العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ

العدوان على غزة هروب إلى الخلف

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الهجوم الهمجي الوحشي على قطاع غزة، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، جاء تحت ذريعة معاقبة حماس، بسبب مزاعم ارتكابها أسر ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين، الذين جرى قتلهم لاحقاً، واكتشف الصهاينة جثثهم. ونفت حركة حماس، علاقتها بالحادثة المشار إليها، جملة وتفصيلاً، لكن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، أقدمت على حربها ضد سكان القطاع، رغم تأكيد حماس، عدم وجود أية علاقة لها بالحادث.

نحاول في هذه القراءة القصيرة، معرفة الأسباب الحقيقية للهجوم الصهيوني على القطاع، ولعل البداية في هذه القراءة هي حادثة أسر المستوطنين الإسرائيليين. وهي قضية لم يتأكد بعد الجهة المسئولة عن تنفيذ العملية. وأدت إلى ردود فعل شديدة، من قبل المستوطنين الصهاينة، ما دفعهم إلى اختطاف محمد أبو خضير، الصبي الذي لم يتجاوز الثلاثة عشر عاماً، وقد عُذّب وقتل بدم بارد، أمام الكاميرا، ونقلت وكالات الأنباء العالمية، والقنوات الفضائية، صورة القتل العمد .

والمفارقة هنا أننا بين حادثتين: الأولى اختفاء ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين، يقابلها حادثة أخرى، اقتيد فيها صبي من السكان الأصليين، أصحاب الأرض، وعُذب وأحرق وقتل بدم بارد، والحادث فيها معروف. ومع ذلك، لم يلحق الجناة الذين أقدموا على جريمة القتل، أي عقوبة. أما في الحادثة الأولى، فإن العقوبة، تطبق على جزء من فلسطين، هو القطاع، لم تكن له به علاقة البتة بحادثة الأسر. والعقوبة هنا، تتم في شكل تدمير منهجي، ومتعمد على شعب بقي تحت الحصار، قرابة عقد من الزمن .

هل صحيح، أن ما قامت به حكومة نتنياهو من أعمال وحشية، وقصف همجي على المدنيين، تسبب حتى هذه اللحظة، بفقدان ما يقرب من مئتي شهيد، وألف جريح، هو بهدف الانتقام لحادثة الأسر؟ وهو منطق غريب، يحمل شعباً كاملاً، مسئولية جناية لم ترتكب أصلاً منه، أم أن هناك أسباباً أخرى، جعلت الحكومة اليمينية، تقتنص هذه الفرصة، لتنفذ مخططاً مبيتاً، تتحين حكومة الكيان الصهيوني الفرصة لتحقيقه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما البواعث الحقيقية للعدوان؟

أمامنا للإجابة عن هذا السؤال مجموعة من الأسباب، لعل بالإمكان إجمالها في ثلاثة أسباب رئيسية. أولها، أن الكيان الغاصب وقّع اتفاقية هدنة وقف إطلاق نار، طويلة الأمد، مع حركة حماس، بوساطة ورعاية مصرية، أثناء فترة الرئيس المعزول محمد مرسي. هذه الاتفاقية، لا تتسق مع العقيدة الصهيونية، التي هي في المبتدأ والخبر، عقيدة حرب.

وكانت الإطاحة بمرسي وسقوط جماعة الإخوان المسلمين، قد تزامنت بفتور في العلاقة المصرية - الحمساوية، وقد وجهت الحكومة الانتقالية في مصر، التي أعقبت سقوط الجماعة، اتهامات عدة لحركة حماس، بالتدخل في الشئون المصرية. وشهدت الحركة، عزلة عربية وسياسية شديدة، بسبب عوامل سياسية عربية أخرى، لعل أهمها فقدانها لعلاقتها الاستراتيجية بالقيادة السورية، بسبب انحيازها للمعارضة السورية.

لقد وجد نتنياهو، في ذريعة حادثة المستوطنين وقتلهم، وفي الأوضاع الحرجة التي تعيشها حركة حماس، فرصة للقيام بعدوانه الواسع على القطاع، والتخلص من تعهده الذي وقّعه منذ ما يقرب من عامين من هذا التاريخ، ولتكون يده مطلقة، في أية لحظة للعدوان على القطاع.

السبب الآخر، يأتي استكمالاً لفشل مفاوضات التسوية، التي أخذت مكانها في الشهور الأخيرة، بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقد وصلت تلك المفاوضات، إلى طريق مسدود. ويعود ذلك إلى تعنت الحكومة الإسرائيلية، وطرحها شروطاً تعجيزية، كمطالبة السلطة بالاعتراف بيهودية الكيان الغاصب، وطرح تبادل الأراضي، بما يعني بقاء المستوطنات الإسرائيلية، في الضفة الغربية ومدينة القدس، ومنح الفلسطينيين أراضٍ بديلة في صحراء النقب.

الحرب المجنونة، التي تجري على قدم وساق، على قطاع غزة، هي في هذه الحالة هروب إلى الخلف، وتهرّب من استحقاقات التسوية، وعودة إلى المربع الأول. وبدلاً من تحمل مسئولية التسويف والمماطلة، أمام المجتمع الدولي، يتحوّل نتنياهو بين ليلة وضحاها، من رافض للسلم، إلى ضحية، وتصور المقاومة الفلسطينية، عقبة كأداء في طريق السلام، ويحمّل الفلسطينيون مسئولية العدوان الصهيوني عليهم.

والسبب الأخير، هو ما أصبح ملحوظاً، في الأيام الأخيرة، من نهوض شعبي، عمّ مختلف مدن الضفة، بعد مصرع الصبي الفلسطيني. لقد صار مألوفاً الحديث عن انتفاضة فلسطينية ثالثة. وإذا ما عدنا بالذاكرة، للانتفاضتين السابقتين، سنلحظ تصاعداً في سلوك الشعب الفلسطيني والمقاومين الفلسطينيين، بما ينبئ بمخاطر الانتفاضة الثالثة المرتقبة على الوجود الصهيوني.

لقد كانت انتفاضة أطفال الحجارة، ملحمةً من ملاحم الكفاح الفلسطيني، وجاءت في شكل عصيان مدني، القاتل فيه هم جيش الاحتلال والمستوطنون الصهاينة وحدهم، في حين واصل الفلسطينيون تحديهم للاحتلال، في شكل سلمي. وأبرزت تلك الانتفاضة، أمام العالم أجمع، بسالة الفلسطينيين من جهة، وبشاعة سلوك قوات الاحتلال، من جهة أخرى. أما انتفاضة الأقصى، التي حدثت بعد تدنيس أرييل شارون للمسجد الأقصى، فقد شهدت منازلات بطولية، استُخدم فيها السلاح، والعمليات الاستشهادية، وذهب ضحيتها خيرة قيادات المقاومة الفلسطينية.

تخشى الحكومة الإسرائيلية، أن تمثل الانتفاضة الجديدة، خطاً صاعداً في أساليب النضال الفلسطينية، وتعمل على احتوائها بالهروب إلى الأمام. لكن السحر انقلب على الساحر، وما حسبه الصهاينة، مخرجاً لهم من أزماتهم، أصبح مأزقاً حقيقياً. فالهروب إلى الخلف، واعتماد سياسة الصلف والغرور التي واصلها الصهاينة، منذ احتلالهم لأرض فلسطين، قد وُوجه بتغير المعادلة رأساً على عقب. فقد أنهى الفلسطينيون، بتصديهم البطولي للعدوان، مرحلة تلقي الضربات من دون مواجهة العدوان.

لغة جديدة، في تاريخ الكفاح الفلسطيني، وغزة ما قبل العدوان، لن تكون غزة ما بعده، وتاريخ الصراع مع الصهاينة، لن يكون كما كان قبل هذا العدوان. تاريخ جديد، يسطّر بدماء الفلسطينيين، وليس علينا سوى انتظار توضح معالمه.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4332 - الخميس 17 يوليو 2014م الموافق 19 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:43 ص

      يتبع . اكذب

      مجراه لان اسرائيل بلد ديمقراطي وقد اتصل نتنياهو نفسه بوالد الشاب الفلسطيني واكد له ان الجناة سيعاقبون . ان عصابة حماس ومن يدور في فلكها هي التي تبدا بالعدوان دائما وهي من يثير المشاكل باعتراف كل دول المنطقة ولو ان تلك العصابة التزمت بالقانون وبالهدنة لما حصل ما حصل وهذه الاردن وهذه مصر ولبنان اكبر دليل على ما نقول . اقول لك شئ يا مكي . لماذا لا تذهب انت وربعك و تقاتل هناك مع حماس بدلا من ثرثرتك هذه على النت حيث تظهر انت وامثالك شجاعة ربما لا تكون موجودة فيكم .
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 1 | 3:36 ص

      اكذب

      فان الكذب من شيم الاعراب وانتم امة متخلفة في كل شئ الا في الكذب فانتم تتفوقون على كل امم الارض في فن الكذب وتزوير الحقائق التاريخية وغير التاريخية . عصابة حماس هي من قام باختطاف ثلاث شبان وقتلهم دون اي ذنب الا انهم يهود لان مثل هذه الافعال من شيم الاعراب والحركات الاسلاموية السلفية الوهابية وها هو العالم العربي والاسلامي يشهد على هذه الجرائم ولعل ربع مليون جزائري في سبع سنين اقوى دليل على جرائمهم وما خفي كان اعظم .اسرائيل لم تعتد على احد , اما قصة الشاب الفلسطيني فسياخذ القانون .
      علي جاسب . يتبع

اقرأ ايضاً