العدد 4220 - الخميس 27 مارس 2014م الموافق 26 جمادى الأولى 1435هـ

أناشيد لإصرار ضد بكائيات اليأس

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

على شبكات التواصل العنكبوتية العربية تنتشر كتابات النّادمين واليائسين ومثبطي العزائم. منهم من يبكي تحطّم أحلام جيله القومية في قيام الوحدة العربية، وفي تطبيق مبادئ الاشتراكية، وفي حريّة الأوطان وفي النضال الشعبي العربي الواحد.

ومنهم من وصل إلى حافة اليأس من إمكانية تحقيق أيّ إصلاح في مجتمعات العرب المتخلًفة الموبوءة بأمراض الطائفية والقبلية والتزمُّت الديني.

ومنهم من يريد أن ينقل قنوطه وتعب ذاته وضياعه إلى أجيال المستقبل، وبالذات شباب ثورات وحراكات الربيع العربي.

والمحصّلة أن جميع هؤلاء يريدون إدخال الأمة في دوّامة النقد العاطفي السلبي العبثي للماضي والحاضر، بدلاً من ممارسة النقد الإبداعي الموضوعي المحفّز والمجيّش لقوى الأمة والمشجّع على السير في الدرب النضالي الطويل، دون إضاعةٍ للوقت بلطم الخدود وذرف الدموع، والبكاء الطفولي المعيب على فرص مبشّرة كبرى ضاعت لأننا لم نحافظ عليها كالأناس الناضجين العاقلين.

بصراحةٍ تامةٍ، ليس الآن أوان مثل تلك الكتابات، وإذا كان أصحابها قد تعبوا من المشي في دروب النضال الصعبة، وانطفأت في داخلهم أنوار الإصرار على مقارعة مظالم الحياة العربية فليخرجوا من تلك الدروب، وليجلسوا تحت ظلال شجر القنوط والاستكانة بانتظار تعفًّن أرواحهم البطيء.

ذلك أن الأمة لا تحتاج في ساحات معاركها الحالية للنائحين المولولين، وإنما هي بأشد الحاجة لمنشدي أناشيد النصر الآتي، طال الزمن أو قصر، ولعازفي سمفونيات القدر المجلجل الذي يدقُّ على الأبواب بيد شباب القوة والشجاعة والاستهانة بالسجون والتعذيب والموت على يد الطغاة الظالمين.

بعد هذه المقدّمة، وهي نقد وإشفاق ورجاء، دعنا نطرح الأسئلة التالية: ما الذي يجعل من هؤلاء نائحين يائسين ومتعبين؟ أهي العثرات والإنتكاسات، بل وحتى الهزائم، التي حلت في هذه الساحة أو تلك من ساحات ثورات وحراكات الربيع العربي؟ فماذا كانوا ينتظرون؟ أن تكون مسيرة الثورات وحراكات التغييرات الكبرى نزهةً ولبناً وعسلاً، لذةً لغير المضحّين الفاعلين؟

الجواب على تلك الأسئلة واضحٌ مدوٍّ في تاريخ انتفاضات البشرية الكبرى عبر القرون. لم توجد قط ثورة أو حركة تغيير كبرى دون آلام وأثمان مدفوعة، وصعود وهبوط، وانتصارات وهزائم، وفترات قنوط وساعات أمل. وإذاً فلماذا الخاصيّة المحبطة المضعفة التي يراد إلصاقها بالعرب دون سائر البشر؟

ثم.. هل الربيع العربي شجرة لا جذور لها ولا تربة؟ أليست ممتدة في نضالات التاريخ البعيد ضد مظالم الملك العضوض وزبانيته ومرتزقته، ضد زحف المغول والتتار، ضد الاستعمار والصهيونية، ضد مؤسسات الحكم اللاديمقراطية، ضد استئثار الأقلية بخيرات الأوطان، ضد التخلف الحضاري وغياب التجديد والإبداع، ضد وضد... إلى ما لا نهاية؟ فهل هذه شعوب تستأهل الذم والهجاء واليأس من مستقبلها ومن شبابها؟

وهل يراد لملايين العرب الشهداء الذين ضحّوا في سبيل رسالات السماء ونداءات الأنبياء وألق الحرية وكرامة الإنسان وعدالة الحياة وأخوة البشر والمساواة في الفرص، هل يُراد لهم أن يبكوا في وحشة وسكون قبورهم حسرةً على ما بذلوا وما ضحُّوا؟

ثم.. ألا تكفي أصوات الخزي والعار من خدم السلطان والمال والجاه الشامتين الراقصين على أوجاع ومآسي الآخرين حتى نضيف إليها أصوات اللّطم واليأس والانسحاب الذليل؟

من هنا الأهمية القصوى أن لا يقف المؤمنون بقدرات شباب العرب الهائلة، بسخائهم في بذل التضحيات؛ بأحلامهم في أن يعيشوا في عوالم الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية؛ بحقّهم في تكافؤ فرصهم وتساوي مواطنيتهم، في كل ذلك وأكثر. أن لا يقفوا متفرّجين وهم يرون جحافل الشماتة واليأس ينعقون، سواءً بقصدٍ أو بغير قصد، وذلك بدلاً من أن ينشد هؤلاء المؤمنون بشباب الأمة أناشيد الحياة والأمل والصعود والفرح والصبر.

ما يحتاج هؤلاء الشباب أن يسمعوه ليل نهار هو ما فجّروا به ثوراتهم وحراكاتهم: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابدّ أن يستجيب القدر. هم بحاجةٍ، وهم يستعيدون أنفاسهم، أن يسمعوا ما قاله شاعر إيرلندا سيموس هيني: كم مرة في حياة الإنسان تصعد موجة العدالة التي كانت شوقاً عند ذاك، يتناغم الأمل والتاريخ. نعم ويتحرك التاريخ إلى الأمام ويصعد إلى الأعالي.

منذ خمسين سنة وقف الزعيم العمالي البريطاني الشهير هيو جيسكل يخطب في مؤتمر حزبه: «هناك منَّا من سيحاربون، ويحاربون، ثمّ يحاربون مرةً أخرى لإنقاذ الحزب الذي نحب». في ساحات محن بلاد العرب الحالية لينشد شباب العرب بأنهم سيحاربون، ويحاربون، ثم سيحاربون مرةً أخرى لإنقاذ انتفاضة أمتهم التاريخية عبر وطنها العربي الكبير، ورغم كل المعترضين المولولين اللاطمين.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4220 - الخميس 27 مارس 2014م الموافق 26 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:05 ص

      ثورات من الكلمات

      الأحلام تأخذ مساحة كبيرة من العقل العربي لذا فأن خروجها من الحلم إلى الواقع منذ النصف الثاني من القرن الماضي كان مستحيلاً لأن هذه الاحلام لم تكن تحمل مؤهلات تجسيدها في الواقع العربي الجديد خلال الحقب الماضية وكذلك في الوقت الحاضر لأن الاحلام متى ترتبط بالأوهام تصبح خرافة تتبخر في كل محاولة بإمكانية الاعتقاد بوجودها .كما أننا نستطيع في أفق مخيلتنا أن نخلق أوهاماً من الثورات ولكنها لا تعدوا كونها مجرد ثورات من الكلمات. مع التحية سعيد دلمن

اقرأ ايضاً