العدد 4360 - الخميس 14 أغسطس 2014م الموافق 18 شوال 1435هـ

الفزعة في الموروث الاجتماعي... باربار نموذجاً

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التعاضد الاجتماعي ومساعدة الغير ثقافة متأصلة في مجتمعنا البحريني، وهناك حكايات وشواهد تاريخية تدلل على مكانة هذه الثقافة في موروثنا الاجتماعي. والفزعة مقوم رئيس في منظومة العمل الخيري، ويحكم وجودها الظروف التي كان يعيشها المجتمع والتي جعلت سكان القرى في القديم بناء بيوتهم قريبة بعضها من بعض ضمن سلسلة سكنية متشابكة ومتداخلة المداخل والمخارج.

الكاتب والأديب يوسف حسن يصف ذلك الواقع في القصة القصيرة التي تحمل عنوان «مرويات أبو حبيب»، وتشير القصة إلى أنه «تتكدس بيوت القرية في بعضها، داراً داراً، وكوخاً كوخاً، كالعجينة اللدنة والرطبة، مشكلة كتلة متنافرة من الصور والأشكال والألوان، لكنها متماسكة وكأنها تحتمي ببعضها من أمر مخيف محتمل الوقوع، أو أنها تتوقع هجمة شرسة من عدو لدود شرس مجهول».

الحالة التي يصفها الكاتب كانت محط حكايات وروايات كنا نستمع إليها من البحارة عندما كنا نرافقهم في رحلاتهم البحرية، حيث كنا نمتهن الصيد البحري في فترة العطلة المدرسية في سبعينيات القرن الماضي، وكنا نستمتع بالحكايات التي كان يرويها المرحوم الحاج محمد بن سبت عن بيوت القرية قديماً، وثقافة التعاضد الاجتماعي في مواجهة هجمات الحرامية في الليالي المظلمة وتوزيع ما يحصلون عليه من مواد غذائية على الأهالي.

ولثقافة الفزعة مكانها في بناء المساكن، ويحدّثنا المرحوم والدي عن أثرها في تشييد الحضور وبناء بيوت القرية، وعن مساهماتهم في بناء بيوت بعض معارفهم في البديع ومدى أثر ذلك ايجابياً في تعضيد الوحدة الاجتماعية.

التربية في نشر ثقافة عمل الخير مكون رئيس في الموروث الاجتماعي لأهل البحرين، وكانت الأسر تحرص على أن يتبنى أبناؤها قيم التعاضد والتعاون، وكان المرحوم والدي يبين لنا في أحاديثه الثرية فوائد عمل الخير في بناء وحدة المجتمع وتجنيب المجتمع المآسي غير المنظورة، ويدلل على ذلك بحكاية تقول إنه «ذات يوم ودع فقير صديقه الغني وقال له: لن نلتقي بعد اليوم، فليس لدينا ما نأكل والأسرة سوف تختبئ في البيت وتطين منافذه، وكان رد فعل الغني أن ذهب مسرعاً إلى أسرته وأخبرهم بالأمر، ووفّرت للأسرة ما تحتاجه من متطلبات معيشية وجرى إنقاذها من الهلاك».

الشخصية التربوية الفاضلة والمعروفة إبراهيم خليل الجمري الذي تخرّجت على يده أجيال، من الشخصيات الاجتماعية في باربار التي نهلت من هذه الثقافة، لذلك تبنى مسئولية البحث عن الفقراء والمحتاجين ضمن التوجه الذي اعتمده شباب فريق «الكوكب» الذي كان له حضوره الفاعل في العمل الإجتماعي والخيري في بداية سبعينات القرن الماضي في قرية باربار. وكان الدافع الفعلي لهذا التوجه الحالة المعيشية وما كان يعانيه عددٌ من الأسر من فقر بالغ الشدة. وقد بدأ النشاط الخيري لفريق الكوكب بإصدار دفتر لجمع المال كتب فيه «ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء».

وجرى في البداية تزويد الأسر الفقيرة بمواد غذائية، وكان المتطوعون يوزعون المؤن في الليل ويضعونها عند باب البيت والتأكد من أخذها ومغادرة الموقع دون أن يشعر بوجودهم أحد مراعاةً لمشاعر الأسر، ما دفع أحد معيلي هذه الأسر إلى القول بأن الملائكة عطفت عليهم ووفرت لهم ما يسد رمقهم.

بدايات العمل الخيري تركت صدى إيجابياً في الوسط الاجتماعي، وساهمت في تخفيف الظروف المعيشية عن عدد من الأسر، وتفعيلاً لأهداف المشروع جرى إعداد رسائل لعدد من الأسر المحتاجة وتوجيهها إلى قسم الشئون الاجتماعية بوزارة العمل لمساعدتهم، وتولى متابعة الملف إبراهيم الجمري، وبناءً عليه ابتعثت الوزارة باحثات اجتماعيات لتشخيص حالة الأسر المحتاجة وجرى اعتماد معونة شهرية لأربعين أسرة. وفي بداية صرف المعونات صار الجمري ينقل معيلي اأسر بسيارته الخاصة إلى الوزارة لاستلام المعونة، وجرى الاتفاق لاحقاً مع قسم الشئون الاجتماعية بتسليم المعونة إلى الجمري لتخفيف العناء عن معيلي الأسر فيقوم بدوره بإيصالها إلى مستحقيها، وترك ذلك أثره على الأسر المحتاجة، باعتبار ما يقوم به عملاً إنسانياً كبيراً يستوجب الشكر، حيث ساهم في توفير ما يلزم من احتياجات شتوية حمت أطفالهم من البرد القارس.

النشاط الخيري ترك صداه الإيجابي أيضاً على موظفي قسم الشئون الاجتماعية، ما دفع الباحثات الاجتماعيات إلى تقديم جلّ المساعدة وحفز سائق المرحوم جميل الجشي، مدير الشئون الاجتماعية يومها، علي عبد علي (من أهالي قرية أبو قوة)، لإبداء رغبته بالمساعدة واستلام معونات الاسر. وتوسع نشاط العمل الخيري لاحقاً وصار الهلال الأحمر يعمل على توزيع مواد صحية على الأسر المحتاجة.

وبعد تولي شباب فريق الكوكب إدارة نادي باربار الثقافي والرياضي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، تولى النادي مهمة البحث عن المحتاجين ورفع الرسائل إلى قسم الشئون الاجتماعية بالوزارة قبل إنشاء صندوق باربار الخيري في التسعينيات، ولا يزال حرص النادي قائماً بدعم مشاريع العمل الخيري في القرية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4360 - الخميس 14 أغسطس 2014م الموافق 18 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:43 م

      للتوضيح فقط

      الكاتب ضرب مثلا بباربار لكنه أكد على قيمة هذه القافة في المجتمع البحريني حيث أشار الى أن "التعاضد الاجتماعي ومساعدة الغير ثقافة متأصلة في مجتمعنا البحريني".

    • زائر 3 | 6:25 ص

      الزمن الجميل

      شكرا سيدنا في السابق كان التعاون صفة اساسية في المجتمع البحراني وهدة ليست مقتصرة علي االحبايب اهل باربار ونحن في الدراز التعاون في كل شي ابتداء من الماء حيث عندنا في القرية جليب ماء يسمي جفر الحلو في وسط القرية وفي يوم تنظيفة من الاوساخ يتجمع الاهالي كل علي حسب استطاعتة ويقومة بتنظيفة وفي مجال بناء البيوت يقوم الاهالي بمساعدة الفقراء في بناء بيوتهم وهدة صفة ممتازة في معظم قري البحرين تحياتي لك سيد دكرتي بالماضي الجميل والف تحية الي احبائي واصدقائي اهل باربار الكرام

    • زائر 2 | 2:28 ص

      زائر 1

      نعم قد يكون اختفت ولكن ليس بشكل مطلق

    • زائر 1 | 10:21 م

      لو عاد الزمن

      كل الصفات الجميلة التي كانت في المجتمع البحريني و التي شجعتني علي الإقامة فيها منذ نصف قرن ذبلت و اختفت. منها الفزعة و مساعدة الغير و بساطة الحياة. لو عاد الزمن لما وضعت هذا الامر منهجا لاقامتي في البحرين. لانها اختفت. كم اتمني ان يقوم باحث او بحاثة بدراسة علل و اسباب التغيير ليكون أساسا في علم الاجتماع و النفس.

اقرأ ايضاً