العدد 4423 - الخميس 16 أكتوبر 2014م الموافق 22 ذي الحجة 1435هـ

مجلس التعاون في دوَّامة المخطَّطات

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

من حقّ المواطن في دول مجلس التعاون أن يطرح السؤال التالي: ما الهدف الوطني أو القومي من وراء إقحام هذه الدول نفسها في كل صراع أو خلاف أو تنافس سياسي يظهر في أية بقعة من الوطن العربي، بل وأحياناً خارج هذا الوطن؟

في الماضي، وقبل قيام المجلس، أقحمت بعض دول الخليج العربية نفسها في صراع دولي بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي حين جيّشت وموّلت آلاف الشباب من مواطنيها ليحاربوا ويستشهدوا في أفغانستان تحت راية، وضعت كل تفاصيلها الاستخبارات الأميركية، وذلك باسم حماية الإسلام.

ولا حاجة لذكر النتائج الكارثية لذلك الإقحام، فهي لازالت ماثلة أمامنا في السّفك الجنوني الذي تمارسه القاعدة لدم الأبرياء من العرب والمسلمين والبشر الآخرين في كل بقاع الدنيا، وفي الاستباحة الأميركية المطلقة لكل أرض العرب والمسلمين بعد أن ساهم «الجهاديون» في أفغانستان في تدمير الاتحاد السوفياتي الذي كان عنصر توازن دولي في منطقتنا.

هل تستطيع سلطات الدول، التي أقحمت نفسها في ذلك العبث الدولي، أن تقول لنا ما الذي استفادته دولها على المستويين الوطني والقومي من المساهمة في تدمير الاتحاد السوفياتي؟

اليوم تمارس ذات الدول، وتجُّر معها بقية دول مجلس التعاون، إقحام النفس العبثي ذاته، والسّماح لأن تكون بلدانها وأموالها الأداة ذاتها في يد اللاعبين الدوليين الكبار، وعلى الأخص في يد استخباراتهم.

هذا الإقحام، الذي يستغربه القاصي والداني، والذي يأخذ أحياناً أشكالاً كارثية، متواجد في الصراعات الليبية، وفي الانتخابات التونسية، وفي الخلافات اللبنانية، وفي التجاذبات المصرية، وفي الصراع التدميري السريالي في سورية والعراق، وفي الانقسامات والمؤامرات في اليمن، وفي السودان والأردن وباكستان والدّاخل الخليجي نفسه والعديد من دول العالم.

هذا الإقحام، الذي يتدرّج ليصبح وباءً سياسياً، يشمل ساحات الاقتتال الدموية، ساحات التنافس السياسي الانتهازي، ساحات الإعلام البذيء، ساحات المساجد ومدارس الفقه وحفظ القرآن وساحات مؤسسات المجتمع المدني بكل أشكالها.

يسأل المواطن نفسه: كيف تستطيع دول متواضعة في أحجامها السكانية وقدراتها العسكرية والصناعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، أن تدخل نفسها في كل تلك الساحات وتتصرف وكأنها كتلة دولية كبرى؟ ذلك أن الكثير من التواجد غير المفسّر، بل والمحيِّر، لدول المجلس، في ساحات كثيرة ليس لما يحدث فيها أي ارتباط مباشر بمصالح دول المجلس الحيوية... هذا التواجد، الذي لا يهدأ على حال، أن له أن يطرح للنقاش بموضوعية تامة حتى يعرف المواطنون إلى أين يسير هذا المجلس.

في الساحات الشعبية هناك لغط كثير حول هذا الموضوع. هناك النظرية التي تفسّر كل ذلك بأنه يوجد قرار في بعض الأوساط الدولية، ينفّذ بحذق وخبث، لعدم السماح لتراكم الثروة البترولية والغازية الهائلة في يد حكومات دول مجلس التعاون لئلا يوجد في المستقبل وزن مؤثّر عربي في الأسواق الاقتصادية والمالية العالمية.

من هنا الضغط الغربي الدائم على دول مجلس التعاون لتسدّد فواتير الحروب والصّراعات في هذا الإقليم، ولتساهم بشكل كبير في إعادة إعمار ما تهدّمه تلك الحروب والصّراعات. ومن أجل ذلك تطورت الضغوط لإقحام دول المجلس في تجييش وتسليح التكفيريين من جهة، وفي دفع الرشاوى وشراء الذمم لهذه الجهة السياسية أو الإعلامية أو الدينية أو تلك من جهة أخرى.

وتكتمل الصورة ويتضاعف الإغراء عندما تتناغم الرغبة الخارجية الخبيثة مع الأسباب الانتهازية الداخلية، وما أكثر صورها وبلاداتها ومهازلها، لتصبح دولنا الخليجية، بقصد أو بغير قصد، مصدر تنفيذ لإرادة الخارج بالوكالة، ومصدر تمزيق وخلط أوراق في الساحة السياسية القومية، بل وأداة لكل أنواع الجنون القبلي والإثني والمذهبي الطائفي.

هناك ثروة عامة تخص المواطنين الساكنين في هذه الأرض العربية تحرق وتبعثر دون رقابة أو محاسبة برلمانية وإعلامية ومجتمعية، ودون أن يعرف المواطنون لماذا وكيف وإلى أين وما هو الثمن.

إنها مأساة غياب الديمقراطية الحقة. إنها مأساة الضعف التاريخي للمجتمع ومؤسساته المدنية. إنها التهميش المتعمّد للمواطن. إنها جريمة بحق الأجيال القادمة.

والنتيجة المفجعة هي نجاح الطمع والخبث الخارجي، وبلادة وقلّة حيلة الداخل في ضياع فرصة تاريخية لاستعمال ثروة مؤقتة ناضبة، تدُر أكثر من تريليون دولار في السنة، لإدخال أمة العرب، كل أمة العرب، في عصر ذهبي جديد.

أين فواجع الميثولوجيا الإغريقية من فاجعة العرب التي يعيشونها الآن!

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4423 - الخميس 16 أكتوبر 2014م الموافق 22 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 2:15 م

      الحل الوحيد هو العودة إلى ما أمر الله به

      لقد اجدت التشخيص ولكن مع الأسف جانبت الصواب في الحل ...
      قال الفاروق رضي الله عنه : نحن قوم اعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .
      لذلك لابد للعودة الصادقة ليعود لنا العز والتمكين

    • زائر 22 | 7:53 ص

      8

      للاسف دكتور تتحدث عن الديمقراطية وارادة الشعوب وانت تدعو للمشاركة في برلمان .. يسلب الارادة الشعبية ويكرس الظلم والجور .. تناقض ..

    • زائر 23 زائر 22 | 10:17 ص

      ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي

      ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي ويلي

    • زائر 24 زائر 22 | 2:53 م

      يعني شنو ويلي ويلي ويلي؟

      ويلك على ويش الله يغربل ابليسك

    • زائر 21 | 7:04 ص

      بس في البحرين

      مجلس العموم ( برلمان العازة ) اعطى الصلاحية للمشاركة في الحرب. ههههه

    • زائر 19 | 5:35 ص

      الجواب المعروف

      لماذا نطرح دائماً أسئلة عن مهازلنا العربية ونحن ندرك يقين أجابهتا الصحيحة والدقيقة ...هل هو نقصان للشجاعة أو محاولات لتخدير شعوبنا بأننا نملك بعض من ما تبقى من الإحساس لنستعرض بمعرفتنا لجزء هزيل من مصائبها..س.د

    • زائر 18 | 3:48 ص

      الرصاصي لوني المفضل

      المشكلة مو في حكومات دول مجلس التعاون الخليجي فهذه الدول لم تدعوا ولم تضرب احدا على يده ليفجر نفسه في اماكن الاضطرابات المشكلة تكمن في المتطرفين والارهابيين المتواجدين بين شعوب دول المنطقة الذين يسارعون في التدخل في كل مكان بحجة الاسلام ومساعدة المسلمين وغلبهم هم من المرضى النفسانيين او اصحاب السوابق في كل الموبقات

    • زائر 16 | 3:02 ص

      تسلم يا معالي الدكتور

      المضحك المبكي ان أكثر هاده الدول بعيده كل البعد عن الديمقراطية وحقوق الإنسان معدومة فيها يئمرون الناس بل المعروف وينسون أنفسهم وفي المقابل أكثر الأموال التي دفعت لمنظمات الإرهابية من كبار رجال الأعمال من نفس الدول المتحالفة لمحاربته

    • زائر 15 | 2:54 ص

      شكرًا لك

      مقال مختصر مفيد يبين حال العرب والمسلمين كيف باتو ممزقين كلٌ له تصورات بأن الأخر يطمع في القضاء عليه وتستمر حروب الحلقه المفرغة

    • زائر 10 | 2:08 ص

      مفارقه

      من ناصب الاتحاد السوفييتي السابق العداء وساهم في ضرب استقراره وتفككه يتسابقون اليوم في خطب ود ما تبقى من جمهورياته

    • زائر 9 | 1:42 ص

      يادكتور.

      نعم صح لسانك يا دكتور . ولكن هذا الموضوع الثرى عندما يقرأه ذو الخبث الداخلى أو الخارجى لا يفهمونه ,او با الاحر لا يريدونه يكون لانه الكارثه لديهم عندما يكون.

    • زائر 7 | 11:43 م

      نأمل اجابتك على اسئلة المقال في المقال اللاحق

      لانك تملك اجابة الاسئلة التي سالتها نتمنى موافاتنا بالاجابة عليها في المقال القادم .
      جل ما طرحته من اسئلة تملك جوابها فلا تنتظر الاجابة منهم وممن سالت
      هل تلبي الطلب ام هي اسءلة تطرح في الهواء فقط

    • زائر 6 | 11:06 م

      وا حسرتاه على خيرات بلادنا يتلاعب بها الأجانب

      نرى خيراتنا تتلاعب بها دول الجور والظلم العالمي لتحرقها في حروب طاحنة تخدم مصالح الدول الكبرى يشعلون حربا في مكان بأموالنا ثم يخمدونها بأموالنا ثم يشعلون اخرى ويخمدونها والكلفة على ظهورنا وهلمّجرا

    • زائر 5 | 11:02 م

      الشعوب النائمة ومقدراتها تسرق وضح النهار

      شعوب المنطقة الخليجية انامهم بعض الفتات الذي القي اليهم فأصبحوا نياما لا يعون شيئا مما يحصل لهم يدفعون بفلذات كبدهم وخيرات بلداهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وطالما الشعوب نائمة فالحكومات ستجعل الباب مفتوحا للعب الآخرين بأوطاننا

    • زائر 4 | 10:59 م

      بقاء الكراسي مع بقاء مصالح الدول الجشعة

      دول جشعة طمّاعة لا تهمّها الا مصالحها فقط وفقط . هذه الدول تتحكّم في مقدّرات دول الخليج وتتلاعب بها وفق مصالحها وهذه الدول محكومة من حكومات لا ترى لأمتها اهمية بقدر ما ترى اهمية كراسيها ومقاعدها والبقاء على هذه الكراسي اطول وقت

    • زائر 2 | 10:37 م

      هاهي اسعار البترول اقصد الطاقة في هبوط والسبب معروف

      لماذا ندخل في شقاء دول المليارات متوفرة وجاهزة للصرف الخارجي والداخل بطالة وأزمة سكن لو صرفت للتنمية لما رفع مواطن صوته احتجاجا لكنه القرار الفردي المسيطر على كل شيء ونقول هاهو برميل النفط في هبوط كم خسارة دولنا في ذلك المليارات والسبب أضعاف اقتصاديات روسيا وايران ونقول هم يلعبون حافة الهاوية وسيسقطون فيها هذه المرة بسبب القرار الفردي وليس المؤسساتي

    • زائر 1 | 10:32 م

      زين نشرته الوسط بعض الصحف الخليجية رفضت

      كلام في الصميم وواقعي وسؤالي هل يؤخذ براي شعوبهم والجواب لا لأنهم رعايا وهم في القرن الحادي والعشرون والموضوع يستحق القراءة وشكرا للوسط

اقرأ ايضاً