العدد 4395 - الخميس 18 سبتمبر 2014م الموافق 24 ذي القعدة 1435هـ

جمال عبدالناصر وعصره بين المؤرخين والسياسيين

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

قامت لجنة من المؤرخين المصريين بإشراف رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية الأستاذ عادل غنيم، بإصدار كتاب بعنوان «جمال عبدالناصر وعصره»، شارك في فصوله بعض الشخصيات السياسية العربية المقيمين بمصر، والذين يرون في جمال عبدالناصر النموذج والقدوة، في حين قدّمت في المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للدراسات التاريخية للعام 2014 ورقة بحثية تتضمن نظرة مقارنة على رؤساء مصر الخمسة منذ العام 52-2013، وهم محمد نجيب، جمال عبدالناصر، أنور السادات، حسني مبارك، ومحمد مرسي، وموقفهم من مشروع النهضة المصرية ومدى نجاحهم وإخفاقهم أو عجزهم عن القيام بشيء.

كان محمد نجيب هو الرئيس الذي لم تتح له الظروف المساهمة، رغم أنه قضى أكثر من عامين رئيساً لمصر. أما محمد مرسي فقد أحدث تغييراً جوهرياً وإن كان سلبياً بالنسبة لمشروع النهضة، ولمصر بوجه عام، لعدم إيمان حركة «الإخوان المسلمين» بمفهوم الوطن والوطنية، وتركيزهم على مفهوم الأمة والخلافة الإسلامية، واعتمادهم على ممارسة الإقصاء للآخر والتمكين للأهل والعشيرة، وهذا أدّى إلى مشاكل جمة لهم ولمصر خلال سنة واحدة من حكم الرئيس مرسي.

أما عبدالناصر فقد كان الرئيس الوحيد الذي طرح مشروعاً للنهضة تبلور تدريجياً، وحقّق نجاحات في بناء السد العالي، تأميم قناة السويس والجلاء في العام 1954، والوحدة المصرية السورية، وتقديم مساندة كبيرة لحركات التحرر العربية والأفريقية، وبلورة حركة عدم الانحياز. وقامت فلسفته على التوازن السياسي والاهتمام بالطبقات الفقيرة في التنمية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحية وغيرها.

وان عجز عبدالناصر عن الوفاء بمتطلبات مشروعه فتراجع المستوى التعليمي والصحي والاجتماعي لعدم توافر الموارد المالية، وتوقفت التنمية بعد هزيمة 1967، التي تعد من أهم نكبات العرب في العصر الحديث. وهي أكبر نكبة لحقت بمصر، لأنها أعادتها إلى الوراء أكثر من مئة عام، ولكنه كان صادقاً مع نفسه، أميناً مع شعبه في أطروحاته وأفكاره، وإن عجز عن فهم حقيقي للعالم العربي ومراحل تطوره، وعن إدراك أبعاد المتغيرات في السياسة الدولية، والحدود الممكنة أو المسموح بها لدولة متوسطة مثل مصر، في إقليم استراتيجي مهم مثل الشرق الأوسط، وطبيعة الكيان الإسرائيلي ليس كقوة استعمارية فحسب بل قوة استيطانية قومية متشددة مدعومة من القوى العالمية بأسرها، وإن اختلفت الدرجة فالدول الغربية دعمتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. أما القوى الاشتراكية فلم تعارضها بل دعمتها بشرياً، فالهجرات من الاتحاد السوفياتي تعد أهم دعائم السكان في «إسرائيل»، والدول العربية والفلسطينيون دعموها بضيق الأفق، ومحدودية الرؤية بطرد اليهود العرب، فذهبوا إلى «إسرائيل»، وبالشعارات المتطرفة والتهديدات الجوفاء، فتعاطف العالم مع «إسرائيل»، وانتقد العرب والفلسطينيين الذين اعتبرهم إرهابيين بعد حوادث خطف الطائرات وتفجير الأندية الليلية في دول أوروبية، ومهاجمة الرياضيين في ميونيخ. وهكذا يمكننا بصراحة استدعاء المثل المشهور «عدو عاقل خير من صديق جاهل»، وكان العرب والفلسطينيون هم أكثر أعداء قضيتهم الوطنية والقومية. ولذا قيل «إن القضية الفلسطينية عادلة ولها محامون فاشلون» فضاعت قضيتهم بدلاً من أن يكسبوها.

كتاب «جمال عبدالناصر وعصره» صدر عن دار المعارف بمصر العام 2013، ويقع في حوالي 600 صفحة، ويعد مرجعاً رئيساً لتلك المرحلة التي برزت فيها زعامة عبدالناصر في الأطر العربية والأفريقية والإسلامية والعالمية. وشارك في تأليف الكتاب نخبة من كبار المؤرخين المصريين، ونخبة متميزة من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وتناول موقف وسياسات عبدالناصر من فلسطين ومشاركته في حرب 1948، ودوره في بلورة مفهوم القومية العربية وقضية الوحدة العربية والأفريقية، والتحرر الأفريقي، ومعارضته للأحلاف العسكرية الغربية وخصوصاً في المنطقة العربية، وموقفه من القضية الكردية والحركة الشيوعية المصرية، ومن المرأة، ومن تطوير الأزهر الشريف، ومن القطاع العام والخاص، ومن الأزمة اللبنانية العام 1958، وهذه كلها قضايا مهمة. ولكن ما نراه جديداً في دراسات الكتاب هو موقفه من القضية الكردية، وكذلك الفصل المعنون بـ «الصراعات والحروب المفروضة عليه»، وهذا كلام غير دقيق علمياً، فالحروب عادةً لا تفرض، وإنّما يتم المشاركة فيها أو إثارتها، وأحياناً التورط فيها، ولم يكن عبدالناصر سلبياً، والحروب التي فرضت عليه، لو سلمنا بهذه الصياغة، كانت نتيجة اختلاف مواقفه وسياساته تجاه القوى الكبرى في العالم آنذاك.

عبدالناصر لم يكن شخصية سلبية بل كان شخصية دينامكية نشطة فاعلة على مختلف الأصعدة، وكثرة واتساع نطاق سياساته جلبت عليه الكوارث وعلى مصر وعلى العرب أيضاً، فمات عبدالناصر وأرض مصر محتلة من «إسرائيل»، وأوضاع مصر الاقتصادية والسياسية أكثر سوءًا ربما منها عندما تولى رئاستها، رغم إنجازاته العظيمة التي أشرنا إليها، ورغم نواياه الحسنة والطيبة لمصر وللعرب وللأفارقة والمسلمين بل وللعالم، ولكن كما يقال الطريق لجهنم مفروش بالنوايا الحسنة، حيث لم يحقق عبدالناصر الوحدة العربية، وتراجع مفهوم القومية العربية، ولم يحقق تحرير فلسطين بل استولت «إسرائيل» على كامل التراب الفلسطيني، وعلى سيناء والجولان. وبالطبع لا يمكن توجيه اللوم لعبدالناصر وحده، بل للقيادة السورية العام 1967 التي سلّمت الجولان التي كانت محصنة استراتيجياً لارتفاعها، ولخداع القيادة السورية لعبد الناصر بالادعاء بوجود حشود إسرائيلية عليها وهو ما لم يثبت صحته، وأيضاً للتحريض من النظم العربية آنذاك ضد مصر وعبدالناصر، ولتورطه في اليمن بحسن نية مساندةً لثورتها.

وأدى ذلك إلى استنزاف ميزانية مصر واقتصادها، وإضعاف القوات المسلحة المصرية، وهكذا مجموعة متنوعة من العوامل تكالبت ضد عبدالناصر، وعجز عن إدارة السياسة المصرية الداخلية والخارجية، فاشتبك في العام 1965 مع الإقطاع ومع الإخوان. وإذا كان اشتباكه مع الإقطاع غير مبرر آنذاك، وإنما كان انزلاقاً وقع فيه تحت تأثير اليسار الشيوعي المصري، فإن صراعه مع الإخوان كان مفروضاً عليه لسعي الإخوان للاستيلاء على السلطة، وتغيير المفاهيم الوطنية المصرية ونشر مفاهيم سيد قطب في الحاكمية والجاهلية والكراهية والتكفير والجهاد وغيرها؛ وكذلك التآمر والخلايا التي شكّلوها للعمل ضده. ولم يكن منطقياً لأي نظام سياسي فضلاً عن نظام عبدالناصر، أن يتسامح مع نشر تلك الفوضى والمفاهيم الهلامية وغير المنطقية في دولةٍ مثل مصر.

ومن الفصول التي تستحق الإشارة إليها فصل «عبدالناصر والأزمة الكردية»، للباحث رجائي فايد، لتطرقه إلى قضية مهمة، هي قضية الحكم الذاتي للأكراد. وخلاصته أنه لو استمع العراقيون لنصيحة عبدالناصر ولموقفه من الأزمة الكردية، فإن الأمور في العراق كانت ستكون مستقرة. وخلاصة الرأي أن الأكراد طرحوا على عبدالناصر مفهوم الحكم الذاتي للأكراد في إطار الدولة العراقية الموحدة، وهو ما أيّده عبدالناصر ونصح القادة العراقيين للأخذ به، ولذلك فإن البرلمان الكردستاني في العام 2000، أي بعد وفاة عبدالناصر بثلاثين عاماً، كرّم عدداً من الشخصيات التي تفهمت قضيتهم، وكان اسم عبدالناصر في مقدمة المكرّمين، وشرح الكاتب تطور العلاقة بين الأكراد وعبد الناصر والتي لعب فيها الزعيم الكردي جلال الطالباني دوراً رئيساً، وقد أشار إليها في مذكراته. وأعتقد أن هذا يتماشى مع فكر عبدالناصر الذي ركّز على مفهوم القومية العربية والوحدة العربية، وهذا مفهوم غير عنصري ولا يسعى إلى السيطرة على الأقليات في العالم العربي، وإنّما للتعاون والاحترام، ولذلك استجاب عبدالناصر مع طرح الحكم الذاتي للأكراد، طالما أنه يحافظ على وحدة العراق كدولة عربية وسلامتها ويضمن حقوق كافة مكونات الشعب العراقي.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4395 - الخميس 18 سبتمبر 2014م الموافق 24 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً