العدد 4312 - الجمعة 27 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ

موقع العرب في النظام العالمي الجديد

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قبل سنوات كتب الكاتب المصري المقيم في فرنسا د. منصور كتاباً بعنوان «خروج العرب من التاريخ»، كما كتب الشاعر العربي الكبير نزار قباني قصيدة عنوانها «متى يعلنون وفاة العرب؟»، ورغم أن العنوانين متطرفان، إلا أنهما يعكسان حالة نفسية للمثقفين العرب تجاه الوضع المتردي الذي وصل إليه العرب.

الوضع العربي المتردي تجسد في القمة العربية في شرم الشيخ في يناير 2011 حيث التأم جميع القادة العرب باستثناء بن علي، رئيس تونس المخلوع، حيث كان محاصراً بالثورة التونسية التي أشعلت الربيع العربي. القادة العرب وضعوا خلفهم خلافاتهم، ظاهرياً على الأقل، وتناقضاتهم المكبوتة، واحتضنوا بعضهم البعض في مشهد مسرحي درامي.

لكن القاسم المشترك فيما بينهم هو حكمهم الدكتاتوري بمختلف تجلياته الملكي والجمهوري والجماهيري (نسبة إلى ليبيا القذافي). لقد سلموا أخيراً بضرورة وقف الصراعات فيما بينهم لمواجهة شعوبهم التي انطلقت ثورتها في تونس البوعزيزي. ولقد كانت ثورات وانتفاضات الربيع العربي التي انطلقت من تونس في ديسمبر 2010، لتجتاح الوطن العربي من المغرب حتى الخليج، بمثابة تحرك متأخر للشعوب العربية للخلاص من واقع الاستبداد، وأغرقت الوطن العربي في هوة اليأس والتخلف الذي أضحى مزرعةً يتقاسمون خيراتها، مفقرين شعوبهم التي تحوّلت إلى رعايا وليس مواطنين.

الوطن العربي بثرواته الأسطورية من النفط والغاز والمعادن، وموقعه الاستراتيجي وثروته البشرية أضحى نهباً للنخب الحاكمة وحلفائها، وأضحى تحت السيطرة العسكرية والسياسية للدول الكبرى، فيما تخلى النظام العربي عن فلسطين وشعبها والمناطق المحتلة الأخرى، وبالطبع مشروع الوحدة الكبرى، بل حتى المنظومة العربية الرسمية مثل جامعة الدول العربية، فقد تراجع دورها وأضحت داراً للعجز العربي.

والوضع ليس أفضل للتكتلات العربية الإقليمية مثل الاتحاد العربي والاتحاد المغاربي اللذين توفيا دون إعلان، وبقى مجلس التعاون الخليجي الأنجح بين الفاشلين، والذي هو دون الهدف المعلن بتوحيد الخليج العربي.

لقد واجه الربيع العربي رداً غرائزياً عنيفاً من قبل الأنظمة المستبدة، حيث لم يسلم أيٌّ منها (باستثناء المغرب) بالقبول بالإصلاح وتقديم تنازلات، بل سارعت إلى شن الحروب ضد شعوبها كما في ليبيا وسورية، واستخدام العنف المفرط كما في مصر والسودان واليمن وبعض دول الخليج، وهنا انفرط عقد التحالف العربي، تبعاً للمصلحة المحلية والتحالفات الدولية.

دول المنطقة التي ارتعبت من سقوط أنظمة حليفة لها في مصر وتونس، عمدت إلى التحرك على جبهتين، داخلية باحتواء الاحتجاجات وإلى حد إرسال قوات دعم، وإجراءات أخرى، ثم التدخل لتصفية حساباتها مع القذافي في ليبيا متحالفة مع الدول الغربية لإسقاطه، بكل الأساليب بما في ذلك تسليح التنظيمات الأصولية وتدفق المرتزقة.

وجرى تكرار ذات السيناريو في سورية، ولكن لم يصادف نجاحاً بسبب تلكؤ الولايات المتحدة وتبعتها دول الغرب الكبرى عن التدخل العسكري، ولجمها لحليفتيها، تركيا والأردن، عن التدخل العسكري المباشر، ولكن مع تسليح وتدريب وتسهيل فرق المتطرفين من كل الأصقاع. وخلافاً للنظام الليبي، فقد تمتعت سورية بتحالفات قوية تمثلت في روسيا وإيران وحزب الله وآخرين، ما ترتب عليه صمود النظام في ظل حرب أهلية مدمرة.

نفس المنطق جر دول المجلس أو بعضها، للعمل لتفكيك العراق، من خلال دعم المجموعات الاسلاموية المتطرفة المتكاملة مع المجموعات في سورية، وأشهرها «داعش» (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وها نحن نشهد فصولاً من هذه الحرب المدمرة.

النظام العربي يعيش حالةً من الفوضى التي لا سابق لها، حيث فشلت الجامعة العربية تماماً في الإمساك بأية قضية عربية، أو المبادرة لحلها تاركةً الأمر للدول الكبرى وإعطائها التغطية السياسية كما هو الحال في ليبيا وسورية والعراق والصومال المنسي، وبالطبع فلسطين التي تركت في عهدة أميركا.

العالم العربي الغارق في صراعات مدمرة، وتبعية معظم بلدانه للدول الكبرى، والواقعة بلدانه تحت حكم الاستبداد بمختلف تجلياته المرتهنة حكوماته للأجنبي، ضيع فرصة موجة الثورات الإصلاحية التي عصفت بأوروبا في التسعينات وها هي ثورات الربيع وإن نجحت جزئياً في تونس ومصر إلا أنها إما غارقة في الفوضى كليبيا واليمن، والحرب الأهلية كما في سورية والعراق، أو مجهضة كما في لبنان والبحرين وعمان.

أما الأخطر فهو أن الأنظمة وقوى الإسلام السياسي التقليدي وهي مرعوبة من موجة الديمقراطية، فقد لجأت إلى أخطر سلاح وهو سلاح الطائفية التي انفلتت من عقالها لتفجر صراعاً طائفياً وقومياً، حيث التعددية كما في مصر وليبيا وسورية والعراق واليمن والبحرين، وامتد هذا الشرخ عمودياً لأحداث مواجهة ما بين السنة والشيعة، أو المسلمين والمسيحيين، أو العرب والقوميات الأخرى مثل الأمازيغ والأكراد.

يشهد العالم العربي حروباً بشعة أو نزاعات مسلحة أو حملات استقطاب ديني وطائفي وقبلي وقومي لا سابق لها، وسقط الضحايا بمئات الألوف وعم الخراب في بلدان تمتعت بالاستقرار والتعايش كما سورية ولبنان واليمن والعراق مثلاً.

إذاً العالم العربي في ظل النظام العالمي الجديد نهب للاستقطاب من قبل الدول المتنافسة، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، أو الدول الإقليمية تركيا وإيران. وهو في ظل العولمة مستهلكٌ لمنتجات التكنولوجيا ومعارفها وليس منتجاً لها، باستثناء من يهاجرون إلى الغرب.

إذاً تزداد تبعيتنا للقوى الكبرى في النظام العالمي من الصين حتى الولايات المتحدة، وتزداد الهوة الحضارية والمعرفية بين العرب وبقية العالم، من هنا تصنيف الدول العربية هو الأسوأ في مؤشرات الفساد وغياب الحريات ومشاركة المرأة والديمقراطية والتنمية، والنزاعات المسلحة، والبيئة والجفاف والأمية وحقوق الإنسان.

إنها صورة قاتمة، لكنها صورة واقعية تماماً، فلنعمل بالفكر للخروج من هذا النفق المظلم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4312 - الجمعة 27 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:18 ص

      العرب بلا موقع

      العرب فى الخمسين سنه القادمه رسموا وخظوا بامتياز الى موقعهم وهم يديرون خلفا عكس اتجاه الشعوب التى تتقدم وبالتالى لا مجال عن ثنيهم لهذا التوجه

اقرأ ايضاً