العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ

الذي لا يقهر

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما الذي يمكن أن يجمع الناس ويوحدهم، ما الذي يمكن أن يكون قاسماً مشتركاً يبث روح الألفة والحب بدل حالة العداء والبغض والقتل بين أبناء الوطن الواحد؟

قد يستغرب البعض لو قلت إن ذلك يمكن أن يكون أي شيء، متى ما وجدت النية الصادقة والإصرار والقيادة المحبة للجميع، والتمسك بالمبادئ النقية بعيداً عن نزعة التشفي والانتقام.

مؤخراً شاهدت فيلماً مقتبساً عن قصة حقيقية حول محاولة أشهر سجين سياسي في العصر الحديث للتقريب بين أبناء شعبه، بعد أن قضى أكثر من 27 عاماً في السجن في أقبح نظام عنصري يضطهد البشر بسبب لون بشرتهم.

الفيلم كان بعنوان «invictus» وتعني بالعربية «الذي لا يقهر» حيث قام بدور البطولة الممثل العالمي مورجان فريدمان والذي يشبه كثيراً بطل القصة الحقيقي نيلسون مانديلا زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وأول رئيس أسود لجمهورية جنوب إفريقيا.

بعد خروجه من السجن في العام 1990 وانتخابه رئيساً لجمهورية جنوب إفريقيا في العام 1994 لم يكن همّه الأول الانتقام من المواطنين البيض أو السلطة «البيضاء» التي اضطهدت شعبه وأبقته في زنزانة منفردة لتهمة السعي لقلب نظام الحكم وحكمت عليه في العام 1962 بالسجن مدى الحياة، بل كان همُّه كيف يؤسس مجتمعاً خالياً من الحقد وروح الانتقام والكره، بحيث يكون المواطنون جميعاً في جنوب إفريقيا شركاء وإخوة في الوطن، وأن تنسى جنوب إفريقيا ما مرت به من مآسٍ وقتل وظلم، وأن يكون هناك مجتمع جديد لا فرق بين أبنائه.

كانت جنوب إفريقيا قد اختيرت لاستضافة بطولة العالم للرجبي في العام 1995، ولم تكن رياضة الرجبي ذات شعبية واسعة لدى المواطنين السود وكانت الأغلبية الساحقة من منتخب جنوب إفريقيا من المواطنين البيض، في حين كان الموطنون السود يشجعون أي منتخب يلعب ضد منتخبها لمجرد الانتقام ولأنهم لا يرون أن هذا المنتخب يمثلهم، ورغم ذلك وجد مانديلا هذه المناسبة فرصة ثمينة لتوحيد أبناء الوطن تحت راية واحدة، بحيث يكون نصر المنتخب الجنوب إفريقي ليس نصراً للجنوب إفريقيين البيض وإنما نصرٌ للجميع، وبذلك قاد حملة وطنية ودعم المنتخب «الأبيض» بكل الإمكانات لتحقيق النصر في هذه البطولة، وكان يرى نصر منتخبه في هذه البطولة هو نجاح وخطوة أولى نحو المجتمع الجديد، وبالفعل فازت جمهورية جنوب إفريقيا في ذلك العام ببطولة العالم للرجبي، واستطاع مانديلا أن يخطو من خلال هذا النصر لمجتمع آخر.

لقد أثبت مانديلا خلال فترة رئاسته أن عقيدة الداعين إلى الإصلاح هي الحب وليس الانتقام وأن أبسط الأمور يمكن أن تستغل بالشكل الصحيح لتكون قاعدة لإشاعة الحب والتسامح بين الناس وأن الوطن لا يمكن أن يعلو إلا بجميع أبنائه.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:02 م

      خلك في البحرين

      اترك عنك .. مانيلا رمز للوطنية الصادقة ولا علاقة له بالطائفية والمحاصصة التي يروج لها البعض بوقاحة بالغة اليوم .

    • زائر 4 | 2:25 ص

      لماذا يسكت النظام ............

      الذي يروج للطائفية ويزرعها في أرجاء الوطن من خلال ............................. ومثيري الفتن ومحبي الظهور في وسائل الاعلام الصفراء ومن على المنابر - ووينبرئ الإنبطاحيين وهم يتحدون ويتهجمون على أكبر طائفة - دون أن يجدوا من يردعهم

    • زائر 3 | 12:05 ص

      كلمه اعجبتني

      الوطن لا يعلوا الا بجميع ابنائه

    • زائر 2 | 11:18 م

      ولو نارا نفخت بها اضاءت

      ولو نارا نفخت بها اضاءت ولكن انت تنفخ في رماد لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي

    • زائر 1 | 10:17 م

      أمثلة التسامح كثيرة ولكن

      مشكلتنا ان العالم وبعد رأى مساوئ التفرقة والتمييز والفصل العنصري وأخذ يتخلّص من هذه العنصرية بشتى انواعها جئنا نحن لكي نمارسها بأبشع صورها هذا ونحن المسلمون ونعتقد في الاسلام انه دين المساواة ونبينا نبي الرحمة ونعتقد انه لكل البشرية واقرب اصحابه اليه فيهم من غير العرب كثر ولكن للأسف
      بلغ الانحطاط بهذه الأمة الى ممارسة اسوأ انواع العنصرية بعد ان مقتها العالم

اقرأ ايضاً