العدد 4339 - الخميس 24 يوليو 2014م الموافق 26 رمضان 1435هـ

نعم... ماذا عن ربيع الاقتصاد؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في الأسبوع الماضي كتبت عموداً بعنوان «وماذا عن الربيع الاقتصادي؟»، بيّنت فيه أهمية موضوع الاقتصاد كجزء مكمل لموضوع السياسة في مسيرة ثورات وحراكات الربيع العربي، الذي مهما كثرت عثراته الحالية، يحتاج أن يتعامل شباب الأمة العربية معه من خلال قول شهير للثوري الإيطالي المعروف أنطونيو غرامشي: «نحتاج أن نملك تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة».

ولنذكّر أنفسنا يومياً بأن تفاؤل إرادة شباب أحداث الربيع العربي هو الذي فجّر ثورات وحراكات ذلك الربيع تحت شعار شاعر تونس العظيم أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلابدّ أن يستجيب القدر.

والقدر هو صمود الإرادة المتفائلة لشباب الأمة في وجه تشاؤم حسابات العقل، وذلك من أجل اقتحام أسوار المستقبل، طال الزمن أو قصر.

وإذاً فهناك مكان لمناقشة صورة المستقبل لمسيرة نضالات هذه الأمة العظيمة، ولنعد إلى موضوع الاقتصاد، الذي هو من أهم أسباب التراجعات في الحياة السياسية العربية. ولقد اخترنا أن يكون أحد المداخل لبناء اقتصاد عربي مدخل إصلاح اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي بسبب امتلاكها لريع نفطي– غازي هائل. وطالبنا دول المجلس إجراء مناقشات مجتمعية عامة لوضع منطلقات أساسية مفصلية لاقتصادها، بعيداً عن هيمنة الفكر الاقتصادي الذي تنادي به المدرسة الليبرالية الجديدة، مدرسة الرأسمالية العولمية المتوحّشة الرافضة لأي تنظيم أو كبح سياسي وأخلاقي.

في اعتقادي أن النقاشات يجب أن تحسم الجوانب التالية، فكراً وممارسة وأولويات.

أولاً: إن الاقتصاد ليس فقط عبارة عن سوق وتبادل سلع، وهو موضوع لا يمكن أن ينفصل عن التفاعل مع السياسة. والمدرسة التي تدّعي بأن الاقتصاد هو علم مستقل بقوانينه الذاتية، تماماً مثل علم الفيزياء أو علم الكيمياء، ثبت بطلان إدّعاءاتها تلك من قبل الكثيرين من علماء الاقتصاد أنفسهم، وعرَّتها إلى حدود الفضيحة أزمة العالم المالية والاقتصادية منذ العام 2008.

ثانياً: إن منطلق اقتصاد دول مجلس التعاون، وبالتالي بقية أقطار الوطن العربي، يجب أن يركّز على أن يكون اقتصاد إنتاج لسلع مادية ومعرفية وخدمية قبل أن يكون اقتصاد استهلاك نهم عبثي تبذيري كما نشاهده عندنا، وكما تريده مؤسسات وشركات الرأسمالية العولمية الحالية. إن اقتصاد الإنتاج سيتطلب التركيز على حقول الزراعة والصناعة والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة ورفع كفاءة كل أنواع الخدمات ووجود تعليم إبداعي ونشاطات بحثية جادة رفيعة المستوى.

ثالثاً: إن موضوع الاقتصاد أهم وأكبر من أن يترك لمن يسمُون أنفسهم «خبراء اقتصاد»، وبالتالي فإن ممثلي المواطنين في البرلمانات وممثلي العمال في النقابات وأجهزة الحكم المعنيّة، هم معنيُّون أيضاً ويجب أن تكون لهم كلمة. من هنا فانّ تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، لوضع ضوابط له ولمراقبته ولحمايته من المفسدين، هو ضروري. وقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الأخيرة بطلان مدرسة أمثال ملتون فريدمان في شيكاغو، وهايك في النمسا، وغيرهم من عتاة مدرسة عدم تدخُّل الدولة في الشأن الاقتصادي.

رابعاً: إذا كنا نتفق على ضرورة تدخل الدول، فإن دول مجلس التعاون مطلوب منها وضع إجراءات حمائية لكل مؤسساتها الاقتصادية الوطنية في فترة نشوئها وطفولتها. هنا يجب التذكير بأن كل دول الغرب والشرق الصناعية التي نراها أمامنا اليوم قد مارست السياسات الحمائية الصّارمة لحماية زراعتها وصناعتها الوطنية طيلة عقود طويلة. ولم ترفع الحماية إلا بعد أن شبت مؤسساتها الإنتاجية عن الطوق وأصبحت قادرةً على المنافسة في الأسواق الدولية.

إن إملاءات منظمة التجارة العالمية ومؤسسات المال العولمية وحكومات الدول الرأسمالية المتقدّمة، يجب أن ترفض وتجري مراجعة شاملة لهذا الموضوع الخطير. فمصالحنا الوطنية والقومية يجب أن تعلو فوق تلك الإملاءات.

خامساً: إن توجه دول المجلس، تأثراً بما يجري في العالم، نحو اقتصاد قائم على المغامرة والمضاربة المجنونة في الأسواق المالية وأسواق العقارات وفي بورصات الأسهم، والذي ينقل مجتمعاتنا من أزمة إلى أزمة، ويبعثر ثرواتنا البترولية والغازية بعيداً عن استعمالها في بناء الاقتصاد الإنتاجي الذي تحدّثنا عنه، هذا التوجه يحتاج إلى مراجعة عميقة تؤدّي إلى وضع ضوابط صارمة.

سادساً: لن تكتمل الصورة إلاً بوضع تصور اقتصادي استراتيجي عن إدماج اقتصاد دول المجلس في الاقتصاد العربي العام، لا كمنح ومكرمات وعطايا سياسية في مقاصدها، بل كاستثمارات عقلانية كفوءة في انتقال الاقتصاد العربي ككل إلى أن يكون اقتصاداً إنتاجياً – معرفياً متكاملاً مع بعضه البعض، مواجهاً للعالم ككتلة متناغمة، معتمداً إلى حدود كبيرة على قواه الذاتية، رافضاً للإملاءات الخارجية وعلى الأخص ما يصبُ منها للمصلحة الصهيونية وهيمنتها على المنطقة.

تلك بعض من المنطلقات، وهناك العديد الآخر منها، وقد نطرحها مستقبلاً.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4339 - الخميس 24 يوليو 2014م الموافق 26 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:42 م

      بو سلمان

      مشكلتنا يا دكتور اننا كدول خليجية نفطية نصر بغباء وتخلف على اعتماد الاقتصاد الريعي لتكريس الهيمنة القبلية والعشائرية في إدارة الحكم علاوة على اننا لا نملك الرؤية لكيفية إدارة سياساتنا الاقتصادية أو الاجتماعية بالإضافة الى فشلنا كدول في إدارة واقعنا السياسي لذلك نتخبط في الفساد الذي سرعان ما يتحول إلى كوارث ونصر على عدم احترام إرادة شعوبنا بتكريس حكومات تعشعش لعقود دون مساءلة..وضع يبكي العدو قبل الصديق

    • زائر 1 | 2:49 ص

      البناء للاستيطان

      بناء محلات تجارية و مكاتب و سكن فقط لخدمة الاستيطان الاجنبي وفرض الامر الواقع. هناك مشكلة اخرى معممة لتجفيف منابع الارهاب و المقصود بها هدم مؤسسات و شركات الشيعة اينما حلت و اي كان النشاط و اين كان الفرد تسنده اجهزة القضاء و الاجهزة الامنية. اي اقتصاد نحن نتكلم. تم التخلص من جماعات كبيرة من الموظفيين الشيعة فقط من مختلف المؤسسات الخاصة و العامة اين يقع هذا الاقتصاد.

اقرأ ايضاً