العدد 4233 - الأربعاء 09 أبريل 2014م الموافق 09 جمادى الآخرة 1435هـ

هوس التدمير الذاتي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الذي يتفكر في أوضاع الأمة العربية وشعوبها يصاب بالعجب العجاب لما هي عليه من هوس التدمير الذاتي، والاحتراب الداخلي، والمزيد من التفتيت للكيانات السياسية وللمجتمع، أو تفتيت ما هو مفتت أصلاً.

إن وراء ذلك تاريخاً طويلاً من الحروب بجميع أنواعها، حروب من أجل السلطة، وحروب دينية ومذهبية وطائفية وقومية، ومناطقية وحدودية، حتى أن السلم والاستقرار لم يتحقق إلا في ظل دول السيطرة كالدولة العثمانية أو الاستعمار الغربي، البريطاني والفرنسي والاسباني والبرتغالي، وهو سلم واستقرار مفروض بالقوة والإكراه. ولنترك ذلك التاريخ وراءنا، وقد لاحت فرصة تاريخية أمام العرب أن يتوحدوا كباقي الأمم التي خضعت للاستعمار والتقسيم مثل الصين وفيتنام والهند، وبعد أن تحررت جميع الدول العربية من الاستعمار والاحتلال، باستثناء فلسطين، أما من خلال حروب تحرير وطنية كالجزائر والمغرب واليمن، أو من خلال مقاومة وطنية كتونس ومصر وسورية ولبنان، أو من خلال ترتيبات «سلم واستلم» كدول الخليج وليبيا والصومال والسودان والأردن.

وبغض النظر عن ذلك وطبيعة الأنظمة السياسية في ظل الاستقلال التي ترتبت على تصفية الاستعمار، فقد اتفقت إرادة الدول العربية على إقامة جامعة الدول العربية في 1945 لتمثل البيت العربي، الذي يلتئم ضمنه العرب، ويتعاونون ويتوحدون.

وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأت مسيرة التدمير الذاتي، وبدأها العسكر، وتتالت الانقلابات العسكرية بدءاً بسورية وتوالت في مصر والعراق والسودان وليبيا والجزائر، إضافةً إلى محاولات فاشلة في الأردن والمغرب وغيرها. وقد يكون بعض هذه الانقلابات مبرراً، بل وطرحت برنامجاً للتغيير الايجابي، واعتبرت نفسها ثورة كثورة 23 يوليو 1952 التي أوفت بمعظم وعودها، لكن الغالبية لم تترتب عليها أنظمة أفضل من تلك التي انقلبت عليها، بل أسوأ بكثير وخصوصاً فيما يتعلق بالحريات وإدارة الاقتصاد والتنمية. وقد أدى ذلك إلى شيوع نزعة الانقلابات المضادة أو الانقلاب على الانقلاب، محدثةً اضطرابات واسعة، خصوصاً في العراق وسورية، وانهيار الصومال، وجمود الحياة السياسية كما في ليبيا والجزائر ومصر.

الانقلابات العسكرية شهدتها العديد من بلدان العالم النامي خصوصاً أميركا اللاتينية، بسبب انسداد آفاق التطور السياسي وغيره، لكننا اليوم نرى أن أميركا اللاتينية تجاوزت هذه المرحلة، وفي جميعها سلّم العسكر السلطة طوعاً لحكومات منتخبة كما في البرازيل وتشيلي والأرجنتين وغيرها، بل إنه مع سوء عسكرهم فإنهم لم يدمّروا النسيج الوطني والمجتمعي، ولم ينهبوا البلاد والعباد، ولذا لم تعطّل التنمية كثيراً، واستأنفت الحياة السياسية السوية. أما عندنا فقد دمّر العسكر الحياة السياسية ودمّروا الاقتصاد ومزّقوا المجتمع، وإذا تخلّوا عن السلطة تركوا البلاد خراباً يباباً، ولنتفكر في أوضاع العراق وسورية ومصر والصومال.

الظاهرة الثانية، انه رغم وجود أنظمة ملكية أو جمهورية في دول الاستقلال تحتمل التطور وبها أجنة النظام الديمقراطي كالأحزاب والنقابات والبرلمان، فإن كلاً من الأنظمة والمعارضات لم يتعايشا، فسرعان ما جرى تزوير الانتخابات وامتهان السلطات، وتراجعات كثيرة وبالمقابل لجأت المعارضات إلى المواجهة والتحالف مع العسكر للإطاحة بالأنظمة كما جرى في سورية والعراق مثلاً.

ثم جاءت المرحلة الثانية من صراع القوى العسكرية/ المدنية على السلطة بعد الإطاحة بالأنظمة، بحيث دخلت بعض البلدان مثل سورية والعراق واليمن والصومال والسودان في صراعات دموية تطورت إلى حروب أهلية كما في شمال العراق والصومال والسودان. وحتى في البلدان التي لم يتطور فيها الصراع إلى تلك الدرجة من العنف، مثل دول الخليج، لأسباب عديدة، فقد خابت وعود الاستقلال بإقامة دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية وغيرها، وأسس لأنظمة تسلطية احتكرت الثروة والسلطة، وجرى التراجع عن أنوية التطور مثل البرلمان الحقيقي المنتخب كما في البحرين وإلى حدٍ ما الكويت، بينما وقف الآخرون بحدود مجالس شورى لا تحل ولا تربط. ومع تشكل أنظمة عربية في غالبيتها تسلطية ويغلب على عدد منها طابع القبلية (كما في الخليج) أو المناطقية كما في مصر (المنوفية) أو العراق (تكريت) أو سورية (الساحل) أو الجزائر (شرق)، وضيق دائرة متخذي القرار، وتحول الجمهوريات إلى مملكات وتوارث الحكم جمهورياً أو ملكياً ضمن الأسرة الحاكمة، فقد ترتب على ذلك أن مركز الحكم يمكن أن يتخذ أخطر القرارات دون تبصر أو محاسبة.

وأمام الاخفاقات الداخلية، كان لابد من افتعال معارك باسم الوطنية والقومية، وهكذا دخلت الدول العربية في معارك مع بعضها البعض، بعضها بارد وبعضها ساخن. وهكذا ومنذ الخمسينيات دخلت البلدان العربية في صراع المحاور، ما بين محور التغيير الثوري بقيادة مصر المدعوم من المعسكر الاشتراكي في مواجهة المحور المحافظ بقيادة السعودية والمدعوم من المعسكر الغربي، ومن تجلياته انفصام وحدة مصر وسورية وحرب اليمن والانقلابات بالوكالة.

كما تجلت هذه السياسة الخطرة في اندلاع الحروب الحدودية، كما بين الجزائر والمغرب على تندوف، ومصر وليبيا على السلوم، ومصر والسودان على حلايب واشتباكات السعودية وقطر، والسعودية وعمان على البريمي، والسعودية واليمن، وعمان واليمن الجنوبي وغيرها من الخلافات المستمر أغلبها حتى اليوم. بل وصل الأمر إلى ادعاءات بالسيادة تبعها احتلال وإلحاق كاحتلال العراق للكويت، وانشطار السودان إلى شطرين وتشظّي الصومال، وما يشبه الاحتلال السوري للبنان بتفويض دولي من جامعة الدول العربية.

وفي كل هذه الصراعات، كانت جامعة الدول العربية، والتي تقوم على اتفاقيات ملزمة، ومنها اتفاقية الدفاع المشترك، هي الغائب الأكبر وعجزت عن قيادة العرب لتحرير فلسطين، ومواجهة الحروب العدوانية الإسرائيلية المتتالية، وعجزت عن إيقاف الصراعات العربية العربية بما فيها المسلحة، وغالباً ما تنتهي الصراعات والنزاعات العربية إلى إحالتها من قبل الجامعة إلى مجلس الأمن والذي بدوره يفوّضها للدول العظمى التي لا تتردد في استثمارها لصالحها، كما جرى في إنزال قوات المارينز في لبنان، وحرب التحالف الدولي بقيادة أميركا لتحرير الكويت ومن ثم غزو العراق، والحرب الأميركية في الصومال، وأخيراً دور الأمم المتحدة في السودان. وهناك حرب بالوكالة في سورية ويمكن أن يكون اليمن التالي، والقادم أعظم.

هل من تفسيرٍ لهذه العقلية العربية التدميرية؟ هل من تفسير لهذا الهوس بتدمير الذات؟ هل من تفسيرٍ لفشلنا في تغليب المصلحة القومية والوطنية والجماعية، لصالح المصالح الضيقة والفئوية والقصيرة المدى؟ هل من تفسير لهذا النزق العربي والذاتية المفرطة في التعاطي مع جميع القضايا من أبسطها كالانتظام في طابور حتى أخطرها مثل مواجهة «إسرائيل»؟

ليس عندي من جواب وأنا حائر مثلكم. بالطبع ليس لأن العرب قوم دونيون، وليست الجينات التي يحملونها وليس العنصر العربي هو السبب. لقد سبق للعرب أن شيّدوا حضارة مبهرة، وأبرز تجلياتها في الأندلس، كما قدّموا إسهامات جليلة للحضارة العالمية وتقدّم البشرية في جميع المعارف والعلوم.

وهناك أممٌ عانت مثلهم وأكثر من الاستعمار والاحتلال والتمزق، ونجحت في استعادة سيادتها ووحدتها وهي تتقدم بشكل حثيث كالصين والهند وفيتنام، لكن هناك خللاً عميقاً في الأمة العربية يتوجب تحليله وكشفه.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4233 - الأربعاء 09 أبريل 2014م الموافق 09 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:01 ص

      التدمير الذاتي

      سياسة من دون مبادئ، ثروة من دون عمل، لذة من دون ضمير، معرفة من دون سلوك، تجارة من دون أخلاق، علوم من دون إنسانية، وعبادة من دون تضحية-غاندي

    • زائر 4 | 4:23 ص

      الجامعة العربية

      جامعة الدول العربية هياكل ديكورية شكلية من الإرث الاستعماري ..الاستعمار لن يترك لهذه المنطقة أرثاً يمكن إصلاحه وتطويره ..كما أن القوى السياسية التي تأسست في هذا الإطار الاستعماري السياسي المورث أثبتت تاريخياً تخلفها و فشلها وعدم أهليتها لأي دور سياسي تساهم فيه في هذه المنطقة المنكوبة

    • زائر 3 | 3:57 ص

      انها سياسة فرق تسد

      اتوقع المشكلة في ان الحكام اما جهله او مسيطر عليهم من قوى خارجية و الحكم يعملون ليل نهار على تفريق الناس لكي لا يجتمعو ف يصبحو قوة تستطيع تغيير الحكام

    • زائر 2 | 2:41 ص

      تستغرب ليش ؟

      ادا ازدت لهده المجموعه من البشر ( ولس الأمه ) ان تصطلح فليس امامك سوي توزيعهم علي مختلف الأصقاع النائيه المقفره للتخلص منهم والابقاء علي 10% منهم فقط والبدء بأغادة تاهيلهم بشريا فلربما تكون فيهم جينات العظماء ممن فتحوا العالم وشيدوا حضارة الأندلس داك الفردوس الفقود . قل لي بربك لو لم ينعم الله علينا بالنفظ فأين سيكون مكاننا بين الأمم ؟

    • زائر 1 | 1:05 ص

      شكرا

      لم تنتهي داحس والغبره يفكرون في جمع المال والجاه والبطولات الوهميه

اقرأ ايضاً