العدد 4397 - السبت 20 سبتمبر 2014م الموافق 26 ذي القعدة 1435هـ

الإيمان بقيم الكفاءة

خالد جناحي

مصرفي بحريني

«الإيمان بقيم الكفاءة» أو ما يعرف في الغرب باسم «Meritocracy» هو مصطلح كبير يبدو لغالبية الناس مفهوماً بسيطاً، إذ يعني ضرورة تأسيس المجتمع على نظام يتم من خلاله تعيين الأفراد في المناصب والوظائف والمسئوليات بناءً على جدارتهم ومؤهلاتهم. وهو ما يعني على أبسط المستويات منح فرص متكافئة للجميع، ثم ترك الأمر لقوى المنافسة لتحدد ومن دون أية قيود الرجل (أو المرأة) الأفضل والأصلح للوظيفة. وعلى الرغم من صعوبة العثور على من يعارض مبدأ الإيمان بقيم الكفاءة، يبدو أننا في الشرق الأوسط يصعب علينا تطبيق هذا المبدأ البسيط.

وليس من العدل أن نشير إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها الجزء الوحيد من العالم الذي لا يطبق نظام الإيمان بقيم الكفاءة. فحتى عند النظر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة التي يبرز دستورها الأدوات اللازمة لتطبيق نظام اجتماعي قائم على الجدارة، أي «الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة»، فإننا نجدها مازالت تعمل على خلق مجتمع مثالي قائم على قيم الاستحقاق والجدارة. ومع ذلك، فيمكننا القول أنه في معظم الدول الحديثة والمتقدمة قد أصبحت حالات المحسوبية هي الاستثناء وليست القاعدة، ولكن ما يميز دول الشرق الأوسط هو أن المحسوبية وعدم الجدارة هي القاعدة. ويرجع سبب هذه المشكلة في الشرق الأوسط إلى عدة عوامل، من بينها الثقافة الغارقة في الاعتزاز بالسلالات، بالإضافة إلى وجود شبكات المحسوبية الموروثة والمتشعبة في جميع أنحاء الحياة العملية.

ومن أجل تقدم وتطور المجتمع، علينا نحن هنا في الشرق الأوسط، أن نضع جانباً المصالح الخاصة والعصبيات والتطلعات قصيرة المدى من أجل خلق ثقافة الإيمان بقيم الكفاءة، حيث أنه عندما نقف جميعاً على أرضية واحدة من المساواة سنحصل حينها على نفس الفرص، وستتم مكافأتنا جميعاً وفقاً لإنجازاتنا فقط، وليس على أساس الوضع الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو المعتقدات الدينية.

يقول آدم سميث (Adam Smith)، الأب الروحي لعلم الاقتصاد الحديث، أن هوية الأفراد تتحدد وفق العمل الذي يضطلعون به في مجالاتهم المهنية والاجتماعية. كما لاحظ أنه حتى أصغر عامل في أي مصنع قادر على تحقيق ذاته من خلال نتائج عمله الشاق. إنه ذلك الإحساس بالإنجاز والنجاح المستمر الذي يدفع المرء نحو المنافسة كوسيلة لتطوير ذاته في إطار نسيج وهيكل المجتمع. ومن أجل تحقيق ذلك الأمر، يسعى المرء إلى ابتكار طرق جديدة ومتخصصة لأداء عمله. ووفقاً لما قاله سميث، فإن هذا الإبداع الفردي القائم على المنافسة في السوق هو ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق التقدم الذي يفيد المجتمع بأكمله.

وهكذا، يتوجب على المرء أن يعمل جاهداً من أجل تحقيق النجاح، والذي لا يأتي كحق مكتسب منذ الولادة. حيث أن النظام القائم على الاستحقاق والجدارة هو السبيل الوحيد للتقدم وتحفيز المنافسة والمواهب الكامنة. ومن دون ثقافة الإيمان بقيم الكفاءة، لن تكون هنالك أية أسباب مقنعة لدى الأفراد للمحاولة جدياً، والمخاطرة واستثمار الوقت والمال والجهد اللازم لتحقيق النجاح فعلياً. أما البديل فهو اللامبالاة وفتور الهمم التي تؤدي إلى عدم تطور المرء، وهو ما يؤدي إلى خلق مجتمع متخاذل وغير منتج.

فعندما يكون مبدأ الاستحقاق والجدارة هو المعيار الأساسي للحصول على فرص النمو، فإننا نخلق بذلك بيئة تُكافئ الناجح وتعاقب الفاشل وتجبر الجميع على المنافسة الشريفة، بحيث يصبح التفوق على الشخص الآخر هو السبيل الوحيد للنجاح، بغض النظر عن من هو هذا الشخص، ومن هو والده، ومن هم معارفه، وما هي صلاته.

ومن المهم أن ندرك أنه من الطبيعي أن نرغب كبشرٍ في دعم هؤلاء المقرّبين منا، وأن نراهم يتفوقون على الآخرين. وعلاوةً على ذلك، فهناك من يولدون في أسر ثرية ذات صلات ومعارف قوية، بينما يرث آخرون ثروات عائلية ضخمة. وليس هنالك أي عيب أو خطأ في ذلك، فمبدأ الإيمان بقيم الكفاءة لا يتعلق بالثروة، ولكنه يعنى بتوفير المكافآت العادلة للجميع عند تحقيق الإنجازات ذاتها، بغض النظر عن أوضاعهم. كما يجب التأكيد كذلك على قدرة الإنسان على تغيير هذا الوضع.

وعلى عكس المخلوقات الأخرى، فقد أنعم الله علينا كبشر، بالقدرة على التفكير بالعقل والمنطق. وهو ما يعني أنه يمكننا تطبيق المنطق وتدارس الحقائق وتبرير الحاجة الملحة لتغيير الممارسات والنظم والمعتقدات من خلال اختبارها وتقييمها. إن السعي خلف تبني ثقافة العقل والمنطق هو الأساس الذي نحتاجه هنا في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق التطور، وذلك قبل أن نفكر حتى في التحلي بثقافة الإيمان بقيم الكفاءة.

قد يكون من السهل أن نوجه الاتهامات إلى النخبة منا أو ثقافتنا أو حتى كبار السن فينا، وأن نلقي اللوم عليهم ببساطة لعدم خلق وترسيخ ثقافة الإيمان بقيم الكفاءة، لكن وعلى الرغم من ذلك تبقى الحقيقة واضحة، وهي أن المسئولية تقع على عاتقنا جميعاً كمواطنين في منطقة الشرق الأوسط من أجل إحداث هذه التغييرات المهمة. ويجب علينا أن نتحلى بالمسئولية كأفراد، وأن نتخلّص من مبدأ الانحياز المنتشر من حولنا، وأن نستبدله بمبدأ التنافس الشريف والنظم العقلانية.

وهكذا، ربما تكون ثقافة الإيمان بقيم الكفاءة هي سبيلنا الوحيد لمستقبل أفضل. لذا فقد حان الوقت للسعي نحو تحقيقها.

إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"

العدد 4397 - السبت 20 سبتمبر 2014م الموافق 26 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:18 ص

      اضافة

      استاذ خالد، ما تقوله نقطة غير دستورية. لذلك لايمكن ان تطبق

    • زائر 2 | 1:41 ص

      موضوع شيق

      ومبادىء سامية يعززها الدين (لافرق لعربي على اعجمي) و(قل يستوي الءين يعلمون). شكرا للاستاذ الكبير خالد وأملنا ضعيف جدا ان تطبق هذه المعايير في بلداننا لا في القريب ولا البعيد الا اذا صلح الحال.

    • زائر 1 | 1:28 ص

      النخبة

      النخبة للأسف مشغولة بجمع الغنائم حوش لا تحوش. الكل نفسه نفسه. محد ايفكر في غيرة و السلطة تعرف تتعامل مع هالاشكال.

اقرأ ايضاً