العدد 4388 - الخميس 11 سبتمبر 2014م الموافق 17 ذي القعدة 1435هـ

في الحرب الكونية على «داعش»

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أنهى حلف الناتو مؤخراً اجتماعاته بقرارات تتعلق بموضوعين رئيسيين: الأول، هو التصدي لطموحات روسيا الاتحادية في دائرة عمقها الاستراتيجي، لتشمل بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، وتحديداً ما يجري الآن في أوكرانيا. وكانت روسيا أجرت مؤخراً مناورات عسكرية، استخدمت فيها أحدث الأسلحة الفتاكة، بما يشي برغبتها في استعراض قوتها العسكرية، تحسباً لكل الاحتمالات. وجاء ذلك متزامناً مع تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف، بأن روسيا تعتبر نفسها من الآن في حرب باردة مع حلف الناتو.

أما الموضوع الآخر، فتمثل في الدعوة لتشكيل حلف عسكري من دول المنطقة، لمواجهة «تنظيم داعش»، الذي تمدّد مؤخراً، في مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية. وفي هذا السياق، تؤكد الإدارة الأميركية، وتشاطرها في ذلك دول أوروبية أخرى، أن الهجمات على «داعش» ستكون جوية، ولن يكون للغرب وجود عسكري على الأرض. إن القوات البرية، ستكون في الغالب محلية، وربما من دول مجاورة، لكن معظم المؤشرات تؤكد صعوبة مشاركة أي بلد عربي، بشكل مباشر، في هذه الهجمات البرية.

الساحتان المفترضتان للمواجهة العسكرية مع «داعش»، هما الأراضي السورية والعراقية. بالنسبة إلى سورية، أكدت حكومتها أنها لن تسمح بأي تدخل عسكري مباشر في أراضيها من غير التنسيق معها، وأنها تعتبر ذلك عدواناً مباشراً عليها، ستواجهه بما تملك من قوة. وإذا ما وضعنا في الاعتبار الموقف الروسي المتضامن مع القيادة السورية، منذ بداية الأزمة، فإن ذلك سوف يضيف تعقيدات أخرى، أمام تدخل الناتو. وربما لا يتبقى ما يمكن فعله، عملياً سوى تكثيف الهجمات الجوية على مواقع «داعش»، في العراق من قبل الناتو، والأصدقاء الآخرين الذين يمكن أن يلتحقوا بركب الحلف العسكري، المزمع تشكيله لمواجهتها.

مثل هذا الحلف إن تأسس، لن يعدو دوره ما تقوم به الطائرات الأميركية من غير طيار في باكستان وأفغانستان واليمن، والتي مضى على التدخل العسكري فوق أراضيها ما يقترب من ربع قرن، دون نجاح في القضاء على الإرهاب، في الحالات التي أشرنا لها. بل إن الموقف قد تعقد أكثر في هذه البلدان.

ما يستحق النظر في العراق، وهو البلد المرشح الآن، لشن الحرب العالمية ضد «داعش» على أراضيه، هو سرعة تحرك تنظيم «داعش»، وتمكّنه في فترة قياسية قصيرة من احتلال أربع محافظات عراقية، هي الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، أمام نظر الأقمار الصناعية الأميركية، وطائرات التجسس ذات التقنيات العالية.

ورغم صرخات الاستغاثة المتكررة، المطالبة بالنجدة، التي أطلقتها الحكومة العراقية، لم تحرك الإدارة الأميركية والحلفاء في الغرب ساكناً، إلا بعد الهجوم على الشمال العراقي، وقريباً من أربيل. عند ذلك فقط، وعندما تجاوزت «داعش» الخطوط الحمر، مهددة المصالح الأميركية، بدأت الإدارة الأميركية الحديث عن مواجهتها عسكرياً، وبدأت طائراتها تشن هجمات خجولة على مواقع التنظيم، لكن ليس في كل العراق، بل في المناطق التي ترى أن «داعش» تهدّد فيها المصالح الأميركية.

وبذلك تكرر الإدارة الأميركية سلوك إدارات سابقة، في المعايير المزدوجة، والكيل بمكاييل مختلفة تجاه قضية يفترض أنها واحدة، قضية مواجهة الإرهاب، من حيث تهديده للأمن والسلام، والاستقرار في هذه المنطقة والعالم.

لم يعرف للقاعدة وأخواتها وجودٌ في العراق، في المرحلة السابقة على الاحتلال الأميركي له. وقد اتسمت المرحلة الأولى للاحتلال بهجمات طائفية بغيضة، من قبل الميليشيات المتطرفة، التي قدمت مع الاحتلال، والتيارات الأخرى التي تشكلت لاحقاً. جرت عمليات تهجير واسعة للسنة من أحياء وسط مدينة بغداد، من أحياء العدل واليرموك والشرطة، ومورس مثل هذا النهج الإقصائي الطائفي في مدينة البصرة. تزامن ذلك، مع نهب للمتاحف، وحرق للمكتبات والجامعات، وهدم مؤسسات الدولة الوطنية العراقية، التي تأسست منذ العام 1920. صودر العراق، كياناً وهوية، تأسست عملية سياسية، على أساس القسمة بين الطوائف والأقليات، لتحول دون وحدة العراق، في المستقبل. وكانت هذه العملية السياسية، التي نفّذها السفير الأميركي بول برايمر، مقدمةً لتسعير طائفي آخر.

حل الجيش الوطني، وصدر قرار باجتثاث البعث، بما يعني حرمان أكثر من مليون عائلة من متطلبات العيش الكريم. وتبع ذلك تجريد العشائر العراقية، التي أسهمت في صنع التاريخ المعاصر للعراق، من حقوقها، رغم أن بعض قياداتها تعاون مع الاحتلال لاحقاً، وشكل ما عرف بالصحوات، التي كان لها الفضل في إعادة شيء من الاستقرار، فكان جزاؤهم جزاء سنمار.

أسست هذه الأحداث لخلق البيئة الملائمة لنمو ظواهر الإرهاب، ولتصاعده في مراحل لاحقة، بالطريقة الدرامية التي وصلت إليها الأمور الآن. إن ذلك يعني أن شرط نجاح الحرب على الإرهاب، يكمن أولاً في التصدي للعوامل التي أسهمت في بروزه، وعلى رأسها التغوّل السياسي للتنظيمات التي ساندت الاحتلال، وإلغاء العملية السياسية التي قسمت العراق، طائفياً وعرقياً.

ليست مشكلة العراق إذاً، في تغيير رئيس حكومة، وإحلال آخر، فكلاهما في ظل القسمة بين الطوائف والأقليات سيكونان وجهين لعملة واحدة. إن تأسيس حكومة وحدة وطنية، من أشخاص عرفوا بموالاتهم للاحتلال، وكانوا رجالاته، في الفترة الأولى، لن يحل المعضلة، ولن يزج بطاقات الشعب العراقي كله، في المواجهة الوطنية للإرهاب. الحل الحقيقي، هو أولاً في تجاوز تركة الاحتلال وإفرازاته، وعودة العراق محرراً لكل العراقيين، وليس لطائفة أو أقلية دون أخرى. استعادة العراق للهوية الوطنية هو شرط أول لمكافحة الإرهاب. وهذا الشرط، يقتضي إلغاء العملية السياسية الطائفية، جملة وتفصيلاً، بما في ذلك الدستور العراقي، الذي تأسس على قاعدتها. وتضمين ذلك بقرارات أخرى، تعيد تشكيل الجيش العراقي على أساس وطني، وتلغي عملية الاجتثاث البغيضة، وتحقق الكرامة والاعتبار، للعشائر العراقية، التي تمسكت بهويتها العربية، في مواجهة الطوفان الطائفي، ونزعات التوسع الإقليمية. فهل آن الوقت لتحقيق هذا الانقلاب في المعادلة السياسية العراقية، لكي يتحقق المناخ اللازم لمواجهة الإرهاب، أم أن على العراق الاستمرار في مواجهة الطوفان؟

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4388 - الخميس 11 سبتمبر 2014م الموافق 17 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:57 ص

      يتبع . حقا انكم امة لا تخجل

      عارف في الاردن وهو ضابط بعثي وابن الرئيس فسله ولكنكم تبقون و تصرون على الكذب الدنئ لانكم امة جبلت على الكذب وهي صفة ملازمة لكم منذ اكثر من الف سنة فزورتم حتى التاريخ و تريدون اليوم تزييف الحقائق الناصعة ولكن هيهات لكم ذلك فالعالم اصبح شقة واحدة وتوثق كل الحوادث بالصوت و الصورة ولن تستطيعوا تزويرها ولو جئتم باذني عناق . البعثيون عادوا الى و ظائفهم ولم يتبق منهم غير المجرمين الذين اذاقوا شعب العراق الويلات . فكونوا صادقين ولو لمرة واحدة يا اكذب امم الارض .
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 2 | 8:51 ص

      حقا انكم امة لا تخجل

      من هو الذي بنى العراق ؟ لقد بنى العراق هم ابناؤه من الوسط والجنوب الشيعيين فكان منهم العلماء والادباء والاساتذة والجنود اما تلك العشائر التي تدعي انت بانهم بنوا العراق فلم يكونوا سوى طغاة ظالمين و لصوص وحزب البعث و ماسبقه من الحكام تاريخهم كله اسود و مظلم ما عدا كريم قاسم الذي احبه الشعب ايما حب انت تكذب يا مكي والبعثيون اليوم لم تحرم عوائلهم من حق العيش بل تقاعدوا وها هم في الاردن و خصوصا الضباط منهم تصل رواتبهم التقاعدية اليهم ودونك الفريق عبد الرحمن
      علي جاسب . يتبع

    • زائر 1 | 10:44 م

      عندما لا نتعلم

      من المسؤول عن غباء الشعوب؟ من النسؤول عن وقوعنا في المهالك بأيدينا مرة بعد مرة؟
      التاريخ يتكرر. يتقاتل الاخوة. تتشرد الشعوب. تنقسم البلدان يسيطر عليها المستعمر.
      كل ذلك و بسبب غباء الافراد و الشعوب. من المسؤول؟

اقرأ ايضاً