العدد 43 - الجمعة 18 أكتوبر 2002م الموافق 11 شعبان 1423هـ

الجدوى الاقتصادية والبيئية لزراعة أراضي المملكة بـ «الساليكورنيا»

«الشُّمْرَة البحرية» موجودة في خليج توبلي!

الوسط - عبدالحميد عبدالغفار 

18 أكتوبر 2002

 تقدم آرثر كلارك ببحث قيِّم ترجمه إلى العربية محمد عبدالقادر الفقي. ونظرا إلى أهمية هذا البحث الذي قدم إلى مجلة «القافلة» في عددها الصادر في أغسطس/ آب 2000، والتي تصدر عن إدارة العلاقات العامة بشركة «أرامكو» السعودية، وجدت ضغطه في هذا المقال، تاركا إلى الباحث وصاحب القرار مراجعة تفصيلاته في دورية «القافلة» التي أصدرتها شركة «ارامكو» بالمملكة العربية السعودية في عددها 49، أو مخاطبتهم إلكترونيا على العنوان الآتي: al-qafilah@aramco.com.sa يقول آرثر كلارك: الحياة لا تعطي خيراتها لكسول عاجز، والأحلام لا يحققها المتواكلون، والظفر بالنجاح لا يكون إلا بالجد والإبداع. وتخضير الصحراء حلم قديم جديد، وتحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس ضرب من المقامرة المحسوبة، التي تعتمد على الدراسة العلمية الجادة، واستقراء التجارب العالمية السابقة في هذا المجال، وتطويرها لخدمة القائمين على هذه المغامرة.

وقد جمعت روح المغامرة بين مجموعة من الرواد الذين آلوا على أنفسهم أن يقتحموا عالم الصحراء الجاف المقفر، فيحولوه إلى بساط اخضر يسر الناظرين، ويزود أهل الأرض بالطعام والغذاء من دون تعد على الموارد المائية الجوفية العذبة. أما الموقع الذي تم اختياره لهذه التجربة الجريئة فهو رأس الزور على الساحل الشمالي الشرقي للمملكة العربية السعودية. ولكن، ما هو ذلك الشيء الذي جمع بين هؤلاء.
«الشُّمْرَة البحرية - الساليكورنيا»
نبات تعددت أسماؤه، فهناك من يطلق عليه «الشُّمْرَة البحرية»، وهناك من يعده من «الاشنان»، وفريق آخر يُؤثِر استخدام الاسم العلمي «الساليكورنيا»، وربما كانت كثرة الأسماء دليلاً على عظمة المسمى. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن الأنواع المختلفة من «الساليكورنيا» تنتمي إلى فصيلة «الهالوفيت» التي تعني بالعربية: نبات البيئة المالحة. إن هذا النبات الغريب يعد أحد نباتات المحاصيل ذات العائد التجاري العالي. بل هو في مقدمة تلك المحاصيل بغير منافس.
يرجع سر الاهتمام بـ «الساليكورنيا» إلى قدرته العظيمة على الارتواء بـ «مياه البحر»!، بل وتحمُّل ملوحة مياه الخليج العربي (38 ألف جزء في المليون)، التي تفوق ملوحة مياه البحار والمحيطات على مستوى العالم، إذ تتحمل الساليكورنيا ملوحة تصل إلى 50 ألف جزء في المليون (أي 50 ملليجراماً للتر). وفي الأماكن التي تندر فيها المياه العذبة، يمكن للشمرة البحرية أن تمد جذورها في الأرض لتنهل من المياه المالحة، من دون أن يصيبها مكروه!. وهذا يعني ازدهار زراعتها في السبخات والأراضي الملحية. ومن المعروف أن تراكم الأملاح في التربة في منطقة الجذور يتسبب في موت نباتات المحاصيل، وهذا ما تسبب في الواقع في تحول غابات النخيل في الكثير من مناطق المملكة إلى أعجاز نخل خاوية. بيد أن الأمر مع «الشُّمْرَة البحرية» يختلف، إذ يتم التغلب على هذه المشكلة بزيادة كمية الري بالمياه المالحة، وبذلك تنقل المياه الأملاح بعيدا اسفل منطقة الجذور، ثم تتسرب مرة ثانية من التربة باتجاه البحر عن طريق النـز.
الجدوى الاقتصادية
لزراعة «الشُّمْرَة البحرية»
الشمرة البحرية صالحة للأكل، وإن كانت هذه المعلومة غير معروفة إلا للقليلين من الذين أوتوا الخبرة في مجال الأعشاب الشبه بحرية. ولا تتعجب إذا رأيتها يوما ضمن مكونات السلطات الخضراء في قائمة الخضراوات التي تقدمها فنادق الخمسة نجوم في الدول المتقدمة، فهي ذات مذاق خاص مائل إلى الملوحة، وتصدر صوتا مقرمشا عند مضغها.
تزرع الشمرة البحرية على الساحل السعودي لأنها تجود بزيت غذائي افضل من زيت فول الصويا، واكبر حجما منه. ويمكن للكميات الخضراء الكبيرة المتبقية بعد عصر بذور هذا النبات أن تكون علفا مجديا اقتصاديا للحيوانات، وفضلا عن هذا وذاك، فـ «الساليكورنيا» المحبة للملوحة، تنمو في الأماكن التي لا ينمو فيها إلا القليل من النباتات الأخرى.
يذكر أن مشروع زراعة الشمرة البحرية بالمملكة العربية السعودية يتبع الشركة العربية لتنقية المياه المالحة، التي تعرف اختصارا باسم «بحار»، وتمتلك شركة «صافولا» 30٪ من اسهم هذه الشركة، بينما يمتلك مستثمرون وشركات سعودية أخرى النسبة الباقية.
يقول العلماء الذين درسوا هذا النبات: إن نجاح زراعته على الساحل الشمالي الشرقي للمملكة العربية السعودية سيشجع الآخرين على زراعته في بعض الأقاليم التي تتصف بالجفاف وملوحة الأراضي. ومن شأن ذلك أن تصبح زراعته مفيدة في تلبية الاحتياجات الغذائية لكل من البشر والأنعام في أقسى مناطق الأرض جفافا، والتي من بينها مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي. أما المدن التي تحيط بمبانيها مياه البحر، فإن «الساليكورنيا» ستساعد سكانها من الفقراء على الإقبال على زراعتها كغذاء. والى جانب ذلك، فوجود هذه النبتة سيساعد على التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري، إذ ستمتص غاباتها التي تروى بمياه البحر غاز ثاني أكسيد الكربون، وتطلق الأكسجين عوضا عنه.
وبحمد من الله وفضله فإن النجاح الذي تحقق في زراعة الساليكورنيا بالمملكة العربية السعودية شجع فريقا من خبراء الزراعة السعوديين بالتعاون الوثيق مع العلماء الأميركيين على استثماره، بحيث يكون مشروعا تجاريا متكاملا تتوافر له كل مقومات النمو.
يعد الساليكورنيا مهماً لاقتصاديات المنطقة والمملكة العربية السعودية، فهو يوفر مصدرا رئيسيا للزيت النباتي والعلف الحيواني، فالمملكة العربية السعودية تستورد زيوتا نباتية بقيمة بليون دولار في السنة لأغراض الطهي. بينما تستورد دول الخليج الأخرى كميات اكبر من هذه الزيوت. ولهذا فإن هذا النبات سيفتح أبوابا كثيرة لدعم اقتصادات المنطقة وتحقيق أرباح كبيرة.
تتصف أنواع زيت «الساليكورنيا» بجودتها العالية وحجم إنتاجها الوفير، إذ يصل محتواها من الزيت إلى 30٪ تقريبا من إجمالي وزنها الكلي، وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت ببذور غيرها من النباتات. فبذور فول الصويا مثلا تحتوي على الزيت بنسبة تتراوح بين 17٪ و20٪، وذلك وفقا للاختبارات التي أجريت في معمل الأبحاث البيئية التابع إلى جامعة «اريزونا» في تكسون التي تعد رائدة في زراعة الساليكورنيا.
ويحتوي زيت الساليكورنيا على 72٪ من حامض اللينوليك (حامض زيت الكتان)، وهو من الدهون الصحية غير المشبعة. وتقترب هذه النسبة من معدل وجود الحامض في زيت «القرطم» (العصفر)، كما أنها تتفوق على ما هو موجود في زيت الصويا بمقدار الضعف.
يقول الباحثون: إن الساليكورنيا تنتج كميات ضخمة من المادة الخضراء، ويمكن للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى أن تستخدم هذه المادة الخضراء علفاً للدواجن والمواشي والأغنام. وإنتاج هذا العلف محليا سيساعد على تخفيض استيراد أغذية الدواجن والأنعام. كما أن سعره سيمكّن منتجيه من بيعه بأسعار لا تنافسها فيه أسعار العلف الموجودة في السوق.
وقد برهنت تجارب زراعة الـ «ساليكورنيا» على أن زيتها وحده يمكن أن يغزو الأسواق. ففي حقل للتجارب، مساحته هكتاران بمدينة الجبيل الصناعية، بلغ إنتاج الزيت ثلاثة أطنان ونصف الطن لكل هكتار، وهو ما يعادل إنتاج فول الصويا في مقاطعة سيدار التابعة إلى ولاية ايوا الأميركية، التي تضم افضل الأراضي الزراعية في العالم. أما متوسط إنتاج مزرعة «رأس الزور» التي تبلغ مساحتها 250 هكتارا (25 كيلومتراً مربعاً) فبلغ عشرة أطنان من العلف، في حين وصل إنتاج بذور الـ «ساليكورنيا» إلى طن متري لكل هكتار. وليس هناك من شك في أن الدروس المستفادة من زراعة الموسم الأول ستعين القائمين على الزراعة في المواسم اللاحقة للحصول على إنتاج اغزر وبنوعية افضل. وبلغت تكاليف أول محصول 6,7 ملايين دولار، ويتوقع المسئولون عن زراعته أن تقل هذه الكلفة إلى النصف خلال الموسم التالي.
الجهات الآقتصادية و الاكاديمية مطالبة بدراسة تجارب الآخرين
تمتلك شركة «صافولا» التي تتخذ من جدة مقرا لها نصيب الأسد من اسهم شركة «بحار»، وقد ساعدت «صافولا» في تمويل البحوث العلمية التي أجريت في معمل الأبحاث البيئية حول نبات الـ «ساليكورنيا» خلال منتصف الثمانينات. أما شركة «هالوفيت انتربرايزس» التي يوجد مقرها في فوينكس بولاية اريزونا الأميركية فهي التي تقوم بإدارة مشروع «بحار».
في المقابل فإن شركة بحار تمتلك 27٪ من اسهم شركة «فوينكس» التي تأسست لكي تتاجر في تقنية إنتاج الـ «ساليكورنيا» التي طورها معمل الأبحاث البيئية التابع إلى جامعة «اريزونا» بدعم من شخص يدعى وليام وودبرنس، وقد كان هذا الرجل يرأس اتحاد أصحاب حضائر الحيوانات في شيكاغو. وكان من بين فريق الخبراء الزراعيين العاملين في المشروع، جيمس رايلي، وهو أحد كبار الباحثين في معمل الأبحاث البيئية الذين عملوا على تطوير تقنية زراعة الـ «ساليكورنيا».
تستهدف شركة «بحار» زراعة 4500 هكتار (4,5 كيلومترات مربعة) في رأس الزور بالمملكة العربية السعودية، وتشمل هذه المساحة 90 دائرة للري المحوري. وإذا تحقق الهدف من الدراسة، وأثمرت نتائجها المرجوة، فإن الشركة تأمل في زراعة 200 ألف هكتار (2000 كيلومتر مربع) على طول الساحل الشرقي للمملكة. وبذلك يمكن إنتاج 120 مليون كيلوجرام (34 مليون جالون أميركي) سنويا من الزيت النباتي، وفقا للبيانات المستقاة من دراسة جدوى المشروع. ويؤمل أن تؤتي هذه التجربة ثمارها خارج حدود المملكة العربية السعودية، فالدروس المستفادة من زراعة الـ «ساليكورنيا» أفادت في استنباته في أماكن أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، قامت شركة «هالوفيت انتربرايزس» بتنفيذ مشروعات مماثلة في ولايتي جوجارات وراجاثان في شمال غرب الهند، إذ اقتصرت التجربة على 250 هكتاراً، بينما يتمثل الهدف في استزراع 100 ألف هكتار في حال ثبات الجدوى من المشروع.
إن هذا النبات الذي يؤمل أن يكون له دور كبير في الزراعة في المستقبل كان حتى عهد قريب مهملا وغير معروف، وقد سلط معمل الأبحاث البيئية الضوء على هذا النبات منذ منتصف السبعينات حينما بُدئ في دراسة النباتات المالحة كمصدر للغذاء. وقد قام الباحثون التابعون إلى المعمل بجمع نحو 800 نبات من النباتات المالحة من السواحل الملحية والمناطق البعيدة من الشواطئ المتصفة بوجود مياه مالحة في تربتها الزراعية. ولكن الـ «ساليكورنيا» التي جُلبت من السواحل الأميركية حازت على تقدير الباحثين، لوفرة الزيت المنتج من بذورها، ووفرة المادة الخضراء بها. بعد ذلك شرع في استنبات الساليكورنيا حتى تكون منافسا للنباتات المعروفة، لاحتواء بذورها على نسبة عالية من الزيت، مثل فول الصويا والقرطم ودوار الشمس. واستمرت الجهود 18 سنة، بغية تطوير هذا النبات، بينما بلغت تكاليف ذلك نحو 20 مليون دولار أميركي.
وقد جرت عملية تطوير الساليكورنيا عن طريق الانتقاء منذ أوائل الثمانينات، إذ كانت التجارب تجرى في مزرعة تابعة إلى معمل الأبحاث البيئية بولاية سونورا بالمكسيك على الطرف الساحلي لخليج كاليفورنيا، وفي هذه المزرعة انتخبت البذور من أجود العينات، وجرى استنباتها عاما بعد عام، إلى أن أمكن الحصول على نباتات أقوى وافضل إنتاجا للزيت، بعد سلسلة طويلة من عمليات الانتخاب. من الجدير بالإشارة، أن الساليكورنيا سبق زراعتها في حقول التجارب في كل من الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت بجانب زراعتها في مدينة الجبيل بالمملكة العربية السعودية.
وقد برهنت التجارب التي أجريت في المكسيك أن الساليكورنيا لم يتأثر بأملاح مياه الري المأخوذة من البحر، على رغم استمرار الري طيلة 15 عاما. وفي الوقت الذي يوفر فيه البحر المياه للـ «ساليكورنيا»، فهو يوفر كذلك احتياجاته من العناصر الغذائية، وكل ما يتبقى له من هذه الاحتياجات هو النيتروجين، الذي يمكن توفيره عن طريق إضافة اليوريا إلى التربة. وقد أجريت بعض الاختبارات لمعرفة اثر إضافة الفوسفور أيضا، فتبين انه يزيد معدل نمو النبات بشكل ملحوظ. وقد خططت شركة «صافولا» لإنتاج زيت بذور الساليكورنيا بما يعادل 115 مليون دولار، وطرح هذا المنتج في الأسواق.
إن طائفة من الخبراء من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها يقومون بفحص جودة النبات، ولاتزال الاختبارات مستمرة لاختبار جودة زيت الـ «ساليكورنيا» ومدى ملاءمته للاستهلاك الآدمي. إذ تقارن نتائج هذه الاختبارات بالمواصفات والشروط التي حددتها جامعة «اريزونا» وشركة «آرتشر دانيالز ميدلاند» بأميركا. بجانب ذلك، تدرس إمكان استخدام زيت الـ «ساليكورنيا» لإنتاج بعض الأدوية ومستحضرات التجميل، نظرا إلى مزايا هذا النبات الفريدة، التي تجعله مناسبا لصناعة هذه المواد. كما أن بقايا بذور الساليكورنيا بعد عصرها تحتوي على بروتين بنسبة تقارب 40٪، وهي نسبة تقارب ما هو موجود في فول الصويا.
الساليكورنيا تموت في خليج توبلي!
بعد هذا العرض السريع، أشير إلى أن الـ «ساليكورنيا» موجود في خليج توبلي الذي قلصت التنمية العشوائية الأسمنتية مساحته من 24 كيلومتراً مربعاً في العام 1956 إلى 10 كيلومترات مربعة راهنا!. وهنا أتساءل: هل أقدمت مراكز البحوث وغرفة تجارة وصناعة البحرين وبنك البحرين للتنمية على مبادرات ذكية كهذه تستهدف إضفاء القيمة الجمالية والاقتصادية والبيئية للوطن؟ وهل بادر أساتذتنا الجامعيون الأكاديميون في جامعتي البحرين والخليج العربي إلى طرح أفكار مبدعة ودراسات تطبيقية كهذه؟ وهل هناك مبادرات وطنية للقطاع الخاص البحريني شبيهة بما اقدم عليه القطاع الخاص بالمملكة العربية السعودية؟
إنني أتوجه بهذه الأفكار إلى أصحاب القرار، وإلى شئون البيئية والزراعية بمملكة البحرين لدراسة إمكان المحافظة على ما تبقى من الـ «ساليكورنيا» في خليج توبلي، وتطبيق استزراعه على سواحل مملكة البحرين، بعد دراسة دقيقة لتجربة «صحار» خصوصاً، ولكن بعد العناية بتطوير أشجار القرم في خليج توبلي. وآمل في أن تقتدي مراكز البحوث التطبيقية بإعداد دراسات نوعية على هذا الغرار، دراسات قيمة تعود بنفعها على اقتصاد وبيئة مملكة البحرين. وختاما، لنتذكر توصية الأستاذ لنقارن دور مراكز البحث العلمي والجامعات والقطاع الخاص في البحرين بمثيلتها ليس في العالم، بل في دول الجوار، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.

العدد 43 - الجمعة 18 أكتوبر 2002م الموافق 11 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً