العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ

العدوان على غزة ينغّص فرحة العيد

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الرد الحقيقي على العدوان، هو إفشال مشاريعه السياسية، من خلال التأكيد على وحدة الضفة الغربية والقطاع، وعدم دخول القيادات الفلسطينية، في مهاترات وصراعات ومحاور إقليمية ودولية وعربية، من شأنها تفتيت النضال الفلسطيني.

ثلاثة وعشرون يوماً مضت، منذ بدأ العدوان الصهيوني على قطاع غزة، والمجزرة لم تتوقف بعد. وحتى هذه اللحظة، قدم الفلسطينيون ما يربو على ألف وستين شهيدا، وفوق ستة آلاف جريح، كثير منهم، جروحهم خطيرة، وقد دُمر حيا الشجاعية والخزاعية وسويا بالأرض، وخلال الهدنة القصيرة، التي لم تتجاوز الأربع وعشرين ساعة، تم انتشال مئة وستين جثة، من بين الركام، والمشردون من مناطق القصف تجاوزوا ربع مليون من البشر، وكأن قدر الفلسطينيين أن ينتقلوا من شتات إلى شتات، والعجز العربي والأممي مستمر وغير قادر على حماية الفلسطينيين ولجم العدوان.

يحدث ذلك، والمسلمون في كافة أرجاء المعمورة يحتفلون بعيد الفطر المبارك، لنحضر بقوة، بكائية أبوالطيب المتنبي، «عيد بأية حال عدت يا عيد». فأبناء غزة، الذين يستبدلون فرحة العيد بالآلام والأحزان، حيث يبكي الثكالى واليتامى على من رحلوا، وينشغل الآخرون بمداواة جرحاهم، ويستعيض الأطفال بالبكاء عن فرحة العيد، هؤلاء هم أهل لنا، وتجمعنا معهم رابطة الدين والدم، ومعاناتهم هي معاناتنا، وقد أعادوا للعرب بصمودهم واستبسالهم، بعضا من الكرامة المهدورة.

وبعيدا عن الاصطفاف مع هذا الخندق أو ذاك، من خنادق المقاومة الفلسطينية، فإن ما جرى في قطاع غزة، هو عدوان ممنهج بامتياز على فلسطين، وهو عدوان على العرب جميعا؛ فهدفه ليس القتل والتدمير فحسب، وأخطر ما فيه هو أبعاده السياسية، الهادفة إلى تصفية البقية الباقية من القضية الفلسطينية.

لقد تذرع العدو الصهيوني، بحادثة أسر ثلاثة من المستوطنين الصهاينة، بالضفة الغربية، وقتلهم من قبل مجهولين، لم تعرف لهم هوية سوى ادعاء المحتل، وقد نصبت حكومة الاحتلال، في عدوانها على غزة، من نفسها مدعيا عاما، وقاضيا ومنفذا للحكم. وضحاياه هم مدنيون عزل، ليست لهم علاقة البتة، بحادثة الأسر. إن ذلك يعني بجلاء أننا أمام عدوان مبيت، بحث له عن ذريعة واهية، تذكرنا بحادثة غزو بيروت عام 1982، حين اتخذت حكومة مناحيم بيجن اليمينية المتطرفة، من اغتيال دبلوماسي إسرائيلي في لندن، ذريعة لاتهام حركة فتح، والرئيس ياسر عرفات بالذات بالتخطيط لعملية الاغتيال، لتقوم بغزو لبنان، وتحتل أول عاصمة عربية.

في سياق العدوان المستمر الآن على غزة، تم استخدام حادثة أسر المستوطنين الثلاثة، لتحقيق هدف آخر معلن، هو ما حدده العدو، في تجريد حركة حماس من الصواريخ، والربط هنا بين أسر مستوطنين صهاينة، وبين إيقاف الصواريخ يبدو أمرا مصطنعا، ولا يستقيم مع منطق؛ فهناك قضية فردية، ربما ارتكبها جناة إسرائيليون، لأهداف غير سياسية، وتمت خارج قطاع غزة، ألصقت عنوة بالمقاومة، واعتبرت مبررا للعدوان على القطاع.

وكما كان الصمود أسطوريا وباسلا، من قبل المقاومة الفلسطينية في لبنان، بصيف 1982، حيث استمر حصار مدينة بيروت ثمانين يوما، رغم قلة الحيلة، والخلل في توازن القوة بين المعتدي الصهيوني، والمعتدى عليهم من الفلسطينيين، لم يتمكن الصهاينة من تحقيق نصر حاسم على المقاومة. وكان تدخل بعض الأطراف الدولية والعربية والمحلية، لإقناع المقاومة الفلسطينية، لكي تغادر بيروت، هو ما جعل الفلسطينيين، يوافقون على الرحيل.

وكما كانت ردة فعل العدو الصهيوني، قاسية وشرسة، تجاه مقاومة قطاع غزة، كانت ردة فعل الصهاينة أيضا، في غزو بيروت، هي ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، ذائعة الصيت. إنه الأسلوب نفسه، والذرائع ذاتها، في معظم الحروب العدوانية التي تشنها «إسرائيل»، بحق العرب والفلسطينيين.

ليست إذن هي مغامرة الفلسطينيين، ولا العرب، التي تدفع بالصهاينة لشن عدوانهم على العرب، فهم لا ينتظرون سببا للعدوان، فالمشروع الصهيوني، كان ولا يزال مشروع حرب، وكان وعي الرئيس الراحل ياسر عرفات بهذه الحقيقة، هو ما دفعه لاستخدام هجوم السلام، دلالة على بحث الفلسطينيين عن السلام.

في حالة أسر المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة، تم الأسر في مستوطنة أقيمت خلافا لاتفاقية أوسلو، وخلافا أيضا للقانون الدولي، ولمبادئ الأمم المتحدة وقراراتها، التي اعتبرت كل الأراضي المحتلة في حرب يونيو عام 1968، أراضي محتلة، وقد وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو عام 1993، على أساس إقامة دولة فلسطينية، فوق تلك الأراضي.

نصت اتفاقية أوسلو، على أن مفاوضات الحل النهائي ستنتهي في غصون خمس سنوات من توقيع اتفاقية أوسلو، التي مضى على توقيها 21 عاما، ولم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى هذا التاريخ. بما يعني أن المستوطنين الإسرائيليين الذين جرى أسرهم، هم بموجب القانون الدولي، قوة احتلال، تجوز مقاومتهم بكل الوسائل، بموجب حق الدفاع عن النفس.

والنتيجة التي نصل إليها، هو أن العدوان لم يكن بسبب حادثة أسر المستوطنين الثلاثة، بل إنه نفذ لتحقيق أهداف سياسية، لعل أهمها تكريس انقسام الضفة الغربية عن قطاع غزة، وتعميق الفرقة بين الفلسطينيين. كما أن هناك أهدافا عسكرية، تختزل في تصميم الكيان الصهيوني، على تجريد المقاومة من أية قوة ردع، تمكنها من الدفاع عن نفسها. ولعل من يتابع الإعلام الصهيوني، يرى أنه في غمرة العدوان، تناسى العدو حادثة الأسر المذكورة، ولم يعد يشير إليها مطلقا.

الرد الحقيقي على العدوان، هو في إفشال مشاريعه السياسية، من خلال التأكيد على وحدة الضفة الغربية والقطاع، وعدم دخول القيادات الفلسطينية، في مهاترات وصراعات ومحاور إقليمية ودولية وعربية، من شأنها تفتيت النضال الفلسطيني، والحيلولة دون صياغة استراتيجية كفاح نضالية، قادرة على التصدي بكافة السبل للعدوان، في مرحلة هي أحوج ما تكون فيه إلى الوحدة.

في عيد الفطر المبارك، نعيش مع أهلنا في غزة أحزانهم، ونتضرع للمولى عز وجل، أن يتغمد شهداءهم بالرحمة والغفران، وأن يمن على جرحاهم بالشفاء العاجل، وأن يعيد المشردين إلى منازلهم، ويمنحهم قوة الإيمان والصبر، وكل عام وفلسطين صامدة، وعيد فطر مبارك، وكل عام والجميع بألف خير.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:10 ص

      اذا كنت بهذه

      الشجاعة والعنتريات الطنانة فلماذا لا تذهب انت الى غزة و تقاتل مع اخوانك هناك وتنال الشهادة ؟ حقا ان الاعراب اشد كفرا و نفاقا بل وكذبا و دجلا فهم متخلفون في كل مجالات العلوم الا في فن الكذب وتزوير التاريخ فهم امة تتفوق بهذا على كل امم الارض ولقد صدق فيكم ابن خلدون في مقدمته . ان من جنى على غزة واهلها هم افراد عصابة حماس التي جعلت من بيوت غزة واطفالها دروعا بشرية تحتمي بهم من اسرائيل .
      علي جاسب . البصرة

اقرأ ايضاً