العدد 4163 - الأربعاء 29 يناير 2014م الموافق 28 ربيع الاول 1435هـ

التمييز آفة خطيرة... تسبب الأزمات السياسية والاقتصادية!

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لقد كظم المواطن غيظه كثيراً منذ ثلاث سنوات من أجل وطنه، على المقالات والأعمدة الصحافية والبرامج التلفزيونية الطائفية التي بسبابها وشتائمها وافتراءاتها وتدليسها ونعوتها الوضيعة، كانت تمس نفوس ومشاعر شريحة كبيرة من أبناء البلد، التي عبرت عن رأيها وطالبت بكل سلمية بحقوق جميع شرائح التي كفلها ميثاق العمل الوطني والدستور لكل مواطن. وكظم غيظه أيضاً عن بعض الكتاب الطائفيين الحاقدين على الوطن الذين ينفون كل ممارسات التمييز الطائفي بين المواطنين، الذي يمارس في المؤسسات الرسمية من خلال العناصر المنتمية للجمعيات السياسية ذات الأيدلوجيات الإقصائية لكل من يختلف معها في المعتقد السياسي أو المذهبي.

وقد أعطيت صلاحيات واسعة في مختلف مفاصل البلد، من أجل طمس الحقيقة المرة، ونقصد التمييز بكل أشكاله ومسمياته المعاكسة لمبدأ المواطنة الحقيقية، والذي اعترف المجلس النيابي بوجوده، من خلال رفضه غير الدستوري لمشروع قانون «تجريم التمييز» الذي قدمته المعارضة، ومازال رفضه لتجريم التمييز يثير السخرية وعلامات الاستفهام الكبيرة. وليس هناك مبرر مقنع غير أنه بموقفه الغريب يكون مسانداً وداعماً لسياسات التمييز، ففي جميع الشرائع السماوية والوضعية، يعتبر التمييز جريمة تضر بمصالح البلاد والعباد، وتطالب بمحاربته بكل الوسائل القانونية والإعلامية، وتعتبر تبنيه منهجاً في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، سبباً رئيسياً في خلق الأزمات السياسية الكبرى، فكيف به إذا ما أصبح مؤيّداً من المجلس النيابي الذي يفترض أن يحاربه ويجرم منفذيه. وكيف سيكون الحال إذا ما أخذت وزارة المالية برأي النائب الذي يقطر قوله وفعله وممارسته حقداً وكرهاً وطائفية، حين طلب منها بكل صلافة أن تعطي الزيادة في الرواتب إلى أبناء مكون واحد، ومنعها عن أبناء مكون كبير في الوطن. ومن يتفقون معه في هذا النهج الطائفي العنصري من النواب صفّقوا له بحرارة وغباء.

عندما تتحدث قوى المعارضة الوطنية عن التمييز، تتحدث عن أسسه وآلياته وبصورة شاملة، ولا يهمها انتماء الأشخاص المنفذين إنما المنهجية التي اعتمدها، وآليات ومعايير التوظيف والتعيينات والترقيات، والقرارات والإجراءات التي أدت إلى الفصل والتوقيف عن العمل والاستقطاع من الرواتب. هل نُفّذت على أسس المواطنة أم على أسس طائفية بحتة؟ هل اتبعت في التعيينات والتوظيف والترقيات... الإجراءات القانونية والمعايير الوطنية أم الطائفية؟ هل يتم الإعلان عن الوظائف الشاغرة في الصحافة أم لا؟ وهل اعتمدت في التوظيف على المؤهلات العلمية والكفاءات أم على معايير أخرى مخالفة للقانون كالانتماء الطائفي والحزبي والعائلي والقبلي؟ وهل إجراءات معاقبة آلاف الموظفين بالفصل والاستقطاع من رواتبهم قانونية أصلاً؟ وهل «الجرم» الذي على أساسه عوقب عليه هذا الموظف أو ذاك، جرم قانوني أم لممارسته عملاً ضمن حقوقه المدنية والسياسية والقانونية التي كفلها له الدستور والمواثيق الدولية؟ فإذا ثبت بالدليل أن جميع الإجراءات التي اتخذت ضد الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص لم تكن قانونية، يبدأ البحث عن الأسباب التي جعلت الجهات الرسمية والشركات الكبرى تتخذ هذه القرارات والإجراءات القاسية ضد موظفيها، هل كانت سياسية أم طائفية؟

بعد صدور تقرير بسيوني في نوفمبر 2011، وانتقادها لجل هذه الإجراءات غير القانونية، هل تم محاسبة من خالف القانون وأوجد هذه المآسي الإنسانية أم تمت ترقيته؟ من خلال نسبة ما نفذ من توصيات اللجنة تتبين الحقيقة، إن كشف التمييز في هذه القضية وغيرها ليس بالأمر الصعب، إذا ما أريد حلّ مشكلة التمييز الذي تقول عنه قوى المعارضة الوطنية أنه ينخر في مختلف مفاصل البلد، وبالرجوع إلى أوراق المتقدمين للتوظيف، وإجراءات الفصل والتوقيف عن العمل وغيرها من الإجراءات العنيفة، سيتضح جلياً نوع وحجم التمييز الذي مورس ضد شريحة واسعة من أبناء البحرين. فقد فاق حجم التمييز كل التصورات، وجعل وزارة التربية والتعليم -على سبيل المثال- تتخذ خطوات عشوائية غير محسوبة العواقب ضد التعليم من خلال توظيفها لثلاثة آلاف متطوع غير مؤهلين تربوياً ولا تعليمياً، ليشكلوا أكثر من 30 في المئة من الكادر التعليمي. ولسنا في مجال التحدث عن الأسس التي اتبعتها الوزارة في التوظيف، أو عدد العاطلين الذين اجتازوا جميع متطلبات مهنة التعليم وهم بالآلاف دون أن يوظّفوا. ولن نتحدث عن حراس أمن المدارس الذين يحمل بعضهم مؤهلات جامعية، لأنهم تحدّثوا كثيراً ومنذ سنوات عن وضعهم المهني ومعاناتهم النفسية والمعنوية في الصحافة المحلية، ولم تتخذ الوزارة أية إجراءات تصحيحية لإنصافهم ووضعهم في المكان المناسب لمؤهلاتهم الجامعية، أليس لأنهم جميعاً من مكوّن واحد؟ وهل تحتاج المسالة إلى تفسير؟

إننا لن نتحدث عن عشرات الطلبة الجامعيين في كلية البحرين للمعلمين، الذين اتخذت ضدهم إجراءات غير قانونية، لأن قضيتهم عرضت على جميع المستويات الحقوقية والسياسية، وبأبعادها الإنسانية والقانونية، والاقتصادية والاجتماعية، ووزارة التربية أعلم بحقيقة ممارساتها الطائفية من كل أحد، بعد أن أصبحت ممارساتها وسياساتها الطائفية على كل لسان. والشواهد الكثيرة تدل على أن ما حدث لكل المتضررين في الأزمة السياسية دوافعه طائفية، ولكن نفذت بعناوين سياسية. فالمجلس النيابي عندما رفض «تجريم التمييز»، أوجد قاعدة أخلاقية سلبية للجهات الرسمية وشبه الرسمية، ولأصحاب الأيدلوجيات الطائفية للذهاب بعيداً عن القانون في تنفيذهم لهذه السياسات العنصرية، وهذه الحقيقة لا يمكن لمجلس النواب نفيها أو إنكارها، لأنها لا تقبل التأويل أو التبرير. فالجهات والأفراد والجماعات الذين تعاملوا ومازالوا يتعاملون مع مكون كبير في هذا البلد الطيب بنفسية طائفية مريضة، غير مكترثين بمفهوم المواطنة وتكافؤ الفرص، ولا يؤمنون بأن «الوطن للجميع».

لقد أكد علماء النفس أن التمييز يتعارض كلياً مع النفسية السليمة التي تنبذه وتمقته بشدة، فبسببه تتخلف البلاد وتضيع مصالح العباد وتنتهك الحقوق الإنسانية والمهنية والمالية، وتتباعد النفوس وتتأثر العلاقات الإنسانية سلبياً، وتتعمق الأزمات وتكبر دائرة الخلافات، وتضمحل القيم الأخلاقية وتتلاشى الثقة بين جميع الأطراف. ويزداد الحديث بين الناس عن المظالم، ويلجأ المظلومون إلى الدعاء ليشكوا أمرهم وظلامتهم إلى رب العالمين لاستعادة حقوقهم وكرامتهم في وطنٍ يحترم الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4163 - الأربعاء 29 يناير 2014م الموافق 28 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:27 ص

      سبب الأزمات السياسية والاقتصادية

      الإشكالية الكبري التي يعاني منها الوطن النواب اصحاب المنافع الذين ينهشون في جسده دون رحمة فلا يسرهم اي استقرار.

    • زائر 4 | 3:51 ص

      ( لا حياة لمن تنادى )

      استاذى العزيز مقالك رائع الذى تحدثت فيه عن التمييز العنصرى و الطائفى و الو ظيفى وعن المظالم التى تمارس فى البحرين ،و الكل يعلم بذلك و لكن لا حياة لمن تنادى.

    • زائر 3 | 3:31 ص

      يا الله

      يا الله على صحفيين الجرايد الصفراء كل هاده حقد على الشيعة المشتكى لله قال امير المؤمنين علي عليه السلام جزيرة اوال راح اتقاسى اهوال من ظلم الحاقدين الله اصبر الشعب المظلوم

    • زائر 2 | 3:00 ص

      و التكفير شر من التمييز

      يجب توجيه الأصابع إلى التكفير و التكفيريين ؛ و إعلان البراءة من التكفير و التكفيريين

اقرأ ايضاً