العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ

التنوع البيولوجي الجزري

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التنوع البيولوجي يشكل مصدراً اقتصادياً ومعيشياً لحياة المجتمعات المحلية في الجزر، ونظراً لأهميتها الاستراتيجية في منظومة الأمن الاقتصادي والاستقرار للمجتمع الجزري في البقاع المختلفة من العالم.

وأخذاً في الاعتبار التدهور المتصاعد للتنوع البيولوجي نتيجة الأنشطة غير الرشيدة، الممنهجة وغير الممنهجة، التي تسببت في فقدان موائل التنوع الحيوي للجزر في العديد من البلدان، اختارت الأمم المتحدة شعار «التنوع البيولوجي الجزري»، للاحتفال باليوم العالمي للتنوع البيولوجي الذي صادف الخميس (22 مايو/ أيار 2014).

وبمناسبة اليوم العالمي للتنوع البيولوجي وجّه الأمين العام للأمم المتحدة رسالةً إلى العالم، حدّد بموجبها مفاصل مهمة في شأن الأهمية الاستراتيجية للتنوع البيولوجي لحياة الملايين من البشر، ونوّه إلى أن التنوع البيولوجي يعد «جزءاً لا يتجزأ من الأنشطة المعيشية والدخل والرفاه والهوية الثقافية لنحو 600 مليون من سكان الجزر، أي ما يقرب من عُشر سكان العالم». وبيّن أن «نصف الموارد البحرية العالمية يكمن في مياه الجزر. وتستأثر الصناعات القائمة على التنوع البيولوجي مثل السياحة وصيد الأسماك بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للدول الجزرية الصغيرة النامية. وتوفر الشعاب المرجانية وحدها ما يقدر بمبلغ 375 بليون دولار من العائدات السنوية في السلع والخدمات»، «وأن العديد من الأنواع الجزرية الموجودة في البر والبحر لا نظير لها في أي مكان آخر على وجه الأرض، وتشهد هذه الأنواع على ما تركه لنا التراث التطوري الفريد، وتعد باكتشافات تتراوح من الأدوية والأغذية إلى أنواع الوقود الأحيائي في المستقبل».

الرسالة وثيقة مهمة تفند المخاطر المحيطة بمنظومة التنوع البيولوجي حيث تشير إلى أن «التنوع البيولوجي للجزر يتناقص بمعدل لم يسبق له مثيل في مواجهة المخاطر المتزايدة. وتلحق عوامل مثل ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ، وتحمّض المحيطات، والأنواع الغريبة الغازية، والتلوث، والصيد المفرط، والتنمية غير الرشيدة بهذا التنوع أضراراً فادحة. وتواجه أنواع كثيرة خطر الانقراض. كما تتأثر سبل معيشة الناس والاقتصادات الوطنية أيما تأثر جراء ذلك». ويجري وفق ذلك توجيه نداء إلى المجتمع الدولي بضرورة العمل على تبني ثوابت التوجه لإعادة تأهيل النظم البيئية للتنوع البيولوجي للجزر، وصون هذه الثروة الانسانية.

وتكمن الأهمية الاستراتيجية للتنوع الحيوي للجزر في تحسين مستوى معيشة قطاع واسع من السكان في العالم؛ وفي مكافحة آفة الفقر المتصاعد نموها في مجتمعات الجزر؛ وإدراك المجتمع الدولي للمخاطر المتنوعة في مكوناتها التي تتسبب في تدهور موائل هذه الثروة الانسانية. وهو ما دفع إلى إعارة أقصى الاهتمام في وضع منظومة من الاجراءات وعقد المؤتمرات الدولية المختصة، والتي وضعت مقومات خارطة الطريق الدولية لصون منظومة التنوع الحيوي في الجزر. برنامج العمل المعني بالتنوع البيولوجي للجزر الذي جرى اعتماده في مؤتمر الأطراف العام 2006، ويسري على الأطراف الجزرية والأطراف التي لديها جزر، ويهدف إلى الحد بدرجةٍ كبيرة من معدل فقدان التنوع البيولوجي للجزر، كمساهمة في التخفيف من وطأة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة للجزر، وخصوصاً الدول الجزرية الصغيرة النامية، يشكل أحد البرامج الدولية المهمة ضمن خطة العمل لصون التنوع الحيوي للجزر. ويوفر برنامج العمل إطاراً للسياسات والتشريعات والبرامج والتدابير ذات الصلة والشراكات دون الإقليمية والإقليمية وبرامج التعاون الإنمائي وشراكات بناء القدرات اللازمة لصون التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام.

إن الخاصية الاستراتيجية للتنوع الحيوي، الاقتصادية والمعيشية والنفسية والبيئية للجزر، أسهم في جعلها ركيزةً محوريةً في ثقافة وتقاليد مجتمعاتها المحلية. وإدراكاً لهذه الخصوصية في استراتيجة العمل لصون هذه الثروة الانسانية، جرى التأكيد على أهميتها في ديباجة الاتفاقية الدولية بشأن التنوع البيولوجي التي أكدت على أن الأطراف في الاتفاقية تدرك أهمية «ما درجت عليه المجتمعات والسكان الأصليون ممن يجسدون أنماطاً تقليدية للمعيشة من الاعتماد التقليدي الشديد على الموارد البيولوجية، واستصواب الاقتسام العادل للفوائد الناجمة عن استخدام المعرفة والابتكار والممارسات التقليدية ذات الصلة بصيانة التنوع البيولوجي واستخدام مكوناته على نحو قابل للاستمرار».

والخليج يحوي ما يزيد على مئة جزيرة، أكبرها جزيرة قشم وتليها جزيرة بوبيان الكويتية، ويصنف الباحث حميد العلوي في كتابه «الثروة البحرية في الخليج العربي» التنوع البيئي في الخليج بستة أنواع «تتمثل في بيئات الحشائش والأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية، والموائل اللينة، والموائل ذات القيعان الصخرية، ومسطحات النباتات الملحية، وأشجار القرم». وتزخر هذه البيئات بثروة متنوعة للأحياء البحرية في حاجة إلى حماية.

والبحرين وفق معلومات جهاز المساحة والتسجيل العقاري «عبارة عن أرخبيل من الجزر، يتألف من 33 جزيرة أكبرها جزيرة البحرين»، ويتبنى أهلها منذ القدم ثقافة تقليدية ترتكز على منظومة من القيم التي تنظم ثقافة العلاقة الرشيدة مع التنوع الحيوي الذي تتميز به النظم البيئية للجزر، وينبغي الاستفادة من هذه الثقافة في وضع خطة عمل تنفيذي تضمن منظومة من الإجراءات ترتكز على معايير علمية ممنهجة، وبناء نظام قانوني فاعل يرتقي إلى مستوى معايير المشروع الدولي البيئي للتمكن من إنجاز الأهداف الوطنية لصون التنوع الحيوي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً