العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ

الديمقراطية في الخليج: مشروع ما قبل وبعد السقوط

ليلى رجب comments [at] alwasatnews.com

مرة أخرى يحاول الرئيس الأميركي جورج بوش تغطية فشله في المستنقع العراقي بالحديث عن ان رايات الديمقراطية مرتفعة في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين. وتذكيرنا بأن غياب الحريات والديمقراطية في المنطقة راجع إلى ان أميركا اشترت مصالحها على حساب الحرية. وليس فيما قاله بوش جديد فهو حديث معاد مكرر هدفه ذر الرماد في العيون. فالمستنقع العراقي بدأت تفوح رائحته وتكشفت الدوافع الحقيقية للحملة العسكرية. ولمن يريد المزيد عليه مراجعة عدد الاسبوع الأخير من مجلة «نيوزويك». فقد استبان لكل ذي بصيرة ان الربط بين ما يحدث في العراق والدعوة للاصلاحات الديمقراطية في «الشرق الأوسط» كذبة لا يمكن تصديقها. وما عاد الحديث عن «أسلحة الدمار الشامل» كافيا لاقناع حتى الدوائر المقربة من الحكم في واشنطن.

لكن ما يدهش المرء في كل مرة هو ردود الفعل لأي حديث يأتي من واشنطن وأي تصريح يخرج علينا من جهة ما. فتنغمس الفضائيات والصحف السيارة وأهل الحل والعقد من مثقفي الامة العربية في اجترار الحديث عن ان المسألة تتطلب ان يترجم المواقف على الواقع وان العقبة الحقيقية هي السياسات العدوانية لـ «إسرائيل» وازدواجية الموقف الأميركي من الصراع العربي الصهيوني، ناهيك من ازدواجيتها في دعم الانظمة الدكتاتورية عندما تتطابق مصالحها مع واقع الحال. ان كان هنالك عذر للرئيس الأميركي فلا يمكن تجاهل حالة الافكاك السياسية التي يروج لها بعض مثقفي وطننا العربي.

خلال الفترة الماضية سادت الاوساط نبرة الحديث عن مسألة التغير والتحول الديمقراطي في اوطاننا. وشاركت وجهات نظر مختلفة في تقليب اركان الموضوع وتداوله من جهتين لا ثالث لهما هي ان تتغير أوضاع الحكم والسياسة والا ان التغير سيفرض علينا تحت عنوان «بيد عمرو». وحاولت ان استوعب الرؤى المتضاربة التي قدمها اشخاص هم في رأس القيادة الفكرية لأمتنا. اشخاص في قامة محمد جابر الانصاري وسعد الدين ابراهيم وكوكبة في جميع وسائل الاعلام. ولكن في كل مرة اجد ان التناول لهذه القضايا المصيرية ينحصر في الحديث عن الانظمة وعن المشروع الأميركي لتعجيل دفة التحولات الديمقراطية في الوطن العربي.

لا يمكن الحديث عن مشروع مزعوم لتيار ديمقراطي يبحث عن جذور في تربة اوطاننا وخطابه العام يتجاهل مسائل اساسية تواجهنا هنا في بلادنا ووسط اهلنا يوميا. واعني بذلك التغييب المستمر لوعي شعوبنا وتقاليدها الديمقراطية وتضحياتها عبر الزمن لتصل إلى معادلة تتوافق مع خصوصيتها وقدراتها. الشعوب مغيبة ايها السادة عندما تتحدثون عن الديمقراطية. تجاربنا وتضحياتنا في سبيل ان نتوصل إلى معادلة سليمة للحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية لا تجد الاعتبار من الادارة الأميركية ولا وزن لها في خططها للتحولات الديمقراطية في بلادنا. فالحديث عن ديمقراطية مفروضة لا تستحق حتى مجرد الرد عليها. وديمقراطية لا تجد فئات شعوبنا نفسها فيها لا يمكن ان توصف الا بانها تزييف للتاريخ ولقوانينه وسنن الحياة العامة.

لقد صمت في الفترة الأخيرة وعاهدت نفسي لان اساهم ما استطيع في التصاق حميم مع واقع التحولات التي تفرزها رياح التغير في منطقة الخليج العربي. وحاولت ان اتابع من القرب حملات انتخابية كانت في قطر وعُمان والكويت. ولم تسمح الظروف بان اكون في الكويت، ولكن مشاهداتي وتضامني مع المترشحات النسويات في كل من قطر وعمان كانت وبكل المقاييس ردا عمليا للذين يراهنون على فشل دور الانسان العادي. وان مسألة التغير الديمقراطي هي في يد النخبة والصفوة تتداول فيها وبين فئاتها وتسمح بهامشها وتقلل من ظلها في تناغم تام مع دعوات واشنطن ورغباتها.

منذ العام الماضي ونحن في مركز «مواطن» نعمل في صمت من أجل ان تكون مسألة التحولات الديمقراطية موضوعا نابعا من واقعنا ويتفاعل مع مرتكزات خصوصيتنا وتقاليد اهلنا الديمقراطية. وفي كل ما قمنا به كنا نجد أن الواقع يؤكد أن حركة شعوب المنطقة والمغيبة من حوارات مثقفينا وقياداتنا الفكرية تستيقظ وتنمو في صمت. وذلك هو الاحساس الذي سيطر على مشاعري وأنا أعايش تجربة شابة عمانية من عامة الناس لا تملك من هذه الدنيا غير احساسها بوطنيتها وصدقمواطنيتها فتقدمت من دون خوف لتشارك في الانتخابات كمرشحة، نعم، لم توفق هذه المرة، كشقيقاتها في البحرين من قبل وكما في قطر، ولكن في كلمات إحدى العمانيات «نحن نضع بذرة التغير في أرض بلادنا ونرعاها من دون انتظار النجاح بمعناه المباشر، ولكن نجاحنا في أننا نتحدى واقع القرون وتمييز دام لدهور. نحن الناجحون حتى وأن لم ندخل مجلس الشورى» ما أصدقها من كلمات.

منذ سقوط صدام حسين وقبل سقوطه في أبريل/ نيسان الماضي شهدت كل من البحرين وقطر وعُمان والكويت انتخابات بلدية ونيابية شارك فيها مئات الآلاف. لا يهم الواقع الماثل، ولكن ما يهم هنا أن مشاركة الآلاف في تحديد بعض مسار أوطانهم هو المهم. ولكن الأهم هو انطلاق الاحساس بأن الناس ما عادوا رعايا ولكنهم يمارسون دورهم كمواطنين.

بقي أن أقول لكل من يحاول أن يتصور أن التغير لابد أن يمر عبر «الصفوة» أو يفرض علينا من الخارج أن تقاليد العمل الديمقراطي وأن لم تكن ظاهرة للعيان فهي موجودة ولا تخفى على كل صاحب بصيرة. وأزيد وأقول لهؤلاء ولاولئك أن العقلية التي حكمت مسرح الحوادث تجاوزتها القدرات الكامنة لشعوب المنطقة بحكمة لا تخطئ العين ووعتها العين الباصرة والحكمة التاريخية لأولي الامر في منطقتنا وتوحدت الرؤى من أجل حكم رشيد وديمقراطية نابعة من واقعنا، لا يحد منها أو يهددها استغلال العاطفة الدينية ولا يقلل منها عدم وجود وضوح البرنامج السياسي لبعض رموز التيارات السياسية ولا يضرها انتهاج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ولا يفزعها اتباع الإرهاب أو التحجر في الفهم والانعزال عن تيار الاصلاح الديمقراطي في عالمنا العربي.

لا أظنني في حاجة لأن أذكر الناس بأن القيمة الحقيقية لدعاة الاصلاح تكمن في أن التعامل مع السلطة، يرتبط بقياس الوعي تجاه ما تنتجه هذه السلطة في علاقتها بشعوبها دروس التاريخ علمتنا أن عدم التناغم بين هذين القطبين يؤدي إلى خروج أية قوة لا تربط مصيرها بمستقبل شعبها.

وعندما تصبح دعوات الاستنكار لتصريحات قادة أميركا عن أن حديثهم عن الديمقراطية تدخل في الشئون الداخلية لا معنى لها ويصبح قول الرئيس الأميركي بوش إن «الشرق الأوسط» سيستمر مكانا لا تجد فيه الحرية وضعا ما يؤهله لأن يستمر في تصدير الإرهاب والعنف إلى أبد الآبدين

العدد 436 - السبت 15 نوفمبر 2003م الموافق 20 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً