العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ

لماذا دبي؟

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

في العام 2006 شنت مجموعة من المؤسسات الإعلامية الغربية هجوماً على القطاع الخاص بدبي متهمة إياه بانتهاك حقوق العمال، فسارعت الحكومة إلى تشكيل لجنةٍ لتقصي الحقائق ومعالجة الأوضاع.

كنتُ حينها موظفاً في المجلس التنفيذي في الإمارة، وتم انتدابي للعمل في تلك اللجنة. زرنا عدداً من مجمعات سكن العمالة الآسيوية واستمعنا إلى شكاواهم، ثم اجتمعنا برؤساء شركاتهم لنكتشف وجود تجاوزات بسيطة في زيادة ساعات العمل وتأخر دفع الأجور؛ فأصدر المجلس قرارات تنظيمية لحفظ حقوق العمال وضمان التزام شركاتهم بتوفير حياة كريمة لهم، وأُلزِمَت الشركات بوضع ضمانات مالية في حساب وزارة العمل بقيمة رواتب موظفيها، لتستخدمها الحكومة في حال تأخرت الشركات عن دفع الرواتب. وأصدر المجلس قراراتٍ أخرى بتحديد ساعات العمل وأوقات راحة العمال وتوفير بيئة آمنة وصحية لهم.

تجاوزنا تلك الأزمة في أشهر قليلة، وأثبتت الحكومة قدرتها على التعامل مع الأزمات بحرفية وجدية، عزّزت استقرار اقتصاد المدينة. لم تكن تلك هي الأزمة الوحيدة التي مرت علينا، بل حبانا الله ببعض منها في العقد الماضي، ويُحب الشيخ محمد بن راشد أن يسميها «تحديات... لا أزمات، لأنها تدفعنا للعمل أكثر».

يتساءل أصدقائي من الدول العربية عن أسباب نجاح دبي، فأقول لهم: بسبب المنظومة الإدارية والكفاءات البشرية. ادخل مطار دولة عربية ما، وعندما تتجاوز موظف الجوازات ستضطر للوقوف عند موظف آخر، خلفه مباشرة، ليتأكد بأن جوازك قد خُتم. اخرج من المطار وستجد عشرات من الناس، أصحاب سيارات خاصة، يعرضون توصيلك. ترفض وتتجه إلى موقف سيارات الأجرة، وعندما تنظر إلى داخل إحداها لا تجد عداداً لتكلفة الرحلة! تركب مع السائق على مضض، فينطلق دون أن يضع حزام الأمان. يتجاوز السرعة المحدّدة واضعاً هاتفه على أذنه، وينزلق بين السيارات وكأنه في حلبة سباق، وبينما هو كذلك، تنحشر سيارة بينه وبين الرصيف، قاطعة الخط الأصفر الذي من المفترض ألا يستخدم إلا في حالات الطوارئ!

السؤال هو: لماذا لا نرى هذا في دبي؟ لماذا لا توجد حواجز زجاجية سميكة بين الزائر وبين موظف الجوازات؟ لماذا لا يلبس موظف الجوازات بذلةً عسكرية؟ لماذا لا تضطر للوقوف عند موظف آخر بعد ختم جوازك؟ لماذا لا يُسمح إلا لسيارات الأجرة المرخصة من هيئة الطرق والمواصلات بحمل الرُكاب؟ لماذا يلتزم السائقون بالسرعة المحددة؟ ولماذا يربط الجميع حزام الأمان؟ السبب هو أن في دبي منظومة إدارية ناجحة، استطاعت الحكومة تحقيقها بشيئين: الأول، من خلال إعادة هيكلة العمليات الإدارية (system process re-engineering) بشكل مستمر، حيث تعكف كل المؤسسات الحكومية على قياس فعالية عملياتها من خلال مؤشرات الأداء (KPI»s)، وفي حال وجدت تقصيراً في تقديم خدمة أو خللاً ما؛ تقوم فِرق التطوير الاستراتيجي، المتواجدة في كل المؤسسات الحكومية، بإعادة تقييم الوسائل التي تُقدم بها تلك الخدمات، ومن ثم تطورها أو تعيد هيكلتها، ما يخلق زخماً عاماً في القطاع الحكومي مليئاً بالشغف للتجديد والتطوير.

فعندما تكتشف إدارة الطرق، على سبيل المثال، أن دواراً ما يزدحم ساعات الذروة تقوم بإزالته فوراً والاستعاضة عنه بإشارات ضوئية. وعندما تلاحظ دائرة المحاكم أن الناس مشغولون ولا وقت لديهم لزيارة الكاتب العدل، تقوم بإطلاق خدمة إلكترونية لتصديق الوثائق على الإنترنت دون الحاجة لزيارة مبنى الدائرة. كل هذا لأن هناك من يعكف ليل نهار على مراجعة العمليات الإدارية ويعيد هندستها لتتلاءم مع احتياجات الناس المتغيرة كل يوم.

العنصر الثاني في منظومة دبي الإدارية هو كوادرها البشرية، فلقد أطلقت الحكومة عدة برامج للقيادات الوطنية الشابة، اختارت لها مئات الشباب والفتيات ليتم تدريبهم خلال سنتين على مختلف المهارات الإدارية والاستراتيجية والقيادية، والنتيجة كانت شريحة من القادة الميدانيين والإداريين المستوعبين لآليات الإدارة الحديثة، والمطلعين على تجارب الشركات العالمية الناجحة، والشغوفين بتطوير بلدهم لأنهم مُنحوا الفرصة للتعلم في أفضل الجامعات، ثم فرصة أخرى ليطبقوا ما تعلموه على أرض الواقع.

التقيتُ قبل مدة بزميلة عربية غادرت للعمل في إحدى الدول الخليجية، وكانت تحكي لي عن مدى افتقادها للحياة في الإمارات، وعندما سألتها عن الفرق بين حياتها الآن وحياتها عندما كانت هنا، فاجأتني بمقارنة غريبة. قالت إن الجيل الشاب في البلد الذي تعمل فيه ينتظر من الحكومة أن تعطيه، وتمنحه، وتُرقيّه، وتهتم بجميع تفاصيل حياته. أما في الإمارات، فإن الجيل الجديد، رغم حصوله على مزايا عديدة من الحكومة، فإنه ديناميكي في تفكيره، وفي عمله، وفي طموحه. وقلما تجد شاباً لا يحمل فكرةً جديدةً أو رغبةً في النجاح.

والآن، بعد أن هيأت دبي بنيتها التحتية، وجيلاً من الشباب الطموح المتعلم، آن الأوان للاستثمار في المعرفة والعلوم بمختلف أنواعها، فإكسبو الذي سيقام فيها العام 2020 سيحتفي بإنتاجات البشر العلمية والصناعية والمعرفية، والإمارات قادرة، إلى ذلك الوقت، أن تخوض هذه المجالات الحيوية، بعقول أبنائها، وبإصرار وتشجيع قادتها.

مبارك يا دبي.

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:01 م

      تقدم اي بلد تراها في احترام قوانين البلد ودبي انموذج لمن يرغب بالتطور

      اعتبر العنوان مداخلتي بلد جميل مضياف يحترم الضيف ويطلب منه أن يحترم قوانين البلد والمرور وانظمته عشرة على عشرة

    • زائر 5 زائر 4 | 2:40 م

      مبروك

      عليكم بألف عافية ،عقبالنا،لكن ما أقول الا لين حجت البقر على قرونها، ليش لان عندنا مسؤلين مال القرون الوسطى. أقول تعلموا من النسايب

    • زائر 3 | 3:23 ص

      خوش

      دبى مدينه فى سباق مع الزمن مبروك دبى تنظيم اكسبو 2020 الى الطليعه دبى

    • زائر 2 | 12:58 ص

      مبروك دبي - صدقت

      مبروك مبروك مبروك يا دبي

    • زائر 1 | 12:19 ص

      الى الأمام

      كلما تذهب الى هذه المدينه ينتابك احساس انك لم تزرها سنين وليس شهرا لكثرة التطور والاهتمام . أما الاهتمام بالشباب وإعطائه الفرض للإبداع فحدث ولا حرج ويا ليت هذا يحدث في دول مجلس التعاون الاخرى فليس هناك مقارنه لان الشباب المبدع مركون على الرف. الأفضل لدبي ان تطلب عضوية الاتحاد الأوربي لانها أهل لذلك من كل النواحي.

اقرأ ايضاً