العدد 4311 - الخميس 26 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ

النظام العالمي الجديد... أفول أنظمة وصعود قوى جديدة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

كثيرون أطلقوا على النظام العالمي الجديد بأنه نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وبالفعل فقد كان ذلك هو الحال خلال عقد التسعينات في القرن الماضي، حيث تسيدت أميركا العالم ولكن إلى حين، وقد أطلق على هذه المرحلة المفكر الأميركي الياباني فوكوياما بأنها «نهاية التاريخ».

سيادة الرأسمالية للعالم، سواءً كنظام وطني أو في العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية، ساهمت في انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي. ورغم إسباغ صفة التجارة الحرة فيما بين الدول، وصفة اقتصاد السوق الاجتماعي على النظام الاقتصادي الوطني، إلا أن الواقع هو أن الاحتكار يسود غالبية الأنظمة الاقتصادية الوطنية، وفي التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوروبي و»آسيان» و»النافتا»؛ وفي العلاقات الاقتصادية والتجارية والدولية.

وفي ظل هذا النظام الاقتصادي العالمي، تعزّزت التكتلات الاقتصادية وأبرزها الاتحاد الأوروبي، والنافتا في الأميركيتين، و»آسيان» للدول المطلة على المحيط الهادي، وإلى حد ما لكومنولث الدول المستقلة الذي يضم الاتحاد الروسي، ومحيطه من الجمهوريات السوفياتية الآسيوية السابقة. وهناك تكتلات ناشئة مثل تكتل شنغهاي الذي يضم روسيا والصين وبعض بلدان آسيا الوسطى والجنوبية، مع مراوحة الكومنولث الذي يضم المملكة المتحدة ومستعمراتها السابقة مكانه.

وإذا كان شعار جميع هذه التكتلات هو تعزيز التجارة العالمية ونمو الاقتصاد العالمي والرفاه للجميع، إلا أن الواقع هو أن هناك تنافساً شديداً فيما بينها، ما يجعلها تلجأ إلى نظام الحماية.

من الظواهر المهمة، هو بروز ما يعرف بمجموعة الاقتصاديات العملاقة الناشئة، أو ما يعرف اختصاراً (بريكس)، التي تضم البرازيل وروسيا والصين وكوريا الجنوبية والهند، والتي أصبحت تنافس الدول الكبرى الأخرى، إلى مجموعة السبعة الكبار وتضم أميركا وكندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وإيطاليا.

لقد أضحى واضحاً أن اقتصاديات الدول السبع المذكورة باستثناء ألمانيا، تشهد عملية تباطؤ، كما أن النفقات العسكرية وخصوصاً بالنسبة للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قد أثقلتها، وانعكست سلباً على اقتصادياتها، وبالمقابل فإن الدول الخمس الناشئة نجحت في تحقيق تنمية اقتصادية سريعة، واللحاق بالدول السبع الكبرى، استناداً إلى تحديث بنيتها الاقتصادية واستغلال إمكانياتها الاقتصادية والبشرية، فيما يعزى الأمر بالنسبة لروسيا إلى تملكها ثروة نفطية وغازية هائلة في موقع ممتاز للتصدير بشروطها إلى أوروبا.

تقدم الصين النموذج الأكثر نجاحاً في الصعود الاقتصادي والتحديث. فعلى الرغم من سيادة حزب شيوعي، إلا أن السياسات الاقتصادية ذات طابع رأسمالي وللدولة دور كبير فيه، لكنه يعتمد اقتصاد السوق، وتوجيه الإنتاج إلى التصدير العالمي، حيث أضحت الصين ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، وقريباً ستصبح الأولى في الاقتصاد العالمي من حيث الناتج القومي العام.

الظاهرة الأكثر أهمية في النظام العالمي، هو ما يعرف بالعولمة وثورة المعلومات، والتي تشمل كل شيء: الاقتصاد والتجارة والمنتجات. وهي إن قيدت نسبياً، إلا أن من أبرز تجلياتها الثورة المعلوماتية التي أتاحت المعرفة والمعلومات والمبتكرات من خلال ما أضحى يعرف بـ «عالم السايبر»، وتطبيقات التكنولوجيا الجديدة في كل شيء بحيث أضحت المعرفة هي العامل الحاسم في الإنتاج والتنافس والتفوق.

وهكذا نرى أمماً امتلكت ناصية التكنولوجيا، مثل كوريا الجنوبية، تتفوق على أمم أكبر منها وأرسخ منها في الصناعة والعلوم، ولم تعانِ ما عانته كوريا من حرب مدمرة في الخمسينات. ونرى تجليات ذلك في تفوق شركات تكنولوجيا الاتصالات مثل «سامسونج»، على عمالقة هذه الصناعة وفي أميركا مثل «أبل» و»مايكروسوفت»، و»آي فون»، وفي أوروبا مثل «ساينز» و»نوكيا»، وفي اليابان مثل «سوني».

إذاً فعنصر القوة وبالتالي النفوذ والهيمنة الإقليمية والدولية، ليس الاقتصاد الصناعي ولا القوى العسكرية ولا النفوذ السياسي التقليدي، بل امتلاك ناصية التكنولوجيا الحديثة والقدرة على المنافسة عالمياً في تقديم المنتجات الجيدة والتنافسية، وامتلاك الطاقة البشرية المالكة للمعرفة.

نظام عالمي جديد

إذا فإن محصلة ذلك هو تحول كبير في مراكز القوة العالمية، واللاعبين الكبار وأدوات التفوق، وبالتالي أدوات النفوذ والسيطرة.

نحن إذاً أمام عالم متعدد الأقطاب وليس القطب الأميركي الواحد، خصوصاً أمام انتهاج أميركا تقليص قوتها العسكرية وانتشارها العسكري عالمياً، وعدم خوضها حروباً منفردة في العالم.

نحن أمام عالم متعدد الأقطاب، أساس القوة فيه هو القوة الاقتصادية واقتصاد المعرفة، والمقدرة التجارية التنافسية واجتذاب الاستثمارات وتوطين التكنولوجيا، وهو ما تمثله الصين أفضل تمثيل، حيث تفوقت على سائر الأمم في قدرتها على اللحاق التكنولوجي والصناعي، ومن ثم القدرة على التصدير، بل وتمدد الشركات الصينية إلى العالم ومنها شركات النفط والغاز لتأمين حاجة الصين المتزايدة للطاقة.

أما الصفة الأخرى لهذا النظام، فهو ترسيخ التكتلات الاقتصادية الكبرى وأهمها الاتحاد الأوروبي كأكبر اقتصاد عالمي، و»النافتا» و»آسيان»، حيث يدور التنافس داخل هذه التكتلات، ثم ما بين هذه التكتلات، والذي يتخذ طابعاً اقتصادياً بالأساس، ولكن له تعبيراته السياسية أيضاً.

والصيغة الثالثة التي ذكرناها هي عولمة الاقتصاد والثقافة والقيم، بحيث أضحت الهوية العالمية سائدة لدى كثير من الأفراد، وأضحى ارتباط الفرد بالشركة التي يعمل بها أو المؤسسة التي ينتمي إليها أهم من الانتماء الوطني أو القومي أو الديني.

التناقضات في النظام العالمي الجديد

مع اتخاذ الصراع العالمي طابع التنافس الاقتصادي بل والاحتكار العالمي فيما يعرف بالعولمة، وهو ما يصفه المفكر نعوم تشومسكي بالعولمة المتوحشة، فهل أدى ذلك إلى استقرار العالم وتوقف الحروب والنزاعات وشمول فوائد النمو العالمي الجميع؟ لا بالطبع، فعلى رغم نجاح النظام الرأسمالي على الصعيد الوطني والعالمي، إلا أن به عيوباً جوهرية، وهو أن الربح هو الهدف الأسمى وليس العدالة وسعادة الإنسان، رغم كل برامج سياسات التصحيح من شطط الرأسمالية. الخير لم يعم الجميع، لا في الوطن ولا العالم. والفجوة تزداد بين الأغنياء الكبار والغالبية العظمى حتى في البلدان المتطورة مثل أميركا وأوروبا. بل أنها أكثر فجاجة في الاقتصاديات الناشئة والناجحة مثل الصين حيث يتجاور الغنى الفاحش مع الفقر المدقع، وما بين المدن الحديثة العملاقة، والريف المتخلف والمنسي.

وأدى التنافس ما بين الدول الناجحة اقتصادياً على التسابق على الأسواق الخارجية والمواد الخام، إلى عدم الاهتمام بتنمية بلدان العالم الأخرى، وحل مشاكلها، وقد أدى ذلك إلى انهيار اقتصاديات بلدان مثل غالبية دول جنوب الصحراء الكبرى. وتفاقمت الصراعات في العديد من الدول في ظل فشل الدول القومية، وتراوحت بين حروب مدمرة كما في كمبوديا وأفغانستان والصومال والسودان وبوليفيا وتشاد وغانا ويوغسلافيا؛ أو صراعات مسلحة كما في الفلبين والباكستان ونيجيريا وكولومبيا؛ كما تفجرت الحروب بين دول متجاورة كالحروب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وجيرانها العرب، والحرب العراقية الإيرانية، والحرب التشادية الليبية، والحروب الهندية الباكستانية والجورجية والأذربيجانية والشيشانية الروسية، واحتلال العراق للكويت. وقد جرت هذه الحروب الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر في حروب استنزاف كما في أفغانستان والعراق والصومال، وبشكل خاطف كما في ليبيا؛ والتورط غير المباشر كما في سورية واليمن.

وإضافةً إلى هذه الحروب، فإن العولمة المتوحشة أضعفت كثيراً من اقتصاديات العديد من الدول، وبتسببها من خلال الإغراق والتفوق، في دهورة إنتاجها. كما أن تدهور أسعار المنتجات الخام (باستثناء النفط والغاز) والمنتجات الزراعية، أسهم في دهورة اقتصاديات العديد من الدول وتدهور أوضاعها واضطرابها السياسي وتفجر الصراعات العنيفة فيها.

إذاً أضحى أمامنا العديد من الدول الفاشلة اقتصادياً وسياسياً من تصحيح العولمة المتوحشة التي أسهمت في عالم مضطرب وغير عادل، وقد طرح أحد الاستراتيجيين الغربيين فكرة إقامة سياج على امتداد حدود شمال أفريقيا الجنوبية على امتداد الصحراء الكبرى للحؤول دون الهجرة الأفريقية غير الشرعية عبر بلدان شمال أفريقيا إلى أوروبا.

وإذا كان شعار العصر الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد تحققت نجاحات مهمة كما نتجت خيبات وإخفاقات. من ذلك سقوط غالبية الأنظمة الدكتاتورية في أوروبا وأميركا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقيا والعالم العربي. لكن تأسيس واستدامة أنظمة ديمقراطية راسخة ومستقرة وناجحة هي قضية أخرى، وقد تكون أميركا اللاتينية هي الأفضل والعالم العربي هي الأسوأ. وفي المقابل هناك بلدانٌ تبدو عصية على الديمقراطية ومدعومة من الغرب لاعتبارات المصلحة وخصوصاً دول النفط مثل دول مجلس التعاون وبروناي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4311 - الخميس 26 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:05 م

      جيد و متضمن لكل المعلومات

    • زائر 2 | 6:16 ص

      تعديل دول البريكس

      دول البريكس هي روسيا والصين والهند و جنوب أفريقيا والبرازيل

    • زائر 1 | 11:35 م

      ما رأيك ؟

      ما رأيك بفرض الضرائب على الأغنياء و القوى الغنية ؟ كما في الإسلام فرض الزكاة أو الخمس مثلا ، هل ستسهم في إنقاص الفجوة الكبيرة بين الأغنياء و الطبقات الأخرى في المجتمع حيث أن ثروات الأغنياء ستذهب إليهم ، وبالتالي هل سيسهم في العدالة وسعادة الجميع ؟ . . . . نتمنى تحليلا موسعا عن هذا الأمر ايجابياته وسلبياته ومدى واقعيته ، وشكرا على المقال الجميل

اقرأ ايضاً