العدد 4077 - الإثنين 04 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ

ماذا يريد منا الحسين (ع)؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تُرى هل هناك فرق بين عاشوراء الإمام الحسين (ع)، وعاشوراء آخر كما يقول البعض؟ حقيقةً لا يجب التغاضي عن مثل هذا التقسيم، المقصود لغايةٍ ما، بل يجب الوقوف عنده ومناقشته على الأقل قبل رفضه أو قبوله، والنظر في الأسباب التي أدت إلي القول به.

فكل مسلم على وجه الأرض، من المفترض أنه يعلم، بأن شمس العاشر من محرم لعام 61 هـ لم تدنو من الأفق الأحمر إلا وهناك دم طاهر لحفيد الرسول (ص) وأهل بيته، قد سُفك على جزء من أرض العراق، المسماة «كربلاء». ولا نريد أن نقوم بعملية جلد عشوائية لهذا الجسد، ولكنها دعوة عشق حسيني وضمن عاشوراء اليوم؛ يأتي هذا السؤال: ماذا يريد منا الإمام الحسين (ع)؟ لنعيد ثورته العالمية لكل الناس، ولنعيد المبدأ، والهدف الأسمى، والأصل لتلك الثورة، الذي تغيّر بمرور الزمان من خلال عاشوراء.

الإمام الحسين لا يريد منا أن نحرق الزمن والمناقشات والجهد الكبير في معرفة عدد الشهداء الذين سقطوا معه على أرض كربلاء، هل هم 73 أم 200 شهيد، رغم مشروعية التحقّق، إنما نريد البحث عن قراءة كل مشهد كربلاء عن قرب، وتقنين هذه القراءة. وعن السر الخفي والظاهر حول تضحية الحسين بكل ما يملك في هذه الدنيا، ولو أن ما يملك كله فانٍ.

الحسين لا يريد منا أن نحتد في النقاش حول من حضر معه واقعة «الطف» من نساء بيته ومن لم تحضر، وهل كل بناته كن معه أم لا؟ إنّما يريد البحث في كيف قُتل الإمام السبط، ولماذا تم التمثيل بجسده الشريف، ولماذا الإصرار على تحطيم أضلاعه بحوافر الخيل وسط أرض المعركة على يد أناس كانوا يقولون بأنهم ينتمون لدين جده (ص)، ومن ثم حرق الخيام وسبي بنات الرسالة وسوقهن مع الأطفال أُسارى فوق جِمال هُزّل لمدة شهر تقريباً عبر مساحة جغرافية كبيرة جداً بين العراق والشام؟

الحسين لا يريد منا أن نغرق في بحر فتنة مصطنعة عناوينها التطبير، أو التجسيد التمثيلي، أو المشي على الجمر، وغيرها. إنما الاستغراق في فتح أبواب النقاش والبحث حول «المنهجية» و«الهمجية» في الحراك الحسيني، المنهجية التي ميّزت النهضة الحسينية، والهمجية التي عنونت المعسكر الآخر منذ أعلن الإمام تحركه ومبادئه وهو في أرض الحجاز. بمعنى، فهم تلك المنهجية السلمية واتخاذها نبراساً في الحياة، وسبيلاً لنيل الحقوق. في مقابل، تجنب الهمجية في كل مناحي سلوكنا، وحياتنا، وممارساتنا اليومية مع الأقرب والأبعد، والصديق قبل العدو، وفي ممارسة وإحياء مراسم عاشوراء الحسين. والأهم، الدراسة الموسعة حول سبب بقاء هذه الثورة ومبادئها طوال 1374 عاماً حتى اليوم؟

يريد منا الحسين أن نتخذه أسوةً، كما قال، ولكن كيف؟ أسوة في مواجهة الانحراف، بجانب الحزن والبكاء، ولكن ليس بعيداً عن أهداف ومبادئ الثورة التي نحجمها ونُغيبها، بدون وعي، عن ذاكرة التراث الإنساني.

بصراحة مطلقة، هل يريد منك الإمام أن تقف أمام مفردات مثل المصيبة، العزاء، البلاء، الحزن، إدماء الأجساد حزناً، كما تفعل بعض الفرق الدينية المسيحية؛ أم يريد منك أن تقف مستوعباً لمفردات: التحرر، الثورة والنهضة، النضال، الحراك السلمي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإصلاح، والعدالة الاجتماعية والسياسية.

لا يريد منا الإمام الحسين (ع) أن نعيد في كل عام خرافات، وروايات مشوّشة تضعف أهداف الثورة الأصل ومبادئها. وكما قال أحد الباحثين في النهضة الحسينية، أن الحسين ظُلم على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له ولأهل بيته، حوارات ومواقف وهمية ملْؤها الانكسار لاستدرار الدمع، فصوروه - وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه- وهو يلتمسُ الماء بكل ذُلٍ ومهانة من أعدائه، كما صوّروا زينب -الطود الشامخ - التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها - على أنها امرأة جزعة بكّاءة، تثبّط هِمة أخيها في الحرب. بينما هي التي قالت عندما سألها الطاغية عن ما حصل لأخيها في كربلاء، فقالت بشموخ وعزة: «ما رأيت إلا جميلاً».

فهل يريد منا الإمام (ع) أن نغض الطرف عما يُذكر على هذه المنابر من افتراءات وتشويه للنهضة الحسينية المباركة مع علمنا بذلك؟ أم مناقشة وبحث كل ما يقال بالعقل على ضوء أهداف الثورة الحسينية وشخصية الحسين وعقيدته في الحياة؟

هل يريد الإمام الحسين (ع) من الخطيب الحسيني، أن يحوّل مجلسه إلى كربلاء ثانية بأي ثمن كان، حتى يكسب جمهوره البكّاء فقط، أم يحوّل هذا الجمهور ويرشده للبحث في فكر وثقافة وقيم وحقيقة كربلاء بعيداً عن الأساطير والمبالغات؟ وهل المطلوب منه أن يخاطب الوجدان فقط أم العقل فقط، أم الاثنين معاً؟

هل يريد منا الحسين أن نبكي فقط نهاية ثورته بفناء جسده، أم نتأمل كُنه ثورته، المستمرة في حياة البشر من حولنا حتى اليوم؟ وأن ننظر إلى كيفية تغلغل هذه الثورة ومبادئها في تغيير سلوكنا اليومي، وفكرنا النهضوى المعرفي الأممي. ونستقي منها التقوى، بمفهومها الواسع، فيما نقول ونفعل ونمارس علناً وخفية. أم أن الدمعة الساكبة قد أنستنا كل هذا الكم الهائل من مبادئ العقيدة والمعرفة الرسالية، حتى صار البعض يعتقد، أنه بمجرد البكاء على الحسين في عشرة محرم، من كل عام، يضمن له ذلك غفران ذنوبه، والصفح عن كل جناياته التي يرتكبها في حق نفسه، وأسرته، وصحبه، ومجتمعه، ووطنه، وخصوصاً وقوفه مع الظلم وأهله ضد الحق وأهله.

وأخيراً، هل يريد منا الإمام الحسين (ع) في عاشوراء؛ أن نجعل من فاجعة كربلاء وذكرى استشهاده، احتفالاً بتوزيع المأكولات والحلويات والعصائر، حتى بين فرق العزاء وهي في غمرة سيرها، وإلى وقت متأخر من الليل تحت مسمى براق «مضايف الحسين»؛ ثم ننتقد من يحتفل بيوم عاشوراء ويوزع الحلوى في أماكن أخرى من العالم؟

فهل نجرؤ أن نكاشف أنفسنا ونستمع، في هذا الوقت، لما يقوله علماؤنا ومفكّرونا، في إجابة شافية على السؤال المستمر كل عام: ماذا يريد منا الحسين؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4077 - الإثنين 04 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:28 ص

      صلى الله عليك يا ابا عبد الله

      احسنت استاذ محمد ،، و رحم الله والديك ،،

    • زائر 12 | 3:24 م

      كلمة حق بمناسبة عاشوراء

      مقال ينير الفكر ويبتعد عن التعصب الاعمى ، نعم أن استشهاد سيدنا الحسين هو المنارة التي تشع نور وطريق الحرية ، أن عاشوراء يتجدد فيه التلاحم الانساني والترابط بجميع اشكاله بين الشعوب ، لقد كتب الحسين سيرة الفداء والإيثار بعيداً عن المصلحة الشخصية وطمع السلطه في مناصب زائلة !

    • زائر 10 | 10:18 ص

      الحق

      ان الحسين ليس ثوره او ثأر او بكاء ونواح او اكل وعزايم .. الحسين خريج مدرسة جده الرسول الكريم .. خلق وأدب وحلم ودين وعقيده صحيحه .. فهل ما نشاهده ونمارسه من تعاليم الحسين وعقيدته ام هو من عند من اوقعنا فيما اوقع الأولون من اتباع الرسل حتى أضلوا عن طريق السراط

    • زائر 7 | 1:48 ص

      الحسين الخالد

      خلود الحسين (ع) حتمي ولكن بقي علينا ان ننهل من مبادئه وقيمه بالعظة والعبرة وليس بالخرافات وشج الرؤوس. اصبح الحسين الرمز الخالد بعد جده المصطفى (ص) الذي يوحد ليس المسلمين فقط بل كل الانسانية وليس غريبا ان يعشق الحسين المسيحيون والبوذويون والهندوسيون والعلمانيون والملحدون علاوة على المسلمين السنة والشيعة. شكرا لمقالك الرائع استاذ محمد.

    • زائر 5 | 12:54 ص

      بنت ال البيت و الصحابه

      كلام جميل جدا و معبر ... ذكرى استشهاد الحسين ذكرى مؤلمه
      منذ الصغر رسخت ف بالنا مواقفه
      الحسين يريد منا الالفه و التراحم من بيننا
      سنة شيعه الحسين يريد منا عدم هدم النهضه والسعي الى كل شي من اجل الاصلاح بالطريقه الصحيحه
      انا وايد استانس لما نتبادل كلمة مأجوريين بين بعضنا البعض احس بعمق العلاقه من الطائفتيين
      الدعاء ثم الدعاء

    • زائر 4 | 12:47 ص

      تلاحم و تراحم

      انا بعد ما اايد الضرب بالسيوف و الصناقل .... ا ما المنابر نبي تتكلمون عن مواقف الحسين مانبي فتن و القيل و القال والابتعاد عن المناكر
      شهر تراحم و تلاحم كلنا سنة و شيعه نقف وقفة واحده

    • زائر 3 | 11:32 م

      الحسين شعلة الاحرار

      الحسين ضحى بفسة وباهل بينة للاصلاح في امتة لا للعويل ولابشق الرؤس ولطم بل اهدافة ارقع واسمى من هذة الخزعبلات

    • زائر 2 | 11:30 م

      السلام على ابا الاحرار ....

      السلام عليك يا ابا عبدالله ... كنت مثالا للتضحية والوقوف في وجه الظلم وضحيته بروحك وعيالك في سبيل اعلا كلمة الحق والحريه لبيك يا حسين ونحن سائروا عل منهجك ....

    • زائر 1 | 10:37 م

      اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد

      وايضا الحسين لايريد منا ان نضرب انفسنا بسيوف يوم عاشوراء بحجة اننا نحبه

اقرأ ايضاً