العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ

الإزيديون واليزيديون

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ننطق أم نصمت؟ نثور أم نهدأ؟ نضحك أم نبكي؟ نفرح أم نحزن؟ نحيا أم نموت؟ هذه تساؤلات الزمن المر، حين يحار المرء في أبسط مشاعره وسلوكه، فَرَضَها علينا فكرٌ مهيمن غريب ليس على المنطقة فحسب، بل على العالَم كله، وعلى عقله وشعوره.

خلال عقد من الزمن، وبعد أن سقط العراق، انتهى كل شيء اسمه تعايش ديني وعرقي في المنطقة! نعم أقول انتهى كل شيء ليس لأنني سوداوي النظرة، ولا عَدَمي التفكير، بل لأنه الواقع كما هو، والذي تعرَّت فيه الشعوب لتُبَان خصوصياتها المذهبية والعرقية، وتحلّ محل الوطنية والهوية الجامعة. وتوسَّع ذلك الانحلال والتعرّي بعد الأزمة السورية.

ظَهَرَ الصابئة والشبك والفيليون والتركمان والأرمن، وتضخَّم الشقاق السُّني الشيعي، ومؤخراً ظهر الازيديون/ اليزيديون، بعد أن أجهَزَ الإرهاب على خلقٍ كثير منهم في سنجار. وفي كل مرة نسمع فيها على عِرق أو مذهب جديد، يدفعنا ذلك لأن نتقصى شأنه. وربما كان ذلك أمراً حسناً كي نفهم بعضنا أكثر، لكن دون أن ننسى أصل مأساة تشظِينا.

خلال الأيام الماضية، حصلت مجزرة في جبال سنجار شمال غرب العراق، عندما ذُبِحَ 500 عراقي ينتمون إلى المكوِّن الأزيدي وسُبِيَت نساؤهم، وحُوصِرت عوائلهم، ومات سبعون طفلاً من العطش وخمسون كهلاً حسب إفادة النائبة في البرلمان العراقي عن المكون الازيدي فيان دخيل. هذا الأمر جعل العديد من الناس يتساءلون عن هوية الدِّين الازيدي.

والحقيقة، أنني عندما رِمْتُ البحث عن هذا المكوِّن ظهرت أمامي العديد من الأبحاث، لكنني اخترت ما أعتقد أنه أجودها، وهو كتاب المستشرق الفرنسي توماس بوا حول الأزيديين أو كما يُسمِّيهم هو اليزيديون، كون الباحث مترفعاً عن انتماءات الشرق؛ وثانياً لأنه كَتَبَ العديد من الأبحاث المرتبطة بالمحيط الأبعد للأزيديين حيث المكوّن الكردي لغة واجتماعاً وتاريخاً، فضلاً عن أن البحث ليس له أي علاقة «زمنية» بمشكلات حاضرنا.

فعمر الدراسة التي تقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط هي أكثر من نصف قرن. وهي تؤرخ للأزيديين وتعرِّف بكتبهم وعقائدهم ومعابدهم وعلاقتهم بالإسلام وبالجوار الإيراني والعراقي، ثم بالأصول الكردية والصوفية والصراعات السياسية التي وقعوا فيها.

خلال حقبة ما، وبالتحديد ما بين القرن الثاني عشر وحتى السادس عشر، كان اليزيديون يغطون «جزءًا كبيراً من كردستان وجميع مناطق شمال ما بين النهرين ومساحة واسعة من سورية». دون أن يحدّد المؤلف تعدادهم بدقة حتى في الفترة التي كُتِبَت فيها الدراسة، لكن بوا يؤكد على كرديتهم، ناقلاً عن البعض قوله انتسابهم إلى الزرادشتية القديمة.

في نقل من توماس بوا عن بادجر، يقول الأخير بأن كلمة اليزيديين «مشتقة من المفردة (يزيد) أو (يزدان)، وهي لقب من ألقاب الإله الأكبر لدى قدماء الفرس. ويقول آخرون إنها صفة مشتقة من اسم مدينة يزدم» الفارسية. وإن «قديسهم الأكبر» هو «الشيخ عدي» دون أن يُبدي توماس بوا أي حسم في الأخذ بتلك التوصيفات التي ذكرها بادجر.

يستشهد المؤلف ببعض الشهود الذين قدموا شهادات قربهم من الأزيديين ومنهم القس اسحق (1875) وغيره، لكنه يصل إلى نتيجة تفيد بأن معظم الأزيديين الذين تمت محاورتهم «يجهلون الكثير عن أنفسهم باعتراف كل من تحاور معهم من أمثال الأب لامنس أو ر. ليسكو»، لكن ما يبدو أن هذه الديانة هي ليست متماسكةً نتيجة تغيير قناعات بعض أتباعها، حيث أن جزءًا منهم ذهب باتجاه اعتناق «السريانية الكاثوليكية».

ثم يشير المؤلف إلى كتب الأزيديين/ اليزيديين، حيث يُنسَب إلى هذه الديانة «كتابان مقدسان لا تتعدى صفحاتهما الاثنتي عشرة صفحة»، وهما كتابَا «جلوة» المنسوب إلى الشيخ فخر الدين، والثاني «مصحف رةش» حيث «ظلت تلك الكتابات وحتى منتصف القرن التاسع عشر مجهولة للأجانب الذين أنكروا وجودهما تماماً».

ومن الإشارات الأخرى المذكورة أيضاً «هي أن اليزيديين يحبون إضاءة الأضرحة وأماكن الحج بالكثير من المصابيح». ويُطلقون على أنفسهم «اسم داسني ويسميهم مسيحيو ضواحي الموصل المتحدثين بالسورانية دسناية وهم يعنون اليزيديين عادة». لكنهم يتسمَّون ببعض الأسماء الإسلامية كمحمد ورشيد وحميد، كما أنهم يُمارسون الختان على أبنائهم الذكور، وهي أحد شواهد ارتباطهم بالبيئة الإسلامية بطريقةٍ ما.

كما أن اليزيديين لا يذهبون إلى الحج المكي المعروف بل إلى حج قبر الشيخ عدي، وذكر ذلك ابن خلكان قبل 732 عاماً. ويشبه المكان «كهفاً حجرياً أنشئت فيه العديد من القرى بل توجد أيضاً أماكن في جبل لاش تحمل الأسماء المكية»، وتوقيتهم في ذلك هو «التاسع من شهر عيد الحج الإسلامي». أما في الصيام فإن لديهم ثلاثة أيام يصومون فيها.

ولكن يورد المؤلف فرضية انتساب اليزيديين إلى الإسلام بشكل صريح، وهو يربط هذا الانتساب بعلاقتهم بالتصوف، الذي كان ولايزال مهيمناً على المناطق الشمالية للعراق، مع استذكار شيوخ اليزيديين كالشيخ عدي وصهره أبو البركات وأبو المفاخر.

بالتأكيد، فإن الدراسة التي قام بها توماس بوا هي أوسع مما ذكرناه وضمن العديد من العناوين، وهي بالأساس دراسة جيدة، ويمكن أن تعطينا فكرةً عن الدين الأزيدي/ اليزيدي، بالإضافة إلى كتاب عباس العزاوي الذي كتبه قبل ثمانية عقود. ولأن هذه الديانة تعيش في محيطنا العربي، فإنني أعتقد أن معرفة ولو جزء عنها (وعن غيرها أيضاً) هو أمر مطلوب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:53 م

      كتب القوم افضل

      حبذا لو رجعت الى كتب الباحثين الاكاديميين من الايزيديين انفسهم لكان افضل ان وجدت طبعا

    • زائر 6 | 4:40 ص

      ....

      أحرص دائما على مقالاتك لما فيها من معلومات
      وحس إنساني

    • زائر 4 | 2:56 ص

      عبير

      الطائفة التي تشير إليها والتي تسكن غالبيتها في إقليم سنجار بالعراق هي "الإيزيديون" نسبة إلى إيزدان وليس يزدان.
      أما اليزيديون، فهم شئ آخر! إنهم أتباع يزيد بن معاوية فكراً وسلوكاً ومنهجاً. فمن المعروف عن يزيد بن معاوية (كما تواتر في كتب التاريخ) معاقرته للخمر والمجون ليلاً ونهاراً وادعائه بأنه خليفة للمسلمين بل وربما أمهم في صلاة الجماعة فجراً رغم فجوره في قتل سيد شباب أهل الجنة ويقال أيضاً هدم الكعبة المشرفة. ... اليزيديون هؤلاء لا زالوا كما هم .. فقط تغير لباسهم!

    • زائر 5 زائر 4 | 3:57 ص

      الى الزائرة 4

      تشابه الأسماء لا يعني أنها هي ذاتها وإلا أصبح اسمك عبير هو نفسه المتكرر في ملايين الناس! لفظة الأزيديين واليزيديين هي تحمل نفس المعنى لتلك الطائفة عند العراقيين والباحثين ليس من خلال ما ساقه الكاتب المحترم نقلاً عن توماس بوا بل حتى الازيديين انفسهم يقولون نفس الشيء ولو راجعتي مداخلة النائبة فيان دخيل في البرلمان العراقي وهي نائبة أزيدية لسمعتيها وهي تلفظ اليزيديين أيضاً. شكرا

    • زائر 3 | 2:45 ص

      إله الخير

      ما أعرفه هو أن للزرادشتية إلهان هما إله الخير (يزدان أو ايزد) و إله الشر (أهريمن)

    • زائر 2 | 1:18 ص

      أحسنت

      نعم نحتاج لثقافة من هذا النوع ، ولعل علم الأنثروبولوجيا يقدم ما نحتاجه في هذا الجانب...

اقرأ ايضاً