العدد 4120 - الثلثاء 17 ديسمبر 2013م الموافق 14 صفر 1435هـ

زباري: الأزمة المائية في الدول العربية هي أزمة حوكمة بالدرجة الأولى

دول مجلس التعاون أشد المناطق معاناة من ندرة المياه في العالم

المنامة ـ جامعة الخليج العربي 

تحديث: 12 مايو 2017

شارك مدير برنامج إدارة الموارد المائية بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي، رئيس جمعية علوم وتقنية المياه الخليجية وليد زباري في إعداد تقرير المياه العربي الأول عن حوكمة المياه في الوطن العربي، كما أعد دليل الإدارة المتكاملة للمواد المائية ودور البرلمانيين في تحقيق الإدارة المستدامة للمواد المائية في مملكة البحرين بعد إن نفذ ورشة عمل حول الدليل بالمجلس الوطني.

وأطلق قبل أيام تقرير المياه العربي الأول عن حوكمة المياه من المنامة من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أثناء زيارة مدير عام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنيويورك هيلين كلارك،  واحتوى التقرير على 165 صفحة، ركز فيها على القضايا المتعلقة بندرة المياه وكيفية التحكم في هذا المورد المهم وإدارته جيدا بالوطن العربي، وتناول المياه في العالم العربي وجودها والموقف منها والتهديد الذي تمثله والتحديات التي تواجه طريق تطبيق حوكمة المياه في الوطن العربي بالإضافة إلى أفكار عامة عن حوكمة المياه وكيف يمكن ان تكون الحوكمة فاعلة ومؤثرة وتكلفة تأثيراتها في حال إساءة استخداماتها في العالم العربي.

وقال زباري "يسعى هذا التقرير إلى تمكين البلدان العربية والمجتمع الدولي والجهات المانحة والمجتمع المدني، والقطاع الخاص وغير ذلك من المعنيين من إدارك أوسع للموضع الراهن لموارد المائية في المنطقة (...) إدارك يتجاوز ذلك النهج التقليدي الذي يقتصر على مجرد حصر للموارد المائية المتاحة ووجوه استعمالها ومدى توافرها والاعتماد عليها وما إلى ذلك من المسائل. إن الفهم الذي يتضمنه هذا التقرير يهدف إلى وضع أزمة المياه في سياق اجتماعي اقتصادي وبيئي، كما يبرز من خلال تحديده للتدابير الأساسية من أجل إدارة فاعلة وكفؤة للموارد المائية، الدور المتكامل الذي تؤديه حوكمة المياه في التنمية البشرية المستدامة على مستوى المنطقة العربية".

 

وما يلي نص اللقاء:

 

ـ حدثنا عن تجربة كتابة تقرير بهذه الأهمية، وما أهم ما جاء فيه؟

لقد تشرفت بالمشاركة في تأليف وإعداد التقرير وتم اختياري من قبل برنامج الأمم المتحدة من ضمن خمسة مؤلفين يمثلون أقاليم العالم العربي المختلفة، حيث كنت ممثلا عن إقليم الجزيرة العربية، مع أحمد خاطر ومحمد عبدربه من مصر ممثلين لإقليم وادي النيل، فيما كان رضوان شكرالله من المغرب عن إقليم المغرب العربي، وعماد كرابلية من الأردن عن إقليم المشرق العربي، بالإضافة إلى مدير المشروع غيث فريز من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولقد تم مراعاة تقاطع التخصصات المائية وتكاملها في فريق العمل بالتقرير من حيث الجوانب الفنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية للمياه.

أما عن أهم ما جاء في التقرير فأن هذا التقرير يختلف عن التقارير التقليدية التي تتطرق إلى المصادر والاستخدامات وأهم المشاكل التي تواجه المصادر المائية ووضع الحلول التقنية لها، حيث أن التقرير حاول أن يذهب إلى أكثر من ذلك وبشكل أعمق إلى جذور المشكلة والتي تتعلق بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية وأسلوب الحوكمة المتبع في إدارة الموارد المائية الذي يؤثر بشكل كبير في المشكلة المائية وتفاقمها مع الوقت.

ويطرح التقرير الحقيقة التالية: "أن الأزمة المائية في معظم الدول العربية هي أزمة حوكمة بالدرجة الأولى، ومن أهم معوقات الإدارة المائية عدم وضوح المسئوليات وتداخلها وتعدد الجهات المسئولة عن المياه وعدم كفاءة المؤسسات المائية وقلة الموارد المائية، أما بالنسبة لجانب معوقات الحوكمة الرشيدة التي تيسر الإدارة الكفؤ للمياه فهي عدم كفاية الوعي العام ونقص التشريعات والقوانين وتطبيقها ومركزية القرار وغياب الشفافية والمسائلة وعدم إشراك المجتمع والمنتفعين في إدارة المياه. ويبقى العامل الأخير، أي إشراك المجتمع، الأهم في هذه العوامل والمعوقات للحوكمة والتي تؤثر على كفاءة إدارة المياه بشكل كبير.

ـ وهل يتطرق التقرير للأمن المائي العربي؟

التقرير ينطلق من موضوعين رئيسيين الندرة المائية السائدة في المنطقة العربية والأمن المائي وسبل تحقيقه، ويرى أن تحسين الحوكمة يمكنه أن يساهم بشكل كبير في التكيف مع الندرة المائية وبالتالي تحقيق الأمن المائي بشكل عام. ويجب هنا النظر إلى قضية الأمن المائي كإحدى قضايا الأمن غير التقليدي، حيث تطور مفهوم الأمن المائي بشكل عام من تأمين كميات المياه المطلوبة للأنشطة الإنسانية المتمثلة أساسا في تزويد المياه لقطاعي الشرب والزراعة وحماية الحقوق المائية للدول العربية إلى مفهوم أشمل يرتكز على مبدأ التنمية المستدامة، على أساس أن تحقيق الأمن المائي هو مدخل ورافد رئيس لتحقيقها.  وينظر إلى أهداف أكبر للتعامل مع قضايا وتحديات المياه والقوى الدافعة لها ووضع الحلول لها عن طريق تحسين أسلوب الحوكمة والإدارة المائية وبناء القدرات المؤسسية والبشرية وتطوير البحث العلمي ونقل وتوطين التقنية الحديثة.

 

ـ وماذا عن الأمن المائي الخليجي؟

دول مجلس التعاون لديها وضع خاص، حيث أنها بشكل عام لا تمتلك مياه سطحية وتعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية، التي هي في أغلبها غير متجددة، ومياه التحلية باهظة التكاليف الاقتصادية والبيئية، وبشكل أقل على مياه الصرف الصحي المعالجة. وبشكل عام يتحدد مستوى الأمن المائي في أي دولة من قبل ثلاثة عوامل رئيسة، وهي البيئة الهيدرولوجية السائدة، والبيئة الاجتماعية والاقتصادية، والبيئة المستقبلية. وحاليا، فأن هذه البيئات الثلاث غير مواتية للأمن المائي في دول المجلس، فهي تقع في منطقة تتسم بندرة المياه وتذبذبها المكاني والزماني، وبها أحد أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، وتعتمد بشكل كبير على المياه في بعض أنشطتها التنموية (القطاع الزراعي)، ويتم استهلاك المياه من قبل القطاعات الرئيسة المستهلكة بأسلوب غير رشيد وبكفاءة منخفضة يسودها الهدر، وينخفض فيها الوعي على مستوى الفرد والمجتمع بقضايا المياه وتعتبر فيها حل قضايا المياه من مسئوليات الجهاز الحكومي وليس المستهلك، والسياسات المائية المطبقة فيها حاليا، إن وجدت، غير متكاملة.

وفي المقابل تمتلك معظم دول المجلس قدر معقول من المرونة والقدرة على التكيف مع هذه الأوضاع حاليا، وإن كان ذلك بكلف اقتصادية وبيئية باهظة، وتتمثل في القدرة على التوسع في بناء محطات التحلية لتوفير المياه للسكان يساعدها في ذلك قوة اقتصادها وامتلاكها الموارد المالية وموارد الطاقة.

إلا أن هذه الأوضاع غير قابلة للاستمرار للعديد من الأسباب، من أهمها استمرار نضوب موارد المياه الجوفية وتدهور نوعيتها ما سيؤدي في النهاية إلى خسارة القطاع الزراعي لمصدره المائي وانحساره في المستقبل، والتكاليف الاقتصادية والبيئية المتزايدة مع الوقت للتوسع في بناء محطات التحلية، وخصوصا تلك التكاليف المتعلقة بالطاقة واستنزافها وهي مصدر الدخل الرئيس لدول الخليج، وازدياد المنافسة على المصادر المائية المحدودة بسبب تناقص المياه وزيادة الطلب عليها المستمرين.

ويضاف إلى ذلك تأثيرات ظاهرة تغير المناخ التي وبحسب الدراسات المتوفرة الحالية ستؤدي إلى زيادة ندرة المياه من خلال انخفاض معدلات الأمطار التي هي نادرة أصلا، وزيادة الحالات المتطرفة من جفاف وفيضانات وما يمكن أن تسببه من مشاكل، وارتفاع درجات الحرارة ما سيزيد من معدلات استهلاك المياه وخصوصا في القطاعين البلدي والزراعي، ، وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يؤدي إلى غمر المناطق الساحلية الزراعية وغزو مياه البحر للمياه الجوفية، لذا، فأن مواجهة التحديات المائية التي تعيشها وستعيشها دول مجلس التعاون، الواقعة في أشد المناطق ندرة في المياه في العالم، لتحقيق الأمن المائي بمفهومه المتقدم والشامل يتطلب تعاملاً رفيعاً من الإرادة السياسية والمستوى الإداري والعلمي والتقني للتصدي لها، والأهم من ذلك هو تحسين مستوى الحوكمة لينتقل سلوك المجتمع والقطاعات المستهلكة للمياه من كونه جزء أساسي من المشكلة المائية إلى جزء رئيس في طريق حلها.

 

ـ  وما هي القضايا الرئيسة التي تطرق لها التقرير ولم يتم التعامل معها من قبل؟

يتطرق التقرير للعديد من القضايا المتعلقة بالمياه ولكن من زاوية الإدارة والحوكمة الرشيدة، ويركز على إدارة ندرة المياه والتكيف معها، ويرى أن الندرة المائية لها أسباب مادية وكذلك اجتماعية واقتصادية. فالأسباب المادية تتصل بالظروف المناخية السائدة في معظم الدول العربية، أي نقص الماء، وكذلك بالإدارة غير الرشيدة لها، أي هدر المياه وانخفاض مستوى كفاءة إيصالها واستخدامها وحمايتها من التلوث، ما يزيد من ندرة المياه في المنطقة العربية ويفاقمها.

ويتطرق التقرير إلى العديد من القضايا المائية من منظور الحوكمة مثل التنافس على المياه المحدودة بين القطاعات الزراعي والبلدي/المنزلي، وبأن تحويل مياه القطاع الزراعي، المستهلك لأكثر من 90% من المياه الكلية وتسوده ممارسات غير كفؤة لاستخدام المياه، ممكن إلى القطاع المنزلي وبدون التأثير على القطاع الزراعي إذا ما تم العمل على زيادة كفاءة الري واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وتنظيم المحاصيل بشكل أكثر مردودية.

كما يتطرق إلى العدالة في توزيع المياه وخدمات الصرف الصحي، خصوصا لسكان الأرياف والنساء والفقراء والمهمشين مقارنة بسكان المدن الذين يتم التركيز عليهم في هذه الخدمات، ونجد أن سكان الأرياف يدفعون مبالغ أعلى من نظرائهم في المدن للحصول على مياه الشرب ويتعرضون للعديد من المخاطر الصحية بسبب نقص خدمات الصرف الصحي. ويتناقض هذا مع لائحة مجلس حقوق الإنسان التي تؤكد على أن الحق في المياه والصرف الصحي جزء من القانون الدولي وأن هذا الحق ملزم قانونا للدول.

إلى ذلك،  يتطرق التقرير إلى علاقة المياه بالأمن الغذائي والطاقة، وبأنه يستحيل الفصل بين الأمن المائي والغذائي وكذلك الأمن المائي وأمن الطاقة، وأن إدارة الموارد المائية تتطلب فهما جيدا لعلاقة التبعية المتبادلة ما بين الطاقة والمياه. فمثلا، كل انتشار للقدرات في مجال تحلية المياه في المستقبل ينبغي ربطه بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في المنطقة العربية كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما يجب العمل على اكتساب التقنيات المتصلة بالمياه، إذ أن أغلبها مستورد حاليا، وإن اكتساب هذه التقنيات والتحكم فيها محليا سيجعلها محل ثقة أكثر، كما يزيد من قيمتها المضافة للاقتصاد الوطني ويقلص من كلفتها وتأثيراتها البيئية.

 

ـ وما هي أهم توصيات التقرير؟

يرى التقرير أنه لا بد من تغيير اتجاه السياسات العامة من إدارة العرض إلى إدارة الطلب القابل للاستدامة، والانتقال من أسلوب إدارة الأزمات إلى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. كما يرى التقرير أنه في حين تمتلكالعديدمن الدول العربية بالأطر القانونية والمؤسساتية من أجل إدارة رشيدة للمياه، إلا أنها تفتقد الأدوات القانونية التي تضمن التنفيذ، ولذلك تقتضي التحديات الحالية ابتكار أدوات جديدة مثل اللامركزية، والنهج التشاركي ـ التشاوري، وتقوية القدرات التقنية والمالية المحلية، وشفافية المعلومات، وغيرها من أدوات الحوكمة الرشيدة والكفؤة.

كما يرى التقرير أن العجز في الموارد البشرية عنصر أساسي في الندرة المائية، وان معالجة هذا العجز يتطلب بناء القدرات والتدريب والتطوير، أي الاستثمار في العنصر البشري. كما يرى ضرورة إيجاد نظام تمويل مستدام لقطاع المياه يعتمد على مصادر تمويل وأدوات اقتصادية مناسبة، ومن أهمها استرجاع تكاليف الخدمات بشكل عادل ومنصف ولا يتعارض مع حق الإنسان في المياه وخدمات الصرف الصحي، وإشراك القطاع الخاص لتعويض عجز الحكومات في تقديم الخدمة أو تخفيض تكاليفها مع الأخذ في الاعتبار الكفاءة والعدالة مع الأخذ في الاعتبار عدم تأثر شرائح المجتمع الفقيرة سلبا بذلك.

أما بالنسبة للمياه المشتركة، فيرى التقرير أن التعاون الإقليمي أمرا لا مفر منه، والدول العربية مطالبة بالعمل مجتمعة على وضع إستراتيجية عربية موحدة تدعم حق جميع البلدان المتجاورة في الحصول على حصة عادلة ومنصفة من الموارد المائية الدولية فيما بينها وكذلك مع البلدان غير العربية المجاورة.

وأخيرا، يرى التقرير أن البحث والتطوير والإبداع لا غنى عنهم لضمان الاستدامة والكفاءة لقطاع المياه، وأنه بدون ذلك من الصعب التكيف مع مشكلة الندرة المائية، ولذا هناك حاجة قصوى لتقوية المراكز المعنية بالبحث العلمي في مجال الموارد المائية بالموارد البشرية والمالية الكافية، وإلى سياسات علمية وتقنية قوية، وتقوية الصلات بين تنفيذيي المياه وهذه المراكز للمساعدة في اتخاذ القرار ووضع السياسات المائية.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً