقد قالوا أنهم طرقوا الباب لكن ليس الباب الصحيح. اليس كذلك؟

    • زائر 8 | 4:08 ص

      هنا في البحرين لما لا يحاسب الأجانب على جرائمهم ضد الشعب؟

      إستعلاء أمريكا أو سوء أدب لعدم محاسبة قاده الأسطول الخامس؟. فكما في أمريكا قانون في البحرين كذلك بينما إعفاء ضريبي لما فعله الاسطول الخامس في البحرين ليش؟. قال ويش جحا يعني يتهربون من الضرائب كما يتجسسون ومخابراتهم في البحرين أو ما تسمى بالإستخبارات المركزيه هل لها وظيفه أو تواجدها لمصالحا كما تدعي؟

    • زائر 6 | 3:32 ص

      يكفي ان تنضر الى من يجتمع في داخل منضمة الامم هل هم يمثلون الامم ام فيهم من ع..استولت على مقدرات الشعوب .تمعن في ممثي الدول المتقدمة ممن يمثل الحكومات المنتخبه وهم يعتبرون انفسهم متقدمين في الانسانيه كيف ان انسانيتهم لم تمنعهم من الجلوس مع ممثلي ا.. التي استولت على قرار شعوبهم هذا ما يسمى بي الامم المتحدة

    • زائر 5 | 3:15 ص

      سلمت يداك ايها الكاتب والله لا ندري ولا نعرف عن ماذا تتكلم

      بالطبع امور مثل هذه يحاولون ان يجهلوا الناس بها ويبعدوا الشعب عن انشطها وعن ما يدور في الاروقة لانهم لا يريدون للشعب ان يكون على اضطلاع حتى لا يساهم برأيه الذي يريدون كتبته وحسب ما يبدوا انهم وجدوا ..يساعدهم على ذلك من موظفي المنظمة العالمية لماذا علم الاسباب عند الله

    • زائر 3 | 2:16 ص

      وما ينبؤك مثل خبير

      الكاتب معلم ومدرب حقوق الإنسان الذي افنى عمرة في حقوق الإنسان و قد لا يكون في البحرين من يملك خبرته الطويلة والعميقة في حقوق الإنسان وهو بحق أحد آهم خبراء حقوق الإنسان في ليس في البحرين بل في كل المنطقة الخليجية ومن هنا تبرز أهمية تقييمه لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين وتقيمة لحقيقة دور العاملين في هذا البرنامج.
      واقترح علي الكاتب الفاضل آن يكتب تقريرا تفصيليا ويشاركة نشطاء حقوق الإنسان المخلصين يرفع الى مكتب الآمين العام للأمم المتحدة عن كل هذه الملاحظات

    • زائر 2 | 1:14 ص

      كلام في الصميم

      حتى التوظيف في مكاتب الامم المتحدة يتم عن طريق الحكومة، وأقرب مثال هو مكتب اليونيدو، اولاد البطة السوداء المتفوقين لم يتم توظيفهم بل التوظيف على أساس الموالاة.. اعتقد ان الموضوع شائك، أدعو المواطنين الأعزاء الى الكتابة لموقع الامم المتحدة لتبيان الوضع. الكاتب عرض الموضوع والباقي علينا ..

    • زائر 1 | 11:12 م

      شاهد شاف حاجة

      قد وجدت من المشاركين:
      1) بعض من طلبة مدرستين خاصتين مع بعض أولياء الأمور.
      2) وزراء وسفراء وممثلين عن الدول الخليحية والعربية والأجنبية.
      3) العاملين في بيت الأمم المتحدة في البحرين؟
      ...... لم أشاهد أحداً من قياديي المجتمع المدني الا الموالين ......
      بما رأيت وسمعت، خرجت من الحفل مقتنعاً بأن ما يقال حول الأمم المتحدة صحيح، هي تمثل الحكومات وليس الشعوب..... حتى أنصف .... مع القليل القليل من أجل الشعوب وذلك لذر الرماد في العيون.

اقرأ ايضاً