العدد 4101 - الخميس 28 نوفمبر 2013م الموافق 24 محرم 1435هـ

الشجرة الاخطبوط

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

عندما انتقلنا للعيش في بيتنا، عشنا التاريخ الذي حفرت في زواياه ذكريات صباي. كنت قلقاً ومتشائماً من قطيع شجر «الداماس» المحيط بمنزلنا، الشجرة الدخيلة على بيئتنا، وتشاؤمنا لم يأتي من فراغ، فبحكم إدارتي لسنوات طويلة مناشط التوعية والتثقيف البيئي في الشارقة، كنت مطلعاً على طبيعة الشجرة وبعد أضرارها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وكانت محط حوار مع المختصين في قضايا التخطيط الحضري والزراعي والمياه. وكان محور حوارنا البحث عن الطرق العملية لتوعية المجتمع بالأضرار التي تسببها الشجرة.

قبل عدة سنوات، شهدت جهود مجموعة من الناشطين من المجتمع المحلي في بلدتنا باربار، وهم يعملون بجهد في زراعة الشجرة. وقفت صامتاً أتأمل تفاعل القائمين على ذلك النشاط واعتبرت ذلك جهداً طيباً أن يبادر أبناء بلدتنا في الاهتمام بقضايا التشجير وتوسيع الرقعة الخضراء، بيد أن ذلك الجهد على الرغم من انه ظاهرة ايجابية مفرحة، ينبغي الإشادة بها وتعزيز حضورها في سلوك وممارسات المجتمع المحلي، إلا أنه جهد ينقصه الوعي لما يمكن أن تسببه الشجرة من أضرار مادية، وذلك ما دفعنا للدعوة إلى عدم زراعتها.

مضى على انتقالنا للعيش في منزلنا فترة تقل على الشهرين وكانت الهدية التي تلقيناها من الشجرة فيضان في حمامات السباحة في المنزل، وعندما بحثنا عن السبب بطل العجب. وجدنا جذورها داخلة في تمديدات المجاري ومتكونة على شكل اسطواني تمنع تدفق المياه بشكل طبيعي، ذلك الحادث مقدمة لحوادث أعظم، وأكثر ضرراً وخطراً على منزلنا والمنازل المجاورة. ومن الطبيعي أن يطال الخطر حياة السكان إذا ما تسببت لا سمح الله في انهيار أحد المنازل المجاورة لتلك الشجرة.

شجرة الداماس من الأشجار دائمة الخضرة، وتميل جذورها إلى النمو الأفقي الكثيف، ولا تتعمق كثيراً في نموها الوتدي، ويتسبب ذلك في اختراق أنابيب المياه العذبة، ومواسير الصرف الصحي، والكابلات الكهربائية والهاتفية، واختراق الصخور والخراسانات المسلحة، بحثاً عن المياه، كما التساقط المستمر لأوراقها وإثمارها بشكل كبير طيلة أيام السنة، يتسبب في تراكم الأوساخ في الشوارع وعلى الأرصفة وعلى التربة.

الخضرة الدائمة للشجرة وسرعة نموها عنصر إغراء لقطاع كبير من المجتمع المحلي للإقدام على زراعتها بسبب انعدام الوعي لما يمكن أن تسبّبه من أضرار، وصارت ظاهرة بارزة في شوارعنا ومناطقنا السكنية، وتراجع الاهتمام «بالنخلة» الثروة التاريخية والوطنية والأشجار التقليدية التي عرفتها بلادنا، التي كانت البحرين بفعلها واحة خضراء تغنى بها الشعراء وكانت محط اهتمام الكتاب والأدباء.

الأضرار التي تركتها شجرة الداماس على منازل عدد كبير من المجتمع المحلي حركت سواكن الوعي المجتمعي للتخلص منها وإزالتها من جذورها، وتباينت الآراء والمواقف في شأن ما ينبغي اتخاذه من إجراء، فمنهم من يرى أن وجودها مصدر خطر ومنهم من يرى أنها مفيدة بيئياً، ونحن واقفون أمام الشجرة العملاقة بجوار بيتنا، أخذ عدد من أبناء بلدتنا كلٌّ يروي لنا حكاية عمّا سببته من أضرار.

جارنا الملاصق بيتهم لبيتنا، حدثنا عن الخسارة المادية التي ألحقتها الشجرة بمنزل أخته الذي اشترته من أحد المواطنين، وكانت كلما ترمم بلاط المنزل يتشقق من جديد بفعل جذور الشجرة حتى اكتشف السبب وجرى إزالتها. آخرون عبروا عن قلقهم من وجود الشجرة وملاحظة وجود تشققات في جدران منازلهم، وذلك السبب الفعلي الذي دفع ابن عمي للعمل على إزالة هذا النوع من الشجر المحيطة بمنزلهم.

البعض يطرح تساؤلاً: ما البديل في حالة إزالة هذه الشجرة؟ دولة الإمارات العربية المتحدة شهدت أيضاً انتشاراً كثيفاً لهذا الفصيل من الشجر، ونتيجة تصاعد وتيرة أضرارها أوصى المجلس التنسيقي لشئون البلديات بأن تقوم وزارة البيئة والمياه بإصدار قرار يمنع استيراد وإنتاج أشجار الدماس والتدقيق على التزام المشاتل بعدم بيع إنتاجها والعمل على تنظيم برنامج لتوعية وتثقيف أفراد المجتمع بأضرار زراعتها وتشجيع التخلص منها واستبدالها بنباتات البيئة المحلية مثل الغاف والسدر والسمر وغيرها من النباتات ذات الخصائص الفسيولوجية التي تمكنها من تحمل الظروف المناخية القاسية.

الوعي الاجتماعي بأهمية نباتات البيئة المحلية وتعزيز قيمتها التاريخية والبيئية في ثقافة المجتمع منهجٌ مهمٌ لترسيخ القناعة بزراعتها، من خلال علاقتي الوطيدة بالمجتمع المحلي في المناطق البرية في دولة الإمارات. ويحضرني في هذا الشأن موقف لا يغيب عن ذاكرتي عندما كنت أشرف في مارس/ آذار 2000 على إدارة قافلة التوعية البيئية ضمن حملة التوعية البيئية الأولى لمرتادي المناطق البرية في الشارقة، حيث استوقفني أحد الطلبة في مدرسة المدام في المنطقة الوسطى بالشارقة وعمره لا يزيد على 12 عاماً، وقال «شجرة الغاف» أفضل من عمارة في الشارقة. فسألته عن دوافع رأيه وأجابني بأن «شجرة الغاف» تؤوي الإنسان والحيوان إذا ضل طريقه في البر، وأنها مصدر معيشة وحياة الآباء والأجداد.

نحن في حاجة إلى ثقافة ووعي وموقف لنعيد النخلة إلى سابق عهدها، وبيئتنا إلى جمالها، وينبغي على الجهات المختصة والمعنية أن تبادر في اتخاذ موقفها. من جانبنا قمنا بواجبنا وأكّدنا مسئوليتنا وخاطبنا جهة الاختصاص بذلك ونحن في انتظار الرد لإزالة مصدر القلق.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4101 - الخميس 28 نوفمبر 2013م الموافق 24 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:03 ص

      شكرا للتوضيح

      كل الشكر للاخ الدكتور شبر على هذا التوضيح، لقد افتقدنا كثيرا توجيهاته وتحليلاته في الشارقة للشأن البيئي.

اقرأ ايضاً