العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ

عمليات الإخلاء والإسعاف الجوي... حاجات وخطط

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

مع اتساع وتباعد الخدمات الطبية جغرافيا، سواء كانت تشخيصية أو علاجية، برزت الحاجة الماسة إلى وسيلة نقل سريعة وذات فاعلية ومصداقية وأمان، تضع أفضل الممارسات العلاجية في مرمى أي مريض يحتاجها وإن كان في بلد أو قارة أخرى.

لذا وكما نقول إن الحاجة أم الاختراع، دخلت عمليات النقل الجوي على اختلاف وسائلها، أحد وسائط النقل الناشئة والمستحدثة، فلا تقتصر تطبيقات وجدوى هذا النوع من النقل على اختصار ظروف المكان من تباعد المسافات ونقص الإمكانات والخبرات الطبية، وإنما دخلت على الخط حاجات عمليات البحث والإنقاذ وخدمات الطوارىء الطبية خاصة لجموعة الاعتلالات الصحية التي تستدعي النقل الأدنى للمستشفيات وأقسام الطوارىء مثل حالات حوادث الطرق البليغة وحالات السقوط من شاهق وغيرهما، وهما من الدواعي الطبية البالغة في الأهمية حيث يحتاج المصاب إلى تدخلات علاجية آنية ومتقدمة تستنقذه مما هو فيه في أول ستين دقيقة من الإصابة لزيادة فرص الشفاء وتقليل احتمالات الإعاقة فيما بعد والانتهاء إلى برامج إعادة تأهيل ذات مردود وظيفي مقبول للمصاب، تلك الفترة الزمنية نعرفها مهنياً بـ «الساعة الذهبية»، وهي الهدف والمعيار الفاعل التي تسعى له مختلف أجهزة خدمات الطوارىء الطبية عند بناء واستحداث مخرجاتها التشغيلية.

نقصد هنا بوسائل أو وسائط النقل الجوي الطائرات العمودية، وطائرات الخطوط الجوية التجارية التي تقوم عليها شركات الطيران المختلفة مثل ناقلتنا الوطنية، طيران الخليج وغيرها.

إن استخدام تلك الوسائل وإن كان من مستحدثات عصرنا، إلا أنه ترجع البدايات الأولى لذلك النوع من النقل إلى الحرب العالمية الأولى، وتم التوسع في عملياتها مع نشوب الاضطرابات الكورية والفيتنامية، أي أننا نتحدث هنا عن ما يقارب المئة عام، هو العمر الزمني لهذه الوسائل والتطبيقات، وقد كان مستشفى سانت انتونيو في الولايات المتحدة الأميركية، أول منشأة صحية تدشن عمليات الخدمات الصحية الجوية في العام 1972، وقد تم استخدام الطائرات العمودية أو (الهيلوكابتر) في عمليات نقل المرضى والمصابين بين المستشفيات المحلية، بينما استخدمت الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، مثل طائرات الركاب، لعمليات نقل المرضى ممن يحتاجون إلى رحلات أطول مسافة.

إن أحد فوائد النقل باستخدام الطائرات العمودية، بالإضافة إلى ما سبق، هو إمكانية بذل رعاية طبية طارئة متقدمة في حالات الإصابات، ومن موقع الحدث، مع إمكانية نقل المصابين إلى مراكز رعاية متخصصة نوعياً في الإصابات، حيث لا تعد المسافة عاملاً محدداً يمنع المصاب من الوصول إلى مستشفى يقدم رعاية ثلاثية أو (بالغة التخصص)، إن تم نقله بسيارة الإسعاف.

هذا عوضاً عن أن عمليات الإسعاف بالطائرات العمودية توفر أثناء النقل خدمة طبية مكثفة كالمتوافرة في أقسام العناية القصوى في المستشفيات.

تحتاج عمليات النقل المتخصصة تلك إلى تخطيط ودراسات جدوى مستضيفة تأخذ في الاعتبار عوامل مهمة مثل التجهيزات اللوجستية، توفير العوامل الطبية المؤهلة أكاديمياً وتدريباً للقيام بهذا النوع من الرعاية الصحية بمقاييس وقدر عالٍ من الحرفية والمهنية، وما انعقاد الورشة التدريبية التمهيدية الأولى من نوعها في البحرين في مجال إعداد الكوادر الطبية البشرية المؤهلة للعمل في طواقم الطائرات العمودية، والتي اختتمت برنامجها هذا الأسبوع، إلا مؤشراً واعداً في سبيل إعداد إمكانات البنية التحتية لتدشين كذلك نوع من خدمات الطوارىء الطبية، حيث عادة ما يتكون الفريق الطبي المرافق للمريض من أربعة أشخاص على الأقل بين طبيب وممرضة ومسعفين اثنين مؤهلين، بالإضافة إلى طاقم الطائرة العمودية المكون من اثنين إلى ثلاثة أشخاص بين كابتن طيار ومساعد كابتن وفرد مساعد.

لقد شهدت وتبنَّت عمليات الإسعاف والإخلاء الطبي للمرضى والمصابين المدنيين دولاً كبرى متقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ سنوات عدة ولكن مع فارق جوهري بين الدولتين، حيث يقوم على هذا النوع من الخدمات جهات خيرية غير ربحية في بريطانيا، عددها نحو ثمانية عشر جهة، بينما تتنافس شركات كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى الربح في تشغيل وبيع تلك الخدمات على الأفراد والمستشفيات.

بقى الالتفات هنا إلى عوامل التكلفة والسلامة والأمان عند تخطيط وتشغيل وإدارة ذلك النوع من الخدمات، حيث إنه مع ارتفاع تكلفة تقديمها، فبحسب ما تم إعداده من إحصاءات بريطانية تحتاج عملية تجهيز طائرة عمودية واحدة لاستخدامها مع ما تحتويه من أجهزة ومعدات إنعاش، ما يكفي لتجهيز 6 سيارات إسعاف، ولكن بالنظر لجودة وفاعلية الخدمة ومخرجاتها على المدى البعيد على المريض أو المصاب والمجتمع نستكشف جدواها اقتصادياً.

ومن جهة أخرى، تبرز الحاجة في مرحلة التخطيط والإعداد إلى هيكلة علمية عملية تأخذ منهجياً احتساب المخاطر المحتملة وسبل إدارتها المثلى مع التركيز على هندسة العامل البشري في المقام الأول للتقليل من حوادث من الممكن تلافيها.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً