العدد 4203 - الإثنين 10 مارس 2014م الموافق 09 جمادى الأولى 1435هـ

الحمد لله... اتفقنا

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«السابعة والبرد جايد… تجلب الغواص من أقصى البعايد»، هذه مطلع أهزوجة بحرينية كانت تردد في زمن الغوص على اللؤلؤ، وهي مشهورةٌ بين أفراد المجتمع البحري، ويطلق عليها البحارة «السابعة». وتقال في غالب الأحيان خلال رحلة العودة إلى أرض الوطن حين بدء «القفال» لموسم الغوص مع نهاية شهر سبتمبر/ أيلول ومطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول.

ولكن هذه الأهزوجة لم تتم ترانيمها كاملةً في مساء الجمعة الرهيب للثامن والعشرين من شهر سبتمبر لعام 1925، لأنه كان عام المأساة الكبرى التي مرت بها البحرين من أقصاها إلى أقصاها... إنه «عام الطبعة».

في تلك المأساة الإنسانية، كان حتى النوح، والبكاء، والعويل واحداً في البحرين، لم يعرف الشعب الأصيل حينها أي معنى للشماتة أبداً. وبأنين جسد واحد بين القرى والمدن، بين الساحل والداخل، بين القبيلة والعشيرة، وبين الأسرة والفرد، هبّ الجميع نساءً وأطفالاً، ومن بقي في البلاد من الرجال؛ إلى ساحل البحر وهم مشدوهين يبكون باسم البحرين، وبقلبٍ واحد، أهاليهم وذويهم، ورجال الغوص، متشوقين لأي خبر عنهم يسر الفؤاد، وعمّن نجا منهم في عودته للأحضان البحرينية الأصيلة الدافئة. كان الجميع يواسي الجميع، في غريق، ومفقود، وغائب... كانت سنة الطبعة حقاً رغم مأساتها ورعبها؛ خير عنوانٍ لتلاحم وتراحم أهل البحرين، أهل الغيرة والوفاء لبعضهم البعض. وما أصاب البلاد من جراء ذلك الإعصار من خسارة فادحة في الأرواح والممتلكات، لم يكن من السهل تعويضه وجبر خواطره إلا بتعاون الأهالي بعضهم مع بعض، يداً بيد، وقلباً بقلب، لبعث الحياة من جديد في جزر أوال.

حتى ما حدث من دمارٍ بسبب الإعصار في المحاصيل الزراعية والممتلكات؛ تحمله هذا الشعب الصبور، بالتكاتف والتعاون، ومدّ اليد البيضاء بين من يستطيع لمن لا يستطيع، لأن الإيمان بأن البلد واحد، والشعب واحد، كان أهم شعارات تلك المرحلة العزيزة من عمر هذه الجزر، حتى تعافت البلد والناس بعد فترات، واتفق الجميع أنهم يعيشون تحت سقفٍ واحد، إذا انهار فهو سيؤذيهم جميعاً، كما هي الطبعة.

واليوم كذلك هناك اتفاقٌ، رغم كل ما يحيط بالأزمة الحالية من تجاذب واختلافات هنا وهناك، فجميع أهل البحرين اتفقوا خلال أسبوع واحد فقط على ما لم يتفقوا عليه خلال ثلاث سنوات. فهم قد اتفقوا في الرأي، على الأقل، على ثلاث قضايا رئيسة في الساحة، سواءً أكانت متعلقةً بالشأن المحلي، أم الخليجي، أم العربي والدولي. فأولها، هو الاتفاق على إدانة العنف والإرهاب أياً كان مصدره، فها هو الشيخ عيسي أحمد قاسم قال بصراحةٍ: «نُحرّم القتل والظلم لأي شخص وندين العنف والإرهاب»، وكذلك الشيخ فريد المفتاح يقول: «ينبغي على الجميع إدانة الإعمال الإرهابية الجبانة انطلاقاً من نصوص الكتاب والسنة». وها هو السيد عبدالله الغريفي يؤكد أن «إدانتنا لحادثة الديه استجابة للتكليف الشرعي». وكذلك سارت الجمعيات السياسية، معارضةً أم معارضة للمعارضة، كما يقال؛ في نفس المنحى والتوجّه من إدانة العنف والإرهاب والقتل والتفجير أياً كان مصدره، ومهما بُرّرت أسبابه، وأياً كان مرتكبوه.

وثاني الاتفاق، هو حول مكانة المرأة في مجتمع اليوم ضمن مشاركتنا في الاحتفاء بيوم المرأة العالمي، وقريباً عيد الأم، ولا عزاء للرجال. وإن كانت طريقة الاحتفاء تكون كُلاً «على قدر أهل العزم تأتي العزائم». وذلك، كما يقال كل عام تقريباً، بالبحث عن مكانة أفضل لها في عالم اليوم، كأمٍّ أولاً، ومربيةٍ ثانياً، وناشطةٍ ثالثاً في كل مناحي الحياة، وقائدةٍ لزاويةٍ من زوايا المجتمع مع الرجل، وإن كان ليس بشكل مساواة كما تطلبها بعض النساء في حِراكهن. ولكن الأهم والذي لم يتم التركيز عليه هو احترام وجود المرأة، وصون عرض المرأة، وتوفير الكرامة لها وعدم التعمد بإهانتها وتحقيرها عند المفترق، وفي المدرسة، وداخل البيوت، وفي الخفاء، وفي العلن بالطرقات، وأمام الملأ من الناس.

أما القضية الثالثة المتفق عليها بين جميع أهل البحرين، كما يبدو مؤخراً، هو وشم صفة الإرهاب علناً ورسمياً وبقوانين معاقبة على جسد كل من ينتمي لحركة الإخوان المسلمين وتنظيماتها، والتكفيريين من أمثال أتباع ما تسمى بـ «جبهة النصرة»، وأفراد ما تسمى بـ «داعش»، والقاعدة الأم طبعاً، وفروعها في كل مكان.

إذاً، فنحن متفقون ولله الحمد أخيراً في شئ من أشياء، وهناك مشتركاتٌ بيننا برزت في الساحة مؤخراً، وسط الدخان والعتمة، وتشوش المفاهيم وتعدد الرؤى.

وكما تجاوز أهالي البحرين متكاتفين «سنة الرحمة»، كذلك تجاوزوا «سنة الطبعة»، ولسوف يتجاوزون «سنوات الأزمة» أيضاً، بإذن الله وبإصرار أهل الحكمة والبصيرة، والرؤى الثاقبة والقلوب الكبيرة، العاشقة للوطن في كل حين، وفي كل لحظة من حين.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4203 - الإثنين 10 مارس 2014م الموافق 09 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 2:47 ص

      مقولة

      أرجو الا تكون " اتفقنا على الا نتفق" .

    • زائر 8 | 2:25 ص

      لا تنسى تصريح وزيرة شئون الاعلام ان هذا شأن داخلي خاص بالسعودية !

      أما القضية الثالثة المتفق عليها بين جميع أهل البحرين، كما يبدو مؤخراً، هو وشم صفة الإرهاب علناً ورسمياً وبقوانين معاقبة على جسد كل من ينتمي لحركة الإخوان المسلمين وتنظيماتها، والتكفيريين من أمثال أتباع ما تسمى بـ «جبهة النصرة»، وأفراد ما تسمى بـ «داعش»، والقاعدة الأم طبعاً، وفروعها في كل مكان.

    • زائر 7 | 2:23 ص

      دعوة للجميع

      ارحعوا الى تعاليم الاسلام واتركوا عنكم تعاليم الجاهليه فهي لن تؤدي الا الى غرق المركب بمن فيه

    • زائر 5 | 1:13 ص

      يالله

      يا رب اجعل بحريننا الغاليه امنه يا ربي..... الفرج من عندك يا ربي ... ترجع الفرحه في قلوب الناس يا ربي نسالك الفرج ....

    • زائر 4 | 11:37 م

      الحمدلله

      الحمدلله.. ان شاء الله يكون اهل البحرين دائما متفقين.. وادام الله المحبة بيننا..

اقرأ ايضاً