العدد 4350 - الإثنين 04 أغسطس 2014م الموافق 08 شوال 1435هـ

نهاية صديق... بلا عمر

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«إني أسلمك بلداً فيها أربعة ملايين زعيم»! هذا ما قاله شكري القوتلي لجمال عبدالناصر عندما تمت الوحدة بين مصر وسورية العام 1958. كانت هذه العبارة كافية لتلخيص كيف فشلت سريعاً تلك الوحدة العام 1961، خصوصاً وأن الذي كان مسئولاً عنها هو المشير محمد عبدالحكيم عامر، الذي كان بدوره يعاني من عقدة نقص في حب الزعامة، والتي لم تتوافر له طالما كان عبدالناصر على كرسي الرئاسة.

وهذا ما جعل المشير «يزعل» كثيراً حينما قدم استقالته في أعقاب هزيمة يونيو 1967 والتي كان هو السبب المباشر، وليس الوحيد، فيها، واتفق معه جمال على تقديم استقالته أيضاً، لكن الشعب أراد لناصر أن يبقي ولعامر أن يخرج منها، فأصيب بإحباط شديد جداً أدى إلى نهاية عمره في كل الأحوال.

هذا جزء مما يمكن قوله في ختام التعليق على ما قدمته الشاشة المصرية في رمضان الماضي، ضمن مسلسل «صديق العمر». ونضيف أيضاً، أن كل عمل فني يتناول شخصية تاريخية موثقة منذ زمن، من الطبيعي أن يبدأ اللغط حوله، فما بالكم إن كانت هذه الشخصية المحورية هي جمال عبدالناصر بكل ما كان يمثله في شخصه ومبادئه في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟

ولذا اعتبرت أسرة عبد الناصر، ومنها نجل الزعيم الراحل عبدالحكيم عبد الناصر، أن المسلسل يعتبر ضمن حلقات الهجوم المبطن على عبد الناصر. وأن الهجوم على والده لم يبدأ من فترة حكم الإخوان فقط، ولكن بدأ منذ أكثر من 40 عاماً، فيما أُطلق عليه انقلاب 15 مايو على يد أنور السادات الذي سمى بهتاناً بـ «ثورة التصحيح». وتم الإطاحة فيه برموز من ثورة 23 يوليو بلغ عددهم حوالي تسعين شخصية. ثم ازداد الهجوم بعد حرب 1973، وبالتحديد بعد زيارة هنري كيسنجر لمصر، التي أكدت محاولات اغتيال عبد الناصر الرمز إعلامياً، بدليل إقالة محمد حسنين هيكل واستبداله بـالجاسوسين علي ومصطفى أمين، وذلك بحكم قضائي لم يتم تبرئتهما منه، إلا في عهد السادات بعفو رئاسي.

كما تساءلت هدى جمال عبدالناصر، عن الهدف من توقيت خروج العمل إلى النور في ظل استرداد والدها حقه خلال السنوات الماضية، ورفع صوره بين الثوار في ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير 2011، ومن الذي يقف وراء الإنتاج السخي على المسلسل؟

وجاء الرد من بعض الأوساط الفنية، ليجيب على تساؤل الابنة المشروع: بأن أسرة عبد الحكيم عامر هي من موّلت إنتاج مسلسل «صديق العمر» بسخاء، من الباطن، من أجل تجميل صورة عامر. وأن العائلة التقت بكاتب السيناريو ممدوح الليثي قبل وفاته، وطلبوا منه كتابة مسلسل يغيّر الحقائق التاريخية المتداولة حول انتحار عبدالحكيم عامر ومسئوليته عن نكسة 1967 وغيرها.

كما كان ضمن الهجوم على هذا العمل التاريخي، ما قاله كان وزير الثقافة المصري جابر عصفور، من أن هناك أخطاء تاريخية في العمل، وكان يجب على منتجي المسلسلات التاريخية الاستعانة بمؤرخين، وأن باسم سمرة لم يستطع تجسيد شخصية المشير عبدالحكيم عامر. وأوافقه في ذلك، فقد كان سمرة متشنجاً ومتصنعاً للدور بكل معنى الكلمة، لأنه لم يتقمصه طبيعياً. أما الممثل عاطف عمار، فقد أدى دوره باقتدار في شخصية صلاح نصر، وجمال سليمان كان شكله وهيئته ملائمتين لهيكل عبدالناصر الخارجي. وكذلك شكل وصوت محمد نصر في شخصية السادات كان ملائماً، إلا أن المسلسل أفرد للسادات دوراً لم يكن موجوداً في الحقيقة بهذا الشكل، فهو كان في الظل معظم الوقت.

كما أنه رغم ما يقال عن السخاء في الإنتاج، إلا أنه مقارنةً بإنتاج هكذا أعمال في السينما العالمية، يعتبر فقيراً جداً. فـ 90 في المئة من مشاهده هي داخلية مغلقة ومحدودة الكادر، والحركات الفنية، وهذا أهم أسباب ضعفه الفني بشكل عام. كما لاحظ المتابعون للمسلسل كثرة استعمال التدخين في مشاهده بشكل مبالغ فيه وكأنها جزء من الحدث السياسي.

وربطاً بكتاب «المرأة التي حكمت مصر»، الذي بدأنا به هذه المقالات، وإن كان معظمه تأليفاً على شاكلة القصص البوليسية (لأرسين لوبين وشارلوك هولمز)، إلا أن به شيئاً مما كان يدور وراء كواليس الحياة الصاخبة التي كان يعيشها مدير جهاز المخابرات صلاح نصر، وصديق العمر عبدالحكيم عامر. والدليل، أن برلنتي عبدالحميد لم يتعرف عليها عامر، إلا عن طريق صلاح نصر في تلك الأجواء، وليس كما يريد المسلسل أن يوهمنا بأنها كانت مجرد قصة حب رومانسية بين ممثلة إغراء في سينما الستينيات المصرية وبين قائد الجيش المصري. وهذا ما ذكره حسنين هيكل في توثيقه عن عبدالناصر: «في يوم 20 فبراير 1967 قرأ جمال عبدالناصر تقريراً كان بمثابة صدمة بالنسبة له. كان التقرير من إدارة المباحث العامة ويتحدث عن إشاعات تجرى في الأوساط الفنية عن زواج المشير عبدالحكيم عامر بالممثلة برلنتي عبدالحميد زواجاً عرفياً، وأن هذا الخبر تأكد بحقيقة أن برلنتي تنتظر مولوداً نتيجة لهذا الزواج. وتأكد الخبر لعبدالناصر بعد مزيد من التحري ففضل أن ينتظر أياماً قبل أن يفاتح عامر في هذا الموضوع.

وكان أسلوب عبد الحكيم عامر المعتاد عندما يوجه إليه أي تساؤل عن تصرف من تصرفاته أن يبدأ بإثارة زوابع صغيرة ويتخذ مظهر الغاضب المجروح المعتدى عليه. لكنه أمام جمال سرعان ما انهار واعترف بعلاقته مع برلنتي عبدالحميد، ولم يجد ما يبرر به تصرفه سوى أنه وجد أخيراً إنسانةً تستطيع أن تفهمه وتحبه ويحبها! وسأل جمال عبدالناصر عن الظروف التي تعرف فيها عليها، وكان رد عامر أنه تعرف بها عن طريق صلاح نصر».

وإلا... هل يعقل أن ممثلة في سينما الإغراء المصرية في تلك الفترة، وتتمتع بشهرة جماهيرية لا بأس بها؛ أن تقبل بحبس نفسها في شقة أو بيت، حتى وإن كان لشخص مثل عبدالحكيم عامر، لمجرد الحب فقط؟ وعذراً لا مجال للحديث عن التوبة هنا، إلا لم يكن حب التحكم واستغلال النفوذ والمال بلا حساب ولا تأنيب ضمير.

وهذا سبب ما أشيع وقتها، بأن مجرد ذكر اسم برلنتي عبدالحميد يثير الرعب في نفوس المصريين الذين يخافون بطش هذه المرأة ونفوذها التي جاء من سطوة زوجها؟ وأنها كانت امرأة خطرة جداً وتحكمت في زوجها بالسر. وأن الأجواء التي عاشها المشير العاشق مع برلنتي، أينما كانت، وما شابها من محاولات إسرائيلية لبث الجواسيس في مصر وحوله، له علاقة بالنجاح في ضرب المطارات المصرية صبيحة يوم السادس من يونيو 1967؟ وهذا ما لم يتطرق له المسلسل!

وللأسف يثبت التاريخ السري لأمثال هؤلاء المسئولين أن سبب انحرافهم المبكر وفسادهم، هو جهاز المخابرات والنساء. وهذه مشكلة كل رجال المخابرات العربية إذا ما تمكنوا من البقاء في مناصبهم لمدة طويلة، والأمثلة أمامكم عديدة هنا أو هناك. ومن هنا دخلت «إسرائيل» على الخط وانتصرت في 1967، وبما أن هذا الخط لا يوجد لدى المقاومة الشريفة اليوم في لبنان وغزّة، فلا يمكن لقادة العدو أن ينتصروا عليها بسهولة.

وستبقي حياة عبدالناصر محطات للنقاش.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4350 - الإثنين 04 أغسطس 2014م الموافق 08 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:23 ص

      الدكتاتور

      جمال كان دكتاتور صحيح كان محبوب عند بعض الناس في الوطن العربي لم تكن في عهدة تنظيم قوي سو ي الاتحاد الاشتراكي وكان معظمة من الباشوات والطبقة الغنية وان هدا التنظيم هش بدليل بعد وفاتة جاء انور السادات الدي باع مصر للصهاينة والامريكان ولو كان عبد الناصر يملك ايدولوجية فكرية لما كان نائبة السادات وبعدة حسني الدين انتهت مصر في عهدهم في احضان امريكا واسرائيل

    • زائر 2 | 6:34 ص

      أين تعليقي ؟؟

      ليش ويش قلت غير ان الكاتب متأثر بالأعلام والدعاية الناصرية والكثير منها كاذب وناصر كان تسلطي واحتمال كبير هو قتل عامر

    • زائر 1 | 1:57 ص

      سبب فشل الوحدة هي الضباط الطائفين

      سبب فشل الوحدة هو وجود ضباط طائفيين من الأقليات و التي كانت تتآمر على الوحدة و ما عليك الا الذهاب الى يوتيوب لتسمع الزعيم الراحل عبدالناصر بنفسه يخذر في أحد خطبه من الطائفية التي يمارسها الضباط الذين ينتمون الى الأقلية في سوريا و الذي تبلور في النهاية ببيعهم لدمشق العروبة للفرس

اقرأ ايضاً