العدد 4421 - الثلثاء 14 أكتوبر 2014م الموافق 20 ذي الحجة 1435هـ

مراقبة الإعلام بين الفشل والنجاح

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تتحدث معظم دول العالم عن أهمية الحريات الإعلامية وتتباهى بإتاحة تلك الحريات لمواطنيها، وتردد دائماً: إن الصحافة هي السلطة الرابعة في الدولة! هذه الأقوال وما يشبهها ربما نسمعها أحياناً من الدول التي تصنف على أنها من الأسوأ عالمياً في مستوى الحريات وبكل أنواعها، فالكل يريد تلميع وجهه وإن بالكلام الكاذب، ولكن بعض الوجوه يستحيل تلميعها لأن كل الملمعات لا تقوى على تبييضها.

وبصورة عامة فإن بعض دولنا العربية تعد من بين أسوأ دول العالم في مجال حرية الصحافة، وبطبيعة الحال فهناك دول أكثر سوءًا منها، ومن بينها كوريا الشمالية وفيتنام وإيران وغيرها، ولا يعني هذا أن الدول الأوروبية أو أميركا تتيح مجالاً خصباً للحريات الإعلامية، فهي الأخرى كابتةٌ للحريات وإن بشكل أقل بكثير من غيرها -هذا في داخل بلدانها- ولكنها تحاربها بضراوة خارج حدودها خصوصاً أميركا التي مارست دوراً مشيناً في حربها على الإعلام، خصوصاً أثناء حربها على العراق وأفغانستان.

مصر هي الأخرى وفي عهدها الجديد، مارست قمعاً إعلامياً كبيراً؛ فقد تم قتل وسجن عدد من الصحافيين، كما تم إغلاق الصحف والقنوات المعارضة للتوجّه الجديد للدولة، وما زال الأمر كما هو عليه حتى الآن.

أما في البحرين -وقد كان بودي تخصيص مقال خاص عن الحريات الإعلامية فيها ولعلي أفعل ذلك لاحقاً- فقد لاحظت في الآونة الأخيرة تضييقاً مبالغاً فيه على الحريات الإعلامية، وتسييساً لها داخلياً في بعض الحالات، وهذا خطأ فيما أعتقد. وكان في ظني أن تتسع هذه الحريات خصوصاً أن المسئولة عنها السيدة سميرة رجب هي إعلامية في الأساس، وكنت أقرأ لها وأسر بما تكتب، وهي بهذه الصفات تدرك أهمية الحريات في رفع مستوى الأداء الإعلامي وتصحيح مسار العمل في أجهزة الدولة.

ولكن الذي تنشره بعض صحف البحرين لا يبشّر بخير كثير في هذا المجال؛ فقد نشرت بعض الصحف أن هناك اتجاهاً للتضييق على ما يكتب في «التويتر» وكذلك مراقبة المغردين، وهذه المراقبة لها تبعاتها كما هو متوقع. وقرأت أيضاً أن رئيس تحرير إحدى الصحف ينتظر محاكمة بسبب رفع الوزيرة دعوى ضده تتهمه فيها بالقذف والسب، وقد كان من الأفضل إنهاء هذه المسألة ودياً وهذا لمصلحتهما معاً.

وفي هذا السياق فقد قرأت قبل فترة حديثاً للسيدة سميرة في صحيفة «العرب» التي تصدر في لندن، أكدت فيه على أهمية دور الإعلام في دعم الوحدة الوطنية والخصوصية المحلية، كما أكّدت كذلك على أهمية البعد عن البث الطائفي وازدراء الأديان! وكلامها جيد لاشك في ذلك، ولكن تطبيقه عملياً لا يزال ضعيفاً، وأحياناً نرى عكس ذلك؛ فقد قرأت بعض المقالات التي تحرّض على الطائفية، ومثلها أحياناً بعض البرامج التلفزيونية. وهذا يشكّل خطورةً على أمن ووحدة البحرين، وكان الأمل أن توقف السيدة سميرة رجب هذه الأشياء مادامت تدرك خطورتها وسوء عواقبها.

التضييق على الإعلام أو على بعض المواقع الالكترونية لن يفيد الدولة التي تفعله، هذا إذا لم يتسبب في الإساءة إليها عالمياً وحقوقياً بشكل خاص؛ فالمواطن قادر على اختراق الحواجز، والمنع قد يدفعه لفعل شيء ما كان سيفعله لولا حكاية المنع هذه! سيبحث عن الممنوع بوسائل شتى حتى يعثر عليه؛ فكل ممنوع مرغوب كما يقال.

والأفضل من ذلك أن تُرفع القيود عن الإعلام، وفي الوقت نفسه من حقّ كل من تضرّر من شخص أن يرفع دعوى قضائية ضده وينتظر القضاء ليحكم له أو عليه. هذا هو الصحيح، وهذا هو الذي سيقنع المواطن بأن حرية الإعلام مكفولة وبشكل صحيح.

ليس هناك حريات مطلقة في أي بلد في العالم، وليس مطلوباً أن يحصل هذا، بل إن خطره أكبر من نفعه، والاستبداد ليس هو الحل البديل، فالاستبداد مرفوض وهو طريق التمرد والرفض والإرهاب!

اعطوا الناس حرياتهم، واعطوهم حقوقهم، وساووا بينهم في الحقوق والواجبات، فإن فعلتم ذلك ستختفي السلبيات. والمخطئ بعد هذا كله يعد منحرفاً ويجب معاقبته، وهذا النوع سيكون نادراً دون شك.

صرامة الرقابة لن تحقق ما تريده الدول منها، لأن الفشل سيكون حليفها، ويتحقق النجاح بالحرية والعدالة والمسئولية.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4421 - الثلثاء 14 أكتوبر 2014م الموافق 20 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً