العدد 4199 - الخميس 06 مارس 2014م الموافق 05 جمادى الأولى 1435هـ

الشجرة الأخطبوط والموقف الاجتماعي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

إزالة قطيع شجرة «الداماس» العملاقة المحيط بمنزلنا والتي صارت تشكل هدفاً لإجراءات مشابهة في عدد من الدول الخليجية، أثار زوبعةً غير مبررة من قبل عينة من الأفراد غير الواعيين لمخاطر هذا الفصيل من الشجر الدخيل على بيئتنا المحلية، والتي بينا أضرارها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مقالنا «الشجرة الأخطبوط»، ودعونا الجهات المعنية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإزالتها واستبدالها بأشجار من البيئة المحلية.

في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء (25 فبراير 2014) كان السكون يخيّم في محيط منزلنا محاطاً بترانيم زقزقات العصافير المحتشدة على سعف النخيل وأغصان الأشجار الرائعة في جمالها الطبيعي، ويتخلل ذلك السكون بين الفينة والأخرى أصوات حركة المارة والطلبة المتوجهين إلى مقاعدهم الدراسية، فجأة يهتز محيط المنزل على وقع صوت شديد القوة بسبب ارتطام جسم ثقيل بالأرض، ما دفعنا إلى التوجه ناحية مصدر الصوت. وعند اقترابنا من الموقع شهدنا جذع شجرة عملاقة يتهاوى على الأرض، على مسافة بسيطة من مسرح الحدث، حيث يقف شخص يحرك يديه يميناً ويساراً، وصوته يملأ المكان وهو يوجّه الاتهامات والانتقادات جزافاً، تعبيراً عن غضبه واعتراضه على إجراء بلدية المنطقة الشمالية بإزالة قطيع «الشجرة الاخطبوط».

الموقف الاجتماعي من إزالة قطيع شجرة «الداماس» مؤشر مهم في تأكيد جدوى الإجراء وفوائده المجتمعية، وأن ما هو جدير بالاهتمام وينبغي الإشارة إليه، أن إزالة الشجرة ترك صدى إيجابياً في الأوساط الاجتماعية. وتعليقاً على ذلك الحدث طالبت مجموعة من أفراد المجتمع المحلي بالعمل على تحفيز البلدية لمواصلة جهدها لإتمام مهمة اجتثاث الشجرة من بلدتنا (باربار)، وتخليصهم من الأضرار التي تركتها على جدران منازلهم، وإنقاذهم من الخسائر المادية التي تسبّبه لهم بفعل المصروفات المستمرة على أعمال الصيانة، وللدلالة على ذلك أطلعنا أحد أفراد المجتمع على الشجرة العملاقة الملاصقة لمنزله وبيّن الآثار والتشققات التي تحدثه في جدران المنزل.

الحدث ترك أثره المباشر على المجتمع في باربار، وصار حديث الساعة، وكلما نتوجه إلى موقع يتصدّر حديث الحضور عملية إزالة الشجرة، ويجري طرح الأسئلة عن الأسباب التي دعت لإزالتها. كما رافق ذلك جملة من الشائعات والتخمينات غير المؤسسة بشأن العوامل التي دفعت لاتخاذ هذا الإجراء الذي كان مفاجئاً للكثير من سكان المنطقة. إلى جانب الجدل الذي أخذ في التفاعل بشأن فوائد وجدوى وجود الشجرة من عدمه، فالبعض يرى أنها مفيدة يجتمع تحت ظلها الناس، وهي من وجهة نظرهم لا تؤدي إلى إحداث أضرار، ويقابل ذلك فريق آخر يؤكد دعمه لإجراء إزالة الشجرة والدعوة لاجتثاثها بشكل جذري من بيئة باربار بشكل خاص والمملكة بشكل عام.

وما هو ملفت للنظر ويجدر التوقف عنده، أن الحدث حرك سواكن الوعي الاجتماعي وصار الكثير من أبناء المجتمع المحلي يتسابق للبحث والقراءة لإثراء معارفه عن هذا النوع من الشجر، والتبحر في معرفة مكوناته وموطنه الأصلي وأضراره البيئية والصحية أيضاً، والتسابق لطرح مرئياته وتأكيد معرفته بالشجرة وأضرارها.

وفي سياق الجدل المتصاعد حول الشجرة وإزالتها، شهدنا حواراً لجمعٍ من أبناء باربار في أحد البقالات، طرح خلاله أحدهم ما قرأه في دراسة علمية لأحد الباحثين، تشير إلى أن هذا الفصيل من الشجر يتسبّب في تنشيط الخلايا السرطانية، وتلك المعلومة التي لم نتمكن من تأكيد صحتها من وجهة نظر علمية، تشكّل مصدر قلق للمجتمع المحلي، وصارت هماً مجتمعياً، ودفعت البعض للبحث لمعرفة الحقيقة، وذلك ما فاجأني بالسؤال عن مدى صحته، ابن عمي عبد الإله الوداعي في صبيحة اليوم الثاني لإزالة الشجرة وهو يتأمل المشهد الماثل أمامه حول مخلفات أجزاء شجرة الداماس العملاقة المفروشة على الأرض.

المؤشر الآخر الذي ينبغي التوقف عنده ومعالجته هو الموقف الاجتماعي الايجابي من عملية التشجير وجاهزية المجتمع لبناء شراكة حقيقية، والتعاون مع الجهات المعنية بالزراعة والتخطيط الحضري للعمل على تنظيم حملة لإزالة الأشجار الدخيلة على البيئة المحلية وتشجير المواقع الرئيسة، مع التأكيد على ضرورة أن يجري الأخذ بعين الاعتبار عنصر الجودة في اختيار نوع الفصائل غير الضارة والمناسبة للبيئة المحلية ووضع خطة عمل للتوعية «بأهمية الشجرة في ثقافة الأجداد»، وتوسيع الرقعة الخضراء، ويجري وفق منهجها الاهتمام بزراعة أشجار «النخيل والسدر واللوز»، وغيرها من الأشجار التي تتناسب مع البيئة المحلية وتخدم إنجاز أهداف الاستراتيجية الوطنية للبيئة وتلبي متطلبات أهداف التنمية المستدامة.

خلاصة القول ان الحدث أثار اهتمام المجتمع بقضايا البيئة وساهم في تحفيزه للمبادرة لطرح الأفكار المفيدة لتنوير المجتمع المحلي حول قضايا السلوك البيئي والواجب الاجتماعي في صون الرقعة الخضراء والمساهمة في حركة التشجير وإعداد البرامج والمناشط الاجتماعية التي تسهم في تعزيز الشراكة المجتمعية في صون معالم النظام البيئي وحماية محيط الانسان.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4199 - الخميس 06 مارس 2014م الموافق 05 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً