العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ

العدوان على غزة... النتائج والدلالات

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ترتب على حرب «إسرائيل» على غزة في 2008-2009 تدمير كثير من البيوت والمنشآت، وقتل عدة مئات وإصابة بضعة آلاف.

حرب «إسرائيل» على غزة انتهت بالوساطة المصرية في الهدنة العام 2009 والإفراج عن الجندي الإسرائيلي المخطوف شاليط مقابل الإفراج عن أكثر من ألف سجين فلسطيني لدى «إسرائيل». أما حرب «إسرائيل» على غزة في يوليو/ تموز 2014، فلم تنتهِ، وربما تكون هذه المرحلة قد انتهت عند نشر هذا المقال، ولكن على العموم فإن خسائر «إسرائيل» من عملية الاشتباك الفعلي بغارات إسرائيلية على غزة أسفرت عن قتل حوالي 150 شخصاً وإصابة أكثر من 1000 فلسطيني من غزة، واعتقال المئات مقابل إطلاق حماس عدة عشرات من الصواريخ وصلت لعدة مدن إسرائيلية، ولم يصب سوى شخص واحد لقي مصرعه.

باختصار، محصلة الصراع الذي بدأ باختطاف ثلاثة مستوطنين اسرائيليين من قبل أنصار حماس وقتلهم، أن قام الإسرائيليون بمداهمة وتدمير عدة منازل في مدن الضفة من أنصار حماس، وقام المستوطنون بخطف أكثر من فلسطيني وقتله وحرقه وإصابة آخرين في الضفة، ثم تطوّرت الحرب الإسرائيلية على غزة بالطائرات المقاتلة واقتصر دور حماس وإخوتها على إطلاق صواريخ أبعد مدى من سابقاتها، وربما أكثر فاعلية، ولكن دون نتيجة، لأن «إسرائيل» لديها شبكة من الصواريخ الضخمة المتقدمة التي مثلت حماية آمنة للأراضي والمدن الإسرائيلية. ونتساءل: ما هو التوازن في القوة بين «إسرائيل» وحماس، بل بين «إسرائيل» وفلسطين سواء حماس أو السلطة الفلسطينية، بل التساؤل الأعم ما هو التوازن الحقيقي في السلاح والخبرة القتالية بين «إسرائيل» والعرب وخصوصاً بالنسبة لهدف القتال ونتائجه.

إن التوازن في جميع الحالات مفقود خصوصاً بين حماس وأخواتها من الحركات المناضلة لتحرير فلسطين، وهي لم تحرّر شبراً واحداً من خلال حروبها المتكرّرة، بل تكبّد الشعب الفلسطيني في غزة آلاف الضحايا والمصابين مقابل إطلاق حماس وأخواتها صواريخ لم تسفر سوى عن قتل جندي إسرائيلي واحد مقابل أكثر من مئتي فلسطيني. إذاً المعادلة واضحة، وكذلك النتائج، والتساؤل: أي منطق للصراع بين هذين الطرفين وهل ثمة عقلانية في ذلك؟

أما التساؤل الثاني فهو أليس من حق حماس كمنظمة نضالية فلسطينية أن تقوم بإزعاج «إسرائيل» لتحرير التراب الفلسطيني؟ وأليس من حق السلطة الفلسطينية القيام بذلك؟ نقول من الناحية القانونية نعم من حقها، ولكن من الناحية السياسية والعسكرية فإن الحرب غير المتكافئة نتائجها محسومة مسبقاً، ومن ثم فلن تتحرر فلسطين بالأسلوب العسكري إلا إذا توافرت مقومات القوة والمتمثلة في قوة فلسطينية موحدة في الفكر والحركة والإرادة، وثانياً: ثبات المنطق الاستراتيجي الفلسطيني في الإيمان بالوطن، وثالثاً: توافر القوة الذاتية في الصراع، ورابعاً: معرفة الطرف البادئ بالصراع احتمالات النتائج مقدماً، وأن من بين تلك الاحتمالات النصر ولو محدوداً، وعدم الهزيمة المتكررة. وهذه العناصر الأربعة غير متوافرة في الصراع الفلسطيني ضد «إسرائيل».

ليس معنى ذلك القبول بالأمر الواقع، وإنّما البحث عن بدائل أخرى للصراع العسكري، أو لاختطاف مدني إسرائيلي حتى وإن أخذنا بمنطق ان كل إسرائيلي هو مجند بصورة أو بأخرى، وهو معتدٍ ومغتصب للأرض. إن هذه الحالات للاعتداء أو الاستيلاء على أرض الغير كثيرة في السياسة الدولية وعلاقات القوى الدولية عبر التاريخ، ولعل هذا ما دعا قادة عظاماً أمثال ياسر عرفات ورفاقه، لقبول اتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات المعقودة مع «إسرائيل»، بل هذا ما أدى إلى تقدّم النضال الفلسطيني بضع خطوات للأمام بما في ذلك تواجد حركة حماس على أرض فلسطينية في غزة محرّرة نتيجة اتفاقية أوسلو، وليس نتيجة الصواريخ التي لا تقتل ولا تضر أحداً ممن توجّه إليه، وإنما مجرد إزعاج يحقق مصالح «إسرائيل» ودعايتها.

إن المرء ليعجب من المنطق الاستراتيجي في الصراع ولجوء الأطراف للقوة الساحقة، ولجوء الطرف الآخر لاستفزاز القوى، وكأنه يدعو للهجوم عليه وتدمير مبانيه ومنشآته، ثم الصراخ أين العرب؟ أين المسلمين؟ أين مصر؟ أين السعودية أين جامعة الدول العربية وهكذا؟ ولكن لا يراجع أحدٌ نفسه لماذا فعلت من حركة حماس وأنصارها وما هي حسابات الربح والخسارة؟ وهل هذا هو الأسلوب الأمثل؟ وهل سيحقق نتائج؟

ولكن تكرار الأخطاء يذكرنا بأسطورة سيزيف اليونانية، عندما فرض عليه صعود الجبل حاملاً صخرةً، وكلما قارب قمة الجبل وقعت الصخرة. فهل التاريخ يعيد نفسه؟ ويرد كثير من المؤرخين بأن ذلك ليس صحيحاً، لأنه من المفترض أن الشعوب والقادة يتعلمون من دروس التاريخ ولا يكرّرون الأخطاء، أما إذا كرّروا الأخطاء، فلا مفر من تكرار النتائج.

إن الأمل أن يتعلم قادة حماس الأبعاد الإستراتيجية والدولية والإقليمية للصراع، ويبتكروا أسلوباً للصراع يماثل ذلك، ومن ثم يحقق لهم مكاسب ولو محدودة، أفضل من تكرار الأخطاء والكوارث. وكان الله في عون الشعب الفلسطيني.

أما العرب وغيرهم فهم ملزمون بمساعدة شعب فلسطين، ولكنهم ليسوا ملزمين بأن يتخذ شخص أو حزب أو قيادة ما قراراً كارثياً ثم يطالبهم بمساندته أو الدخول في حرب لمساعدته. فهذا منطقٌ لا يستقيم ولن يحدث إلا إذا تحوّل القادة العرب إلى مغامرين، وعندئذ لا يصلحون أن يكونوا قيادة لدولهم أو لشعوبهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:44 ص

      ميزان القوى الايماني

      يتحدث الكاتب الفلولي عن ميزان القوى المادي ولا يتحدث عن الميزان الايماني متناسيا انتصارات المسلمين على أعدائهم رغم قلة عددهم ولكنهم دخلوا المعارك مستعينين بالله وهم قد اعدوا ما استطاعوا من قوة .. انه الدفاع عن الدين والحرية والكرامة التي لا يعلم معانيها أمثال هؤلاء الكتاب المتخاذلين

    • زائر 1 | 1:07 ص

      عاشق الحق

      المقال ملئ بالمغالطات يراد منه تثبيط العزائم ليس الا فمعروف مدى الدهر أن المعتدي أقوى من المعتدى عليه والمحتل هو كذلك لكن الشعوب تضحي وتأخذ حريتها من المحتل الذي يهرب وهذا ما سيحدث بإذن الله في فلسطين

اقرأ ايضاً