العدد 4134 - الثلثاء 31 ديسمبر 2013م الموافق 27 صفر 1435هـ

اغتيال «شطح» السياسي: لماذا وإلى أين؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تاريخاً وحاضراً «التصفية» أو «الاغتيال السياسي» ظاهرة من ظواهر العنف السياسي التآمري، وهي وليدة فكر متطرف يستهدف اغتيال شخصيات مهمة تحمل فكراً معيناً، وتتم أحياناً على الهوية أو العقيدة أو بسبب انتماء سياسي معارض أو لأسباب اقتصاديّة أو انتقاميّة أو غيرها. وغالباً ما يخطط له سرياً ويدبر لتحقيق هدفٍ ما، تنفذه قوى أو جماعات متعصبة منغلقة على ذاتها أو راديكالية أو إرهابية متطرفة أو مأجورة أو أجهزة استخبارات.

الاغتيال عمليّة ذات تعبيرين مزدوجين، فمن يقف مع الضحية «الخصم» يعتبره جريمة لأن «الضحية» برأيه أعزل في حالة مسالمة، فيما هو بطولة وحق كما يراه الطرف النقيض.

قديماً استخدمت في الاغتيال طرق بدائية كالسموم أو طعنات الخناجر، ومع تطوّر الزمن والتقانة استخدم التعذيب والصعق بالكهرباء والأسلحة النارية بالقنص أو الرمي بالرصاص والمتفجرات والسيارات المفخخة، وبموازاة ذلك اعتُمد الرصد والتصنت على المكالمات الهاتفية والملاحقة الالكترونية والمتابعة الدقيقة لأنشطة «الخصم» المستهدف عبر أدوات التّواصل الاجتماعيّ (انترنت، تويتر، فيسبوك... إلخ»، ما جعل الاغتيالات تتمّ بصورة أدق وأسرع مما مضى.

في حاضرنا العربي شهدنا -ولانزال- لبنان والعراق نموذجاً لمسرح عمليات «الاغتيال السياسيّ»، بعضها سياسيّ/ انتقاميّ ضد أساتذة جامعات وخبرات وكوادر علمية وعلماء دين وضباط سابقين في الجيش وخلافه، وبعضها سياسي هدفه تصفية حسابات وإحداث تغيير في موازين القوى، ناهيك عمّا مارسه ويمارسه العدو الصهيونيّ من اغتيال للكوادر القياديّة السياسيّة والعسكريّة والعلميّة والنخبة الثقافية الفلسطينية.

انفجار ستاركو الاحترافيّ

إنّها إضاءة تستلزم مناقشة فرضيات وتداعيات «انفجار ستاركو الاحترافيّ وسط بيروت»، الذي راح ضحيته مؤخراً موظف البنك الدولي السابق ومستشار إدارته عن منطقة الشرق الأوسط ووزير المالية السابق محمد شطح، مستشار سعد الحريري وأحد صانعي القرار في «تيار المستقبل»، لاسيّما وقد أجمع المحلّلون بأن الاغتيال يستهدف استقرار لبنان الأمنيّ، ويلغي حياته السياسيّة واضعاً إياه في مجال الفوضى لأجل أهداف إقليمية ودولية.

ثمة آراء متعدّدة حد التناقض في تحليلها للحدث، بيد أنّها خلصت إلى أنّ اغتيال شطح حدث في لحظة مفصلية وتقاطعات للمنطقة ولتاريخ لبنان والإقليم، كـ «الحوار الأميركي- الإيراني، طاولة جنيف2، المحكمة الدولية»، ما يفتح باب التكهنات حول احتمالية انزلاق لبنان إلى فتنة اقتتال طائفيّ، خصوصاً حين ينقل حدث الاغتيال إلى التداول الرسمي الدولي. وقد نسجت روايات وبرزت تحليلات ومقاربات عدة، إلا إنّ أهمها ما يلي:

المقاربة الأولى: كما يفسرها كاتب لبناني بأنّها الأسباب ذاتها التي كانت وراء اغتيال رفيق الحريري، حين تجاوز الخطوط الدولية الحمراء بإخراج القوات السورية من لبنان بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1559 عام 2004، والأمر نفسه انسحب على شطح حين انطلق لتنفيذ مشروع يقضي ببلورة إجماع غربي- دولي لإعلان حياد لبنان في الصراع السوري، ومحاولة دعمه لاحقاً بقرار من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، مشيراً إلى دخول شطح مرحلة التنفيذ، إذ خطط للقاءات مسئولين أوروبيين وأميركيّين، وذلك تمهيداً إلى عقد مؤتمر يتبنى رسمياً الحياد، مشبهاً نتائج هذه الخطوة بما حدث بعد قرار 1559، إذ سيفرض شطح «القضية اللبنانية» على المفاوضات الإيرانية- الأميركية. وقد يلزم طهران بتنازلات ما في لبنان، إضافةً لما تردّد عن ترشيحه لرئاسة حكومة «معتدلة» تفرض بقوة الصلاحية الدستورية للرئيسين سليمان وسلام.

واضح تماثل هذه الرؤية وموقف «تيار المستقبل» و»فريق 14 آذار» اللذين يتهمان حزب الله وسورية وإيران بالوقوف وراء الاغتيال، إلا إنه لا جديد في أمر هذه الرؤية، فمنذ اغتيال الحريري الأب وما تلاه من اغتيالات سياسية استهدفت شخصيات فريق 14 آذار اتهم حزب الله وسورية، الأمر الذي دعا مناصري «حزب الله» للقول بأن الأخير ليس غبياً ليمنح ذريعةً مجانيةً تفرض عليه حكومة الأمر الواقع «الإدارية» التي يرفضها. كما ليس من صالحه تنفيذ الاغتيال ولبنان مقبلٌ على عمل المحكمة الدولية، وبالتالي منح خصومه فرصةً لتحريض المحكمة عليه. كما تساءلوا: إذا كان الحزب محترفاً لتنفيذ ما ينسبه إليه خصومه، فلماذا لا يختار هدفاً أكثر تمثيلاً في فريقهم؟ ثم هل جاءت نتائج الاغتيالات السابقة في صالحه؟

أمّا المقاربة الثانية: اغتيال «شطح» تمّ في إطار الحرب المستعرة بين مراكز القرار في الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالصراع السوري، أي بين المؤيد للحلول السياسية (البنتاغون) وبين الرافض لها والداعم للمجموعات المتشددة (الاستخبارات الأميركية). وتشير هذه المقاربة إلى تقارير كشفت عن علاقة شطح بالبنتاغون الذي يتبع الاتجاه الرافض للتورط الأميركي في الأزمة السورية، وأنه من أبرز المعارضين لنقل السلاح لمقاتلي المعارضة السورية.

وهناك أيضاً من يربط بين محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الدفاع العراقي الذي، مثله مثل «شطح»، له علاقات وارتباطات بمؤسّسات أميركية تعارض الحرب، ما يعني في الأخير إنّ لبنان بات ساحةً مكشوفةً لتصفية حسابات إقليمية ودولية. كما يؤكد من جهة أخرى أحد فرضيات المقاربة السابقة بتجاوز «شطح» للخطوط الحمراء الدولية. وماذا أيضاً؟

هناك المقاربة الثالثة: التي يشير أصحابها إلى اتفاق فريقي 14 آذار و8 آذار، كون اغتيال شطح له علاقة بموعد المحكمة الدولية، بيد إنهما يختلفان جوهرياً في التفاصيل. فمن وجهة نظر 14 آذار، الاغتيال نفذ لعرقلة عمل المحكمة والضغط على هيئتها القضائية مّمن يحمون المتهمين؛ فيما يرى بعض عناصر 8 آذار إنّ الاغتيال حدث لإنعاش عمل المحكمة وإعادة استعمالها كسلاح في لعبة القوى الإقليمية والدولية. ودلالتهم على ذلك، إنّ توقيت كل الاغتيالات السابقة غالباً ما ارتبط بموعد المحكمة الذي يعد بمثابة «سلاح احتياطي» للفريق الآخر. كما يجزمون إنّ الاغتيال حدث لعرقلة اتفاق كان يحضر له محلياً بين عقلاء الفريقين على رئاسة الجمهورية والحكومة، فاستهدفوا شطح لتحذير سعد الحريري من التجاوب مع أي حوار.

ما المتوقع؟ وإلى أين؟

ختاماً السؤال البديهي: ما هو المتوقع؟

المتوقع مرحلة قاتمة يسودها التوازن السلبي في معركة كسر العظم التي يخسر فيها الجميع، وثمة ضغوط لوضع صيغة لرئاسة الجمهورية وتشكيل «الحكومة الإداريّة» التي يرفضها فريق 8 آذار، يترافق مع باب مفتوح إزاء مسلسل اغتيالات وتفجيرات تضعف الساحة اللبنانية وتكشفها أكثر، وتمهّد لعدوان إسرائيلي عسكري، فضلاً عن احتمال توجيه اتهامات دولية جديدة لحزب الله وعقوبات على النظام السوري وإيران، بيد إنّ الخسارة الكبرى هي من رصيد المواطن اللبناني بسبب استمرار دوامة الدم وعدم تحقّق شعارات الحرية والكرامة والاستقلال والأمن، طبعاً عدا القتل والدمار.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4134 - الثلثاء 31 ديسمبر 2013م الموافق 27 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:10 ص

      السؤال الدى يحيرنى اكثر

      لمادا اجمع الفريق 14ازار على اتهام وبسرعه فائقه جدا الحزب لمادا لم يحدث المثل لدا حزب الله عندما اقتيل القيادى لحزب الله 14ازار وراء اقتياله هنا الفرق الشاسع بين الفريقين دائما وابدا حزب الله يوجهه البوصله الى العدو الصهيونى اما الفريق الاخر يسارع اتهام خصمه السياسى بدون اى دليل واثبات يتخبط ويتعثر ويبكى تاره ويتباكى تاره اخرى وهو يعلم علم اليقين ان الحرب الاهليه نقطه ضعف حزب الله وتصبره وتحمله الكثير الكثير من هادا الفريق المتغطرس الفاشل

    • زائر 1 | 1:59 ص

      لماذا

      اذا كان الشهيد شطح يعارض دخول الاسلحه الي سوريا ويعارض الحرب علي سوريا فهو تقريبا رؤيته مطابقه الي حزب الله فكيف قام الحزب بأغتياله؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً