العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ

وماذا عن الربيع الاقتصادي؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

منذ قيام ثورات وحراكات الربيع العربي في العديد من الأقطار العربية، انشغل الوطن العربي كله بالقضايا السياسية، وعلى الأخص كيفية الانتقال من أنظمة الاستبداد إلى الممارسة الديمقراطية. ثم أجبرته الأحداث والأخطاء والمؤامرات على الانشغال بعبثية الانقسامات والصراعات الدينية والمذهبية.

أما موضوع الاقتصاد، الذي لا يقلّ أهميةً عن الموضوع السياسي، والذي له تأثيراته الهائلة على المسار السياسي بكل تجلّياته، فقد وضع في زاوية ليقتصر التطرق إليه على تراجع السياحة وشبه توقّف الاستثمارات الخارجية وزيادة نسبة البطالة بين الشباب على الأخص.

هذا التعامل الآني والسطحي مع موضوع بالغ الأهمية والتعقيد كموضوع الاقتصاد، في وطن يرنو مواطنوه، وعلى الأخص شبابه، إلى أحداث تغييرات كبرى وعميقة في مسيرته الحضارية، هو تعامل لا يستوعب مرتكزات هذا العصر الذي يعطي أهمية كبرى لموضوع الاقتصاد، ولا إلى الدور السلبي الذي لعبه الاقتصاد الرّيعي عبر القرون في بناء الأنظمة السياسية الاستبدادية العربية، وفي نهب ثروات الأمة وإبقائها متخلفة فقيرة.

كمدخل للتعامل مع هذا الموضوع سنبدأ باقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي الذي يجلس على ريع بترولي – غازي سنوي يصل إلى تريليون دولار (ألف بليون)، والذي إن أحسنت أنظمة دول المجلس الاستفادة منه لبناء اقتصادي إنتاجي- معرفي حديث في دولها ولاستثمار جزء منه في بناء اقتصاد مماثل في بقية الوطن العربي، فإنها ستحدث نقلة نوعية في حياة العرب كافة.

هذا قول لا مبالغة فيه، وسيتضح كلما أوغلنا في طرح الأسئلة وفي تحليل ما يجب أن يتوجه إليه اقتصاد دول مجلس التعاون مستقبلاً. قد يتطلب ذلك كتابة عدة أعمدة، لكن الموضوع يستحق ذلك وقد تنجح في أن يكون موضوعاً مطروحاً في السّاحة المجتمعية على نطاق واسع وحاصلاً على اهتمام وسائل الإعلام والتواصل، وخصوصاً شريحة الشباب من بين المواطنين.

لنتوجه إلى دول مجلس التعاون ولنطرح العديد من الأسئلة المفصلية.

أولاً: تدّعي دول المجلس بأن ممارساتها الاقتصادية متماثلة إلى حدّ كبير، إذ أنها جميعاً تتبنّى الاقتصاد الحر، أي حريّة الأسواق وحرية تبادل البضائع. ولكن هل أن موضوع الاقتصاد ينحصر في نشاطات الأسواق وتبادل السلع؟ أم أن هناك فكراً اقتصادياً ينقسم إلى مدارس لها منطلقات نظرية فلسفية تتعلق بالعديد من الجوانب الحياتية ولها منهجيات متباينة لإدارة الاقتصاد؟

إن تلك المدارس تختلف فيما بينها بشأن الأهمية التي تعطيها لموضوع الاقتصاد الإنتاجي في مواجهة الاقتصاد الاستهلاكي؛ وبشأن تركيبة المجتمع وهل هو مكوّن من أفراد أم من طبقات؛ وبشأن مقدار الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومات في تنظيم الاقتصاد وحمايته من جشع الفاسدين ومنع دخوله في أزمات دورية؛ وبشأن مقدار الرعاية الاجتماعية من قبل الدولة لحماية الفقراء والمهمّشين؛ وبشأن السياسات الضريبية لمنع التفاوتات الهائلة في الدخل والثروات.

هناك اختلافات كثيرة، والسؤال: هل فكرت دول مجلس التعاون في الإنتماء إلى واحدة من المدارس الاقتصادية، حتى ولوعدّلت أو حتى أسقطت بعضاً من تفاصيل تلك المدارس؟ أم أنها تفضّل أن تأخذ الأفضل من كل مدرسة وتدمجها في نظام وفكر اقتصادي صالح لهذه المرحلة التاريخية التي تعيشها؟

إذا كانت دول مجلس التعاون تهدف إلى وحدة اقتصادية في المستقبل، كما ينصّ عليه نظامها الأساسي، أفلم يئن الأوان لعقد حلقات نقاشية على مستوى أمانة مجلس التعاون، تضمّ علماء الاقتصاد الخليجيين والعرب ومراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع المدني المعنيّة من قبل النقابات وغرف التجارة والصناعة وممثلين عن الوزارات الحكومية المعنيّة، لتبدأ بوضع تصور، لا عن خطوة صغيرة هنا أو توحيد جزئي هناك، وإنّما تصور علمي موضوعي شمولي مستقبلي لاقتصاد إنتاجي – معرفي قيمي وإنساني حديث، تتبنّاه دول المجلس وتلتزم ببنائه بصورة تدريجية تراكمية متناغمة، مع التأكيد على الالتزام بارتباطه الوثيق بالاقتصاد العربي في المستقبل القريب.

ثانياً: إذا تمت تلك الحلقات النقاشية فمن الضروري تبنّي منطلقات فكرية وممارسات عملية لا تخرج من تحت عباءة شعارات وممارسات الفكر الاقتصادي الرأسمالي القومي المتوحش الذي يراد فرضه على العالم باسم الليبرالية الجديدة. وهذا سيكون موضوع المناقشة في عمود الأسبوع القادم.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:59 ص

      الاقتصاد

      لم نرى او نسمع عن تطور زراعي أو صناعي أو رياضي أو فني بل اخفاق بعده اخفاق استهلاك مؤبد. الانسان العربي استبدل بانسان اخر اسيوي. الثقافة تغيرت بتغير الانسان و المادة. هذ هو الاقتصاد يضاف اليه رعاية الارهاب.

    • زائر 1 | 1:51 ص

      العلة ليست في الاقتصاد العلة في ...

      العلة ليست في للاقتصاد العلة في القائمين عليه ما تفضلت. به ليس بغائب عنهم لكنهم شغلوا بانفسهم وتنمية ثرواتهم اسألهم كيف استطاعوا تملك المجنعات السكبية والمواطن يبخث عن غرفة تأويه

اقرأ ايضاً