العدد 441 - الخميس 20 نوفمبر 2003م الموافق 25 رمضان 1424هـ

قراءة في افتتاحيات الزايد الداعمة لدول الحلفاء

على خلفية افتتاح بيت عبدالله الزايد لتراث الصحافة

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

افتتح قبل أيام ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بيت عبدالله الزايد لتراث الصحافة في المحرق بإشراف الشيخة مي آل خليفة وسط تظاهرة ثقافية كبيرة شهدها الكثير من رموز الفكر والسياسة ورجال السلك الدبلوماسي.

ويأتي هذا الصرح الثقافي الجديد ليضاف إلى الصرح الآخر مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث.

ويبدو أن همة الوكيل المساعد للثقافة والتراث في وزارة الإعلام الشيخة مي لا تتوقف عند حدود فهي بصدد إضافة صرح ثالث لإحياء رمز آخر رحل قريبا عنا هو المرحوم المؤرخ والشاعر إبراهيم العريض. والزايد رحمه الله من الرموز الثقافية البحرينية، الذي أثار بعض الجدل عن توجهاته السياسية بوقوفه ضد المحور مع بريطانيا والحلفاء.

إن إعادة الحياة لمنزل عبدالله الزايد هي إعادة للذاكرة البحرينية لمرحلة الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي التي تعتبر بحق عصر الصحافة المعاصرة إذ أصدر عبدالله الزايد صحيفته (البحرين) في مارس/آذار من سنة 1939 وأختلف المثقفون فيما بينهم على توجهات الزايد. فعلى رغم أن هناك شبه إجماع على أنه كان صاحب حس وطني وقومي برز ذلك من خلال قصائده الوطنية كشاعر وأديب وسياسي حتى قال عنه الأديب اللبناني أمين الريحاني «أما الصراحة، كل الصراحة فهاكها، إن بين أدباء الجزيرة العربية الجميلة شابا ورد أدبه بواسطة المجلات فصفت روحه واشتدت لهجته، وما كان في الاثنتين غير صراحة رائدها الصدق ودليلها الحصافة، هو عبدالله بن علي آل زايد، سلك الكهرباء بين الأدباء».

وقال عنه الأديب الكويتي عبدالعزيز الرشيد «صاحبنا الفاضل نابغة البحرين ونبراسها عبدالله بن علي الزايد».

وهناك الكثيرون غيرهما ممن امتدحوا عبدالله الزايد سواء في أدبه أو شعره أو حسه القومي والوطني نثرا وشعرا كان في مقدمتهم رفيق دربه وصديقه الحميم شاعر الشباب عبدالرحمن المعاودة، هذا ما ورد في كتاب المؤرخ مبارك الخاطر (نابغة البحرين - عبدالله الزايد)، ومع ذلك لم يسلم من اتهام البعض له بأنه كان عميلا لبريطانيا وتعامل مع الإنجليز خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية حين اتهموه بأنه كان بوقا لهم ضد الألمان من خلال صحيفته (البحرين).

ويستدلون على أمر أكاد أقول انه سبب غير مقنع إذ كانوا يرون أن الزايد لم يكن قادرا على إصدار هذه الصحيفة لولا دعم الإنجليز له ليحاربوا به الدعاية الألمانية في المنطقة التي كان يطمع هتلر في استمالتها وسحبها من تحت مظلة الإنجليز، وما أن انتصر الحلفاء ووضعت الحرب أوزارها حتى استغنوا عن خدماته فاضطر إلى إيقاف صحيفته لأنه لم يعد يحصل على دعم. العمالة في نظرهم ليس أن تتحول إلى مخبر بل ان مجرد قبولك بالدعم والكتابة بالمقاسات التي يريدها هذا الطرف يعني أنك عميل والزايد استوفى كل هذه الشروط إذ جعل قلمه موجها ضد الألمان واستمات في الدفاع عن الحلفاء. وحين ناقشت هذا الطرح في مجلس ماجد النعيمي تصدى لهذا الرأي ماجد الجشي الذي كان ضمن الحضور ورأى في ذلك إجحافا في حق عبدالله الزايد إذ قال: إن المثقفين في البحرين كما في البلاد العربية الأخرى انقسموا على أنفسهم تجاه هذه القضية إذ وقف بعضهم ضد المحور ومن بينهم الأديب الراحل إبراهيم العريض وعبدالله الزايد بينما وقف البعض الآخر ضد الحلفاء، ولهذا فإنني أرجح رأي ماجد الجشي والأكثرية الذين اعتبروه عنصرا وطنيا ذا توجهات قومية غير أنه تقاطعت رؤاه في هذه المرحلة مع الإنجليز.

ومن يتتبع قصائده الوطنية الحماسية إلى جانب دوره في دعم القضية الفلسطينية وإنشائه لمشروع «كفالة أيتام فلسطين» وحماسه في جمع التبرعات لهم تتضح له الصورة أكثر، فقبوله لدعم الإنجليز في إصدار صحيفة جاء من باب تقاطع النظرة تجاه خطر الألمان مقارنة بخطر الحلفاء واعتبار الحلفاء أهون الشرين ما ينزه الزايد من هذه التهمة التي نسبها إليه البعض، ثم ان الزايد عمل في التجارة فما الذي يثبت أنه كان يتلقى دعما من الإنجليز؟

ومع ترجيح المنطق والإنصاف للرأي الأخير غير أن افتتاحياته في صحيفة (البحرين) وبهذا الحماس وهجومه بهذه الشراسة على الألمان بحيث جعل كل افتتاحيات صحيفته منذ صدورها وقفا فقط على هذه القضية من دون غيرها يظهر وكأنها أمر مفروض عليه ما يثير بعض الاستفهام مهما حاول المرء القفز فوق سور الشك، ولمزيد من الوقوف على رأي المناوئين له لا بأس من قراءة بعض مقتطفات من افتتاحيات الزايد في صحيفته لنترك المجال ليقيم القراء أفكاره خصوصا لمن لم يطلع كثيرا على كتابات الزايد الأدبية والسياسية وثقافته وشعره.

يقول الزايد في افتتاحية العدد 203 الصادر في 21 يناير /كانون الثاني 1943 تحت عنوان «العراق يخطو خطوة موفقة سوف تقفوا أثرها البلاد العربية ولا ريب»:

«استثار فرحنا وسرورنا بل واغتباطنا في أوائل هذا الأسبوع خبر دخول دولة العراق العربية الفتية في الحرب ضد المحور وانضمامها إلى دول الحلف الأعظم ان هذا الخبر الطافح بموجة من الابتهاج في جميع الأقطار العربية قد أثار إعجاب الدول الحليفة بموقف العراق النبيل ولعشاقه للحسام ضد الطغاة المعتدين من نازيين وفاشيين ويابانيين».

وتحت عنوان: «سرور العرب بابتعاد الخطر - بريطانيا وأمريكا تدحران المحور»، كتب في افتتاحية صحيفته يقول:

«أصبح خبر انضمام افريقيا الغربية بما فيها دكار الميناء الهام على الأطلسي بالإضافة إلى انتصار الحلفاء في افريقيا الشمالية حديث الأندية العربية وموضوع ابتهاجها سواء كان ذلك في مصر وسورية أو العراق أو إمارات الخليج وجزيرة العرب، حقا أن انتصار البريطانيين في ليبيا ودحرهم للأعداء كان مفاجأة مدهشة أعجب بها حتى الأعداء، أما الأصدقاء فقد هتفوا لها مكبرين مهللين». جاء ذلك في العدد 195 الصادر بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1942م.

هذه الشماتة وهذا الفرح الغامر وهذه القسوة على الألمان وهذا الدفاع المستميت عن الإنجليز والحلفاء وهذا التحريض ضد دول المحور كان من بين الأسباب التي دفعت هذا البعض إلى الشك فيه واتهامه بأنه كان مجرد بوق للحلفاء على الأقل سياسيا حتى لو فصلوا ثقافته وشعره عن توجهاته أيام الحرب.

صحيح أن في هذه الافتتاحيات لو تابعها الإنسان بكاملها يشعر أن المسألة تتجاوز حدود التقاطع في التقاء المصالح عند نقطة معينة إلى ما يشبه تحريض العرب جميعا وخصوصا دول الخليج ضد الألمان وتشجيع الوقوف مع التحالف البريطاني والأميركان وبقية الحلفاء ما يثير الاستنكار، لكن مثل هذا التقاطع حدث فيما بعد ما يكشف أن العرب لديهم استعداد للوقوع في مثل هذه المطبات فقد راح ضحيته غير الزايد فيما بعد من أمثال الإسلاميين بقيادة أسامة بن لادن في أفغانستان وصدام حسين في حربه مع إيران اللذين من يتطلع إلى دورهما لا يشك في أنهما خدما الأميركان والحلفاء خدمة لم يكونوا يتوقعونها لكن ذلك بحسب ظني وقناعة عدد من السياسيين من بينهم رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي عبدالرحمن النعيمي حدث بشكل عفوي من خلال التقاء المصالح عند نقطة معينة من دون أن يحسبا حساب انعكاساتها فيما بعد.

لكن دلائل إثبات وطنيته وحسه القومي أكثر من دلائل نفي ذلك الحس ما يرجح كفة إبعاده عن التهمة فأصحابه الحميمون الذين لا يشك أحد في بغضهم للإنجليز ظلوا أصدقاء معه وعلى علاقة متينة به حتى أواخر حياته إذ كان الزايد من رواد مجلس شيخ أدباء البحرين إبراهيم بن محمد آل خليفة وشاعر الشباب عبدالرحمن المعاودة. ويشتم القارئ من بعض قصائد الزايد أنه لم يكن على مودة صادقة مع الإنجليز مثل قصيدته التي يهاجم فيها عهد المعتمد البريطاني في البحرين (ديلي) إذ وقف الزايد مع الشيخ عيسى بن علي عندما قرر إقصاءه عن الحكم إذ يقول:

سلام على أيام عز تصرمت

سلام كليم أنهكته مشاغله

سلام فتى أودى به الهم والأسى

ينوح على مغنى تداعت هياكله

إلى أن يقول:

بريطانيا هل في العدالة ما جرى

أيحرق مقتول ويكرم قاتله؟

وفي قصيدة بلا عنوان كعادة الزايد في معظم قصائده نستشف ذلك الحس القومي المتقد إذ يقول:

يا أيها العرب انهضوا واستبسلوا

إن الحــــياة تزاحــم وجدال

نصبوا شباك الغدر في بحر الردى

فالعهد نقض والوعود خيال

وينهي قصيدته هذه قائلا:

إن الشعوب مصيرها في كفها

تهدى النفوس وتبذل الأموال

وقد غَلّب البعض فكرة أن عبدالله الزايد كان كاتبا وأديبا وقدراته في النثر اكبر من قدراته في الشعر ويستدل هؤلاء بأنه كان مقلا في الشعر، ويؤكد ذلك أحد الباحثين ممن تابع بدقة جملة كتاباته فهو أيضا ينفي عن الزايد قدراته الشعرية بسبب الكم القليل من الشعر الذي قاله طوال حياته، ويتضح ذلك أيضا مما قال عنه المؤرخ المرحوم مبارك الخاطر عند مقارنته بصديقه الشاعر عبدالرحمن المعاودة إذ يقول في الصفحة 193 في كتابه «نابغة البحرين عبدالله الزايد» تحت عنوان زمالاته الفكرية «عبدالله الزايد وعبدالرحمن المعاودة غصنان مورقان في دوحة الأدب العربي في البحرين، أما الزايد فكان للمعاودة الأخ الأكبر والصديق الأبر، كانت نزعتهما واحدة في التعبير عن آلام وآمال شعبهم مع اختلاف في الشاعرية، فالزايد ناظم والمعاودة مطبوع».

ولكني أرى أن المتتبع المنصف والمتذوق للشعر لو تعمق في قراءته لقصائد وأشعار الزايد يضطر إلى أن يعترف بشاعريته مهما كان مقلا، فقصائده ترقى إلى مستويات الشعر التقليدي الجيد الذي لا يجد فيه أي ضعف أو تخلخل وربما أن المأخذ الوحيد على شعره الذي جعل الخاطر يقول انه شاعر ناظم وليس مطبوع هو كونه جعل شعره وقفا على المناسبات.

رحم الله رائد الصحافة البحرينية المرحوم عبدالله الزايد الذي لم يشذ عن قاعدة الكثير من الشعراء عبر التاريخ إذ رحل عن الدنيا في وقت مبكر من حياته ضحية اتّباعه منهج شاعر البلاط العباسي أبي نواس والشاعر الفارسي عمر الخيام وتابع كل أولاده نهج والدهم في الإدمان بأمانة وإخلاص من دون أن يأخذوا منه جانب الثقافة والشعر فرحلوا جميعا إثر والدهم وهم في ريعان الشباب ليكونوا بجواره.

وقد علق رائد الصحافة البحرينية المعاصره المرحوم محمود المردي وقال: «من المؤلم أن عبدالله الزايد لم يُخلّف إلا رمادا»

العدد 441 - الخميس 20 نوفمبر 2003م الموافق 25 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً